صربيا - معاناة لاجئين في مستودع وسط العاصمة بلغراد
١٨ يناير ٢٠١٧عندما وصلت الحافلة، كان عباس خان مسترخيا على فراشه الداكن وغير مبال بما يحدث في الحجرة الصغيرة التي يلقبها رفاقه ب "بيشاور الصغيرة". وتوجد هذه الحجرة الصغيرة في الطابق الأول من بناية مستودع قديم خلف محطة القطار الرئيسية في بلغراد. في تلك الحجرة تتراكم في إحدى الزوايا أحذية متآكلة، وتتناثر هنا وهناك أفرشة داكنة متسخة يمكن عبرها الحصول على شيء من الدفء، حيث يخيم على المدينة برد قارس في مستوى درجة الصفر. جميع الشباب الذكور في الحجرة ينحدرون من بيشاور الباكستانية، وهذا هو سبب تسمية الحجرة ب " بيشاور الصغيرة". وتسعى مفوضية اللاجئين الصربية انتقاء بعض الأطفال القاصرين هناك لنقلهم إلى مخيمات رسمية. ويعبر خان، وهو بائع سيارات، عن أمله بالقول:"ربما يأتي دورنا بعد أيام قليلة". وذكرخان أنه تعرض في وطنه للابتزاز من قبل حركة طالبان وتم تهديده، لذلك فقد مرغما على الهرب.
منذ خمسة أشهر وهو يقيم في بلغراد، ولذلك فإنه يُعد من "العناصر القديمة" في الملجأ المُبتكر. من بناية المستودع القديم تفوح روائح كريهة للعرق والبول ومن أكوام الأزبال المتراكمة وأيضا من دخان نيران متفرقة هنا وهناك يستخدمها اللاجئون لتدفئة أياديهم أو لطبخ الحساء.
أكثر من 1.000 رجل وقاصر يقبعون هنا، غالبيتهم من أفغانستان وباكستان. بعضهم يقول بأنه لم يحصل على مكان في مراكز اللجوء العادية في صربيا. والبعض الآخر يرفض الالتحاق بتلك المراكز، لأنهم يخشون أن يُقتادوا إلى بريسوفو، المخيم الرهيب على الحدود مع مقدونيا، قبل ترحيلهم. وهناك منهم من ينتظر مهربين، اتخذوا من بلغراد مقرا لهم، بسبب الموقع الجيد للمدينة، إذ يمكن الوصول إلى الحدود الكرواتية بعد ساعة من السفر بالسيارة، والحدود المجرية بعد ساعتين. عباس خان حاول العبورعبر الطريقين المذكورين للوصول الى مجال الاتحاد الأوروبي، لكن دون توفيق. ويقول خان: "وصلنا مرة ليلا عبر الحدود الكرواتية ومشينا نحو 18 ساعة على الأقدام، وعندما قبضت علينا الشرطة أخذوا منا الهواتف والمال . وضربونا مثل الملاكمين، وعندما حاولت حماية رأسي انهالوا علي بضرب أكثر، يضيف الشاب الباكستاني الذي سحب الغطاء حتى العنق، فهو مريض حقا، وحصل على بعض الأقراص من الطبيب.
أمل في مأوى جديد للاجئين
"الكثيرون يأتون إلينا بسبب عدوى جلدية أو مشاكل في التنفس"، يقول نيمانية رادوفانوفيتش الذي لا يزيل واقي الفم حتى أثناء الحديث معنا. ولن يكون ذلك ضروريا، لأن أبواب الحافلة الصغيرة التابعة "لأطباء بلا حدود" أمام محطة القطار تُفتح باستمرار بسبب تدفق المرضى الذين يعانون من أمراض عادية، لكن هناك أيضا حالات خطيرة. ويقول الطبيب الصربي:"إلى حد الآن كانت هناك خمس حالات مصابة بلسعة برد، وكان من الضروري نقلهؤلاء الأشخاص إلى المستشفى. كما كانت هناك حالات حروق بسبب أكوام النيران".
بناية المستودع القديم المليء بهؤلاء اللاجئين المرضى الذين يحملون القمل أصبحت منذ أشهر موضوع الساعة في صربيا . لكن في الأيام الأخيرة حين نزلت كميات كبيرة من الثلوج في بلغراد وهوت درجات الحرارة إلى 15 درجة تحت الصفر، تجمهر صحفيون أجانب حول المكان الذي يمكن "أخذ صور جيدة فيه". ويتردد في وسائل إعلام صربية أنه بفضل اهتمام الصحفيين الأجانب بدأت حافلات تأتي لنقل قسم من اللاجئين إلى أماكن أفضل للاقامة، ويُقال بأن الدولة الصربية تريد توفير صور جميلة عن الوضع لعدسات الكامرات.
وتفيد معلومات حصلت عليها DW أن 48 من القاصرين تم نقلهم في بداية الأسبوع إلى مركز لجوء بالقرب من بلغراد بسبب ضيق المكان. كما يُنتظر تحويل ثكنة عسكرية تبعد بثلاثين كيلومترا عن بلغراد إلى ملجأ. ويقال بصفة غير رسمية أن بناية المستودع القديم خلف محطة القطار سيتم إخلاؤها. وقال متحدث باسم مفوضية اللاجئين:"نأمل في أن يغادرالمهاجرون المستودع عن طيب خاطر، عند توفير سكن لهم بالقرب من بلغراد". فالدولة لا يمكن تحميلها مسؤولية الوضع البائس في محيط محطة القطار. وهناك أماكن كافية على مستوى البلاد، إذ يجب فقط التوجه إليها. وتدعي جهات رسمية أن المساعدين المتطوعين هم الذين يتحملون بالأساس المسؤولية في ذلك، لأنهم يشجعون اللاجئين على البقاء في الشارع.
عمليات ترحيل غير قانونية
لم يبق سوى عدد محدود من المساعدين، بعدما أوصت الحكومة المنظمات غير الحكومية بالعدول عن توزيع الأكل والألبسة. أكثر تلك المنظمات احترمت ذلك، لأنها لا تريد الدخول في صراع مع السلطات. ومازال في عين المكان مجموعة دولية تُسمى "أكل ساخن إيدوميني" وهو إسم يذكر بالمخيم الصغير على الحدود اليونانية المقدونية الذي اقترن اسمه طويلا بأزمة اللاجئين. وفي الظهيرة يتم توزيع وجبات أكل ساخنة. المئات من الأشخاص ينتظرون بصبر الحصول على الغذاء المكون من الفاصوليا والعدس وقطعة خبز.
كما بقي رادوس دوروفيتش الذي يدير منظمة غير حكومية باسم "مركز إغاثة اللاجئين" من بلغراد. وهو يقدم بوجه خاص المشورة القانونية. "الجهات الرسمية تردد أمام الرأي العام أن هؤلاء الناس يفضلون الهلاك في البرد عوض التوجه إلى مخيمات اللاجئين. وهذا غير صحيح"، كما يقول دوروفيتش الذي أضاف: "المخيم في بلغراد ممتلئ عن آخره، واللاجئون يحالون جزئيا على مراكز تبعد بمئات الكيلومترات بشكل غير منظم. كما أنهم سمع لاجئون من مواطنين لهم عن وجود عمليات ترحيل وبالتالي فهم يخافون".
وهناك تقارير إعلامية تحدثت عن قيام رجال شرطة في منتصف ديسمبر بانتزاع عائلة عراقية من داخل حافلة لإبعادها إلى ما وراء الحدود داخل الغابة البلغارية. هذا حصل رغم أن العائلة العراقية كانت مسجلة وهي في طريقها إلى أحد المراكز جنوب صربيا.
أمل في مساعدات من سويسرا
وفجأة حدثت تحركات أمام مبنى المستودع القديم في بلغراد، حيث تجمع الناس حول رجل نحيف هناك."لم أقدر على التحكم في دموعي عندما رأيت هذه الظروف"، يقول لوكاس زيغفريد مشيرا إلى بناية المستودع." هذا أعادني إلى صور القرن الـ 19. إنها ظروف لا يمكن أن نسمح بها في وسط أوروبا". قبل 11 عاما قام هذا الرجل من مدينة بازيل بتأسيس منظمة خيرية تُعنى بالاندماج المهني للاجئين في سويسرا. ويقول زيغفريد إنه يجب "تحريك الذين لا يُبالون، والذين يشاهدون هذه المشاهد السيئة عبر التلفزة، ولا يحركون ساكنا".
طلب زيغفريد من اللاجئين المتجمعين حوله في بلغراد تدوين اسمهم وأرقام هواتفهم، وهو يعتزم عرض هذه اللائحة على السلطات السويسرية كي تساهم في تحسين وضع هؤلاء الأشخاص.
داخل حجرته "بيشاور الصغيرة" في بناية المستودع يشاطر عباس خان هذا التفاؤل، وهو يأمل في الانتقال يوما ما إلى فرنسا. لكن مخططاته في هذا المساء ليست كبيرة، فهو يريد الحصول قبل كل شيء على أكل لذيذ، ولذلك فإنه يترقب ما سيقدم له صديقه، الذي بدأ في تقطيع الطماطم والبصل لتحضير الأكل.
نيمانية روجفيتش/ م.أ.م