صنصال يقارب بين الاسلاموية والفاشية في "قرية الألماني"
١ يوليو ٢٠٠٩تستوحي الرواية المغاربية موضوعاتها عادةً من التراث الشعبي للمنطقة أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة هناك، لكن رواية "قرية الألماني" للروائي الجزائري بوعلام صنصال طرقت دربا جديدا، فقد تناولت هذ الرواية التي صدرت الطبعة الأولى منها بالفرنسية ملف الحقبة النازية والهولوكست، وهو ملف قلما تتطرق إليه الرواية المغاربية أو العربية عموما. عن ذلك يقول بوعلام صنصال "إن هذه الرواية مبنية على ثلاث قواعد وهي: الحقيقة التاريخية والمسؤولية والشفافية"، وهي القواعد التي يتغاضى عنها الكثير من الكتاب العرب للحديث عن علاقة بعض المجتمعات والأنظمة العربية بفلول النظام النازي، حسب رأيه.
إهتمام صنصال بالحقبة النازية ينبع من قناعته بأهمية التعريف بالجرائم الإنسانية حتى لا تتكرر. إذ يقول في لقاء مع دويتشه فيله "إن الشباب العربي بات يجهل حقيقة النازية، والأمر يعود لعدم اهتمام المثقف العربي بهذه الحقبة التاريخية وما خلفته من نتائج". ويتساءل "لماذا لا نجد كتابات عربية متعلقة بالهولوكست؟ بالرغم من أن الهولوكست لا يمس فقط أوروبا أو ألمانيا أو اليهود، إنها قضية تمس البشرية، ويجب لفت النظر إليها وإلى الجرائم الأخرى التي ارتكبت في العالم، مثل رواندا وأرمينيا، وكمبوديا، فالأمر إنساني قبل كل شيء". وفي هذا الشأن يحذر من تجاهل حقيقة هذه الجرائم باعتبار أن عدم المعرفة بها قد يؤدي إلى قيام أنظمة متطرف في المنطقة على غرار الأنظمة الفاشية.
نازي يستقر في الجزائر
تدور رواية "قرية الألماني" التي قدم صنصال الترجمة الألمانية منها مؤخرا خلال أيام الأدب المغاربي في مدينة هايدلبرج الألمانية نهاية الشهر الماضي، تدور حول نازي ألماني يدعى هانز شيلر، اختفى عن الأنظار بعد الحرب العالمية الثانية ليستقر به المقام في إحدى القرى الجزائرية ويشارك في الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
الرواية كما يقول صاحبها "تحاول أن تلقى نظرة عن حقبة النازية وما بعدها عبر نظرة الطفل البريء إلى الجرائم التي ارتكبت في حق البشرية". فشيلر الذي دخل الإسلام وتزوج وأنجب يلقى مصرعه هو وزوجته على أيدي اسلاميين متطرفين، ثم يكتشف ابناه بعد مقتل والدهما السر الذي أخفاه عنهما طيلة حياته، وهو أنه شارك في جرائم النازية. فيجدان نفسيهما فجأة في مواجهة ماض مؤلم يشعران أمامه بالحيرة.
يقول صنصال" إن فكرة الرواية مبنية على قصة حقيقة، ففي ثمانينيات القرن الماضي حل الكاتب بإحدى القرى الجزائرية القريبة من ولاية سطيف، ليكتشف أن ضابطا سابقا في الجيش النازي كان يحكم هذه القرية، ولا يزال ينظر إليه كبطل للخدمات التي قدمها لأهل القرية و مشاركته في ثورة الجزائر".
الاسلاموية والفاشية
وفي إحدى النقاط الأكثر جدلية في الرواية التي كُتبت بالفرنسية يحاول الكاتب المقاربة بين الفاشية والاسلاموية، فبطل رواية "قرية الألماني" النازي "شيلر" لقي حتفه مع زوجته على يد مجموعة إسلامية متطرفة، وهو نفس المصير الذي لقيه آلاف الجزائريين بمختلف أطيافهم طيلة عشر سنوات من الإرهاب، وهنا يقول صنصال "إن ما يقوم به الاسلامويون المتطرفون من قتل وترهيب هو فاشية في حد ذاتها ولا يجب السكوت عنها".
صنصال الذي قرأ كثيرا عن حقبة النازية كما يقول وجد قواسم مشتركة بين هذه الأخيرة والعنف الذي يرتكبه اسلامويون، ولعل من ابرز هذه القواسم التي يذكرها هي كراهية الآخر، وتبنيها لمبدأ "إما إن تكون معي أو أن تكون ضدي".
رواية "قرية الألماني" التي عرفت نجاحا منقطع النظير في أوروبا بعد ترجمتها إلى عدة لغات عدا اللغة العربية لا تزال تحت مقصلة الرقيب الحكومي، وقد لا تدخل الجزائر بالرغم من أن جمهورها الحقيقي موجود هناك، فالرواية لاقت استهجانا كبيرا من طرف الإعلام الجزائري، إذ وصفها بعض الكتاب هناك بأنها تتنافى مع أخلاقيات الثورة الجزائرية .
الكاتب: يوسف بوفجلين
تحرير: هيثم عبد العظيم