صعوبات وقلة التمويل – عراقيل أمام العلاج النفسي للمرضى السوريين
٧ أبريل ٢٠١٤غادر الزوجان، لمى وكنان، مع طفلهما الرضيع سوريا وحط بهم الرحال قبل أكثر من عام في العاصمة الألمانية برلين. بيد أن سوريا، حيث مرابع الصبا سابقاً ومرتع الحرب حالياً، رفضت أن تغادرهم وأبت إلاّ أن تترك في نفسيهما بصمات غائرة، بعضها حلو وبعضها الآخر مرّ. وقد أصبح المصير المشترك للعائلة في مهب الريح، بعد أن طغى البرود على حياتهما الزوجية.
وقد عمل الطبيب والأخصائي النفسي، باسل علوظي، على مساعدتهما في تجاوز مشاكلهما. وقد حقق بعض النجاح. "يعاني الزوجان من اضطرابات ما بعد الصدمة"، يشخص علوظي، الطبيب في المركز الصحي التابع لحي "نيكولن" في برلين، حالتهما. ويضيف قائلا: "أعراض الحزن الاكتئابي عند الزوجة واضحة كاملة: وهي الحزن المستمر وفقدان القدرة على الإحساس والنظرة التشاؤمية للحياة وضعف جسدي عام وسرعة التعب. أما الزوج، فكثيرا ما يفقد أعصابه بشكل هستيري، وهو دائم التوتر".
أعراض وعلاج "اضطراب ما بعد الصدمة"
"اضطراب ما بعد الصدمة" (Post Traumatic Stress Disorder) هو اضطراب نفسي ناتج عن صدمة مادية أو نفسية أو كليهما. وقد تأتي الصدمة نتيجة التعرض لحادث عنيف كالتعذيب والسجن والاغتصاب والاختطاف وحوادث السير والكوارث الطبيعية. وعادة ما يكون أهالي البلدان، التي تشهد نزاعات مسلحة، الأكثر عرضة لهذه الصدمات.
ولكل إنسان عتبة نفسية للتحمل، وعند تجاوزها يهتز توافقه النفسي، وقد تنهار دفاعاته النفسية. وفي هذا الإطار، يعرّفنا الطبيب النفسي-العقلي، جاسم المنصور، المقيم في مدينة لايبزغ الألمانية، على أعراض المرض: "أولا، إحياء التجربة: وهو شعور متواصل يراود المريض بأن الحدث الصادم لم ينته وأنه عالق فيه، وربما يتطور الأمر إلى تعامل وسواسي مع الحدث الصادم. ويكون ذلك مصحوباً بكوابيس متكررة وذكريات مزعجة تتعلق بالحادث الصادم. ثانياً، يقوم المصاب بتجنب كل ما له علاقة بالصدمة من بشر وأماكن وفعاليات.
وقد تتطور الحالة إلى نفور من الآخرين وانطواء عل النفس وفقدان الاهتمام بالحياة والمستقبل. ثالثاً، إثارة مفرطة: وهي عبارة عن إحساس مستمر بالتأهب والعصبية وصعوبة التركيز. وبسبب هذا الوضع عادة ما يعاني المريض من اضطرابات أثناء النوم."
وفي حال ظهرت الأعراض السابقة لابد من تدخل الطبيب أو الاخصائي النفسي وعدم تأخير ذلك. ويكون العلاج "بإعطاء المصاب بعض الأدوية لمعالجة أعراض محددة للاضطراب مثل انعدام النوم، الذعر، أو الألم. ولكن هذه الأدوية، يشدد الدكتور الجاسم هنا، "لا تكفي وحدها، بل تسهل المواجهة أثناء العلاج النفسي والسلوكي المعرفي". ويوضح بالقول: "المعالج النفسي يهدف إلى طمأنه نفس الناجي ومعالجة التجربة الصادمة والتركيز على العودة إلى تأدية الوظائف الحياتية بصورة طبيعية."
مشاريع ومبادرات شبابية رائدة
من جهته، أسس الأخصائي في الطب النفسي، وسام محاسنة، وبتمويل من منظمة التعاون الإسلامي، "مركز معالجة الصدمات" قبل عشرة أشهر في "مخيم كلس" على الحدود السورية التركية. ويقول الطبيب محاسنة: "يضم المركز طبيب نفسي وثلاثة أخصائيين نفسيين وسكرتيرة، بالإضافة لمتطوعين."
وعن الخدمات العلاجية والطاقة الاستيعابية يضيف محاسنة: "نستقبل حوالي 400 حالة شهرياً. يقصدنا المرضى من جميع أنحاء تركيا وكذلك من شمال سوريا؛ لأننا الوحيدون في تركيا الذين نقدم خدمات علاجية مجانية. كما نقدم استشارات نفسية لخمس مدارس وأربع دور استشفاء للجرحى السوريين. كما ننظم محاضرات دورية للأطباء والمعالجين النفسيين، ونزور بيوت اللاجئين."
أما في العالم الافتراضي، فيدير ويشرف الدكتور جاسم المنصور على مجموعة مغلقة على الفيسبوك تحت اسم "اضطرابات ما بعد الصدمة عند السوريين". ويبلغ عدد مشتركي المجموعة أكثر من ألفي شخص. ويقوم الدكتور السوري-الألماني بتقديم التدريب والإرشاد حول أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال للمختصين. والأهم من ذلك تخصيصه ساعة يومياً لعلاج المرضى على هذه الصفحة. وكل ذلك بشكل تطوعي دون مقابل. وقد تكللت جهوده وزملائه بتأسيس "الجمعية السورية للصحة النفسية". وقد عقدت الجمعية -المُسجلة في بريطانيا- "المؤتمر الثاني للآثار النفسية والاجتماعية للأزمة السورية" في مدينة غازي عنتاب التركية في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي.
أما في برلين، فقد أطلقت مجموعة من الناشطين الألمان والسوريين في أيلول / سبتمبر الماضي مبادرة "الأطفال أولاً"، حيث يتركز عملهم على استخدام الفن في التخفيف من آثار الصدمات النفسية على الأطفال. ولا يخلو عملهم من الصعوبات: "على رأسها موضوع التمويل وكذلك صعوبة الوصول إلى الأطفال اللاجئين، إذ تمنع السلطات الألمانية دخولهم لمراكز اللجوء."، حسب ما يقول أحد أعضاء المجموعة.
ليس بالخبز وحده يُغاث السوري!
كما في سوريا الآن، كذلك كان الأمر في المناطق، التي شهدت نزاعات مسلحة كيوغسلافيا السابقة ودارفور وسيراليون؛ غالباً ما تكون الصحة النفسية في أسفل سلم الاهتمامات. وتنصب جهود الإغاثة – على قلّتها مقارنةً بما هو مطلوب – على الإغاثة المادية، أي تقديم الغذاء والدواء. أما الرعاية والتأهيل النفسي والاجتماعي والعقلي، فلم تنل نصيبا يذكر من هذه الجهود.
وفي حال بُذلت هذه الجهود، فإن انعدام أو قلة التمويل قد يحول دون تقديم أي علاج نفسي يُذكر، على غرار ما يواجهه حاليا الدكتور محاسنة. ذلك أن مركزه لعلاج الصدمات النفسية، الذي تبلغ تكاليفه الشهرية حوالي 15 ألف دولار، مهدد بالإغلاق بعد انتهاء تمويله بعد أقل من شهرين. ولا يدري كيف سيعالج مرضاه في المستقبل ولا كيف سيتمكن من تمويل المركز حتى لا يتحتم عليه غلق أبوابه.