طريق المهاجرين الى قبة البرلمان في أوروبا ليس من حرير
٢٧ يونيو ٢٠١٠نجح ثلاثة نواب من أصل مغربي في الوصول الى قبة البرلمان البلجيكي في الانتخابات التي أجريت في الثالث عشر من يونيو/حزيران الحالي، كما تمكن أربعة مرشحين آخرين من أصول مغربية من الفوز بمقاعد في مجلس الشيوخ البلجيكي. وحقق نواب هولنديون من أصول مغربية بدورهم إختراقا مهما في الانتخابات البرلمانية الهولندية التي جرت الشهر الحالي، فقد تمكن خمسة من أصل 11 مرشحا من الفوز بمقاعد في البرلمان الهولندي.
وشهدت الإنتخابات التشريعية الأخيرة في بلجيكا وهولندا مشاركة مكثفة لمواطنين من أصول مهاجرة وخصوصا تركية ومغربية وجزائرية، وظهرت مؤشراتها في نسبة الأصوات المرتفعة التي حصل عليها مرشحون من أصول مهاجرة. ويشكل المهاجرون المغاربة ثاني أكبر جالية في أوروبا بعد الأتراك، ويناهز عددهم في أوروبا حوالي مليوني مهاجر.
ورغم الجدل الذي يدور في هولندا وبلجيكا حول مدى ولاء النواب، المنحدرين من أصول مهاجرة، وباعتبارهم مزدوجي الجنسية، يؤكد عدد منهم بأنهم يواصلون مسيرتهم السياسية والاجتماعية في محاولة لإثبات تمثيليتهم للناخبين الذين وضعوا ثقتهم فيهم، ودون تمييز حسب أصولهم، ذلك ما تؤكده النائبة الهولندية من أصل مغربي خديجة عريب والسيناتور البلجيكي من أصل مغربي حسن بوستة في حوار مع دويتشه فيله.
المجتمع المدني خميرة السياسة
بدأ حسن بوستة المغربي الأصل والبلجيكي النشأة، تجربته السياسية منذ عشرين عاما وانطلقت بنشاطه في هيئات المجتمع المدني وخصص حيزا مهما من مساره الأكاديمي لقضايا الهجرة، وفي عام 2006 قرر خوض غمار الانتخابات البلدية لمنطقة لييج البلجيكية مرشحا بإسم الحزب الاشتراكي. وإثر فوز بوستة في الإنتخابات البلدية اقترح عليه حزبه التقدم للانتخابات التشريعية سنة 2007 ورغم انه لم يوفق فيها إلا انه حصل على نسبة مهمة من أصوات الناخبين، مما ضاعف ثقة حزبه فيه فطلب منه الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ، وذلك بعد سقوط الحكومة البلجيكية هذه السنة، وسيبدأ مهمته كعضو في مجلس الشيوخ ابتداء من السادس يوليو/ تموز المقبل. "المساواة والعدالة الاجتماعية هي من الأولويات التي يجب العمل عليها والحزب الاشتراكي مهتم بهذا الأمر"هكذا يعلل السيناتور ذي الأصل المغربي اختياره الإنتماء لحزبه منذ كان في الجامعة.
من جهتها دخلت خديجة عريب قبة البرلمان سنة 1988نائبة عن حزب العمل الهولندي،"لم أكن أفكر قط في الدخول إلى البرلمان الهولندي" تقول خديجة، فقد كان نشاطها طيلة 17 عاما في المجتمع المدني.
وتعتبر خديجة أول نائبة هولندية من أصول مهاجرة، وكانت في بدايات تجربتها السياسية عضوا عاديا في صفوف الحزب الذي اجتذبها سياسيا لتعاطفه مع قضايا الدول النامية والفئات المهمشة في المجتمع الهولندي، كما أوضحت خديجة، وأضافت إن نشاطها في ميادين الصحة والهجرة والمرأة، كان دافعا لها للترشح بإسم حزب العمل لانتخابات 1998، وما تزال خديجة تمارس مهامها تحت قبة البرلمان الهولندي لحد الآن بفضل تجديد الثقة فيها من قبل ناخبي دائرتها.
ممثلون لناخبيهم وليس لأصولهم
يعيش المهاجرون في بلجيكا أوضاعا صعبة، فنصف البلجيكيين من أصل مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر كما يقول حسن بوستة، مضيفا أن من بين الاعتبارات التي دفعته لاختيار الإنتماء للحزب الإشتراكي، أن هذا الأخير يولي اهتماما خاصا بقضايا المهاجرين. لكنه يؤكد أنه بصفته الآن عضوا في مجلس الشيوخ ممثلا لناخبي دائرته، فهو يمثل المجتمع البلجيكي بجميع مكوناته ليس فقط الجالية المغربية التي ينحدر منها، إلا أن عمله كباحث في قضايا الهجرة، مكنه من معرفة احتياجات المهاجرين، وبالتالي سينقل تلك القضايا إلى قبة البرلمان ويحاول إيجاد حلول سياسية لها كما يقول بوستة"لن أهتم فقط بمشاكل المغاربة، فأي جالية مكونة للمجتمع البلجيكي ستدخل في دائرة اهتماماتي" لكنه يضيف بأن أصوله المغربية تساعده على فهم أفضل لمشاكل المهاجرين المغاربة.
من جهتها تقول النائبة الهولندية خديجة عريب "أبي عاش عاملا هنا لذا أعرف جيدا وضعية المهاجرين"، ورغم تأكيدها بأنها نائبة في لائحة وطنية وتمثل الهولنديين باختلاف دياناتهم وأجناسهم، إلا أنها لا تخفي ارتباطها بقضايا المهاجرين المغاربة في هولندا.
وتوضح خديجة أنها لحسن الحظ غير مكلفة بحقيبة الهجرة لكي تتعامل بحذر مع الملفات التي تطرح عليها، فهي دائما ما تكلف بحقيبة الصحة والمرأة التي تعني ضمنيا المهاجرين "عندما أتحدث عن المرأة والحجاب يعرفون أنني سأتعامل مع الموضوع كهولندية الى أبعد الحدود، أنا لست محجبة لكن أدافع عن حرية الاختيار".
وتتفق البرلمانية الهولندية مع حسن بوستة حول المعاناة الإجتماعية التي يواجهها المهاجرون المغاربة نتجية الأزمة الإقتصادية التي ألقت بظلالها على المهاجرين أكثر من غيرهم من المواطنين الهولنديين.
معاناة بسبب ازدواجية الجنسية
بعد توالي صعود الهولنديين من أصول مهاجرة إلى البرلمان وتوليهم مناصب في الحكومة، تعالت أصوات من أحزاب اليمين المتطرف تشكك في ولائهم لهولندا وتخيرهم بين الجنسية الهولندية وجنسية البلد الأم، خديجة عريب تقول أنه ليس من السهل أن يُتقبَل البرلماني من أصول مغربية أو عربية، خاصة في السنوات الأخيرة،"نحن نعيش وضعا سياسيا مشحونا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001" تضيف خديجة. فالنظرة إلى المغاربة والمسلمين تغيرت بصفة عامة ليس في الولايات المتحدة فقط، بل ايضا في الدول الأوربية، وأصبحت تُطلق أحكام مسبقة واتهامات بالإرهاب وعدم التسامح، وهي الورقة التي ربح بفضلها حزب اليمين المتطرف الانتخابات الأخيرة، في نظر خديجة عريب.
وتقول خديجة "عندما صعدت إلى البرلمان أول موضوع طرح هو أنني أحمل جواز سفر مغربي وهولندي، وطلب مني الاختيار"، وهي تعتبر أن هذا المشكل لم يطرح عليها فقط بل أيضا على بعض البرلمانيين الذين لم يواصلوا مهامهم بسبب هذا النوع من المشاكل، كأحمد بوطالب عمدة روتردام السابق والذي كان أول مغربي يتولى منصب وزيرفي الحكومة الهولندية - وزير دولة في الشؤون الاجتماعية سنة 2007.
وتعتبر خديجة أن فشل البرلمانيين من أصول مهاجرة أمرعادي فسائر الهولنديين يفشلون أيضا، لكن عندما "تكون من أوصل مغربية تحاسب أكثر من الباقين وتكون الأنظار موجهة إليك أكثر، لذا يجب أن تكون أقوى أداء من مواطنيك الهولنديين"، كما تقول خديجة. أما السيناتور البلجيكي حسن بوستة فيرى أن المجتمع السياسي البلجيكي منفتح أكثر من الدول المحيطة على مشاركة المهاجرين في الانتخابات، مشيرا في هذا الصدد الى أن المغاربة في العاصمة بروكسيل أكثر تمثيلية بالمقارنة مع وزنهم الديموغرافي.
الكاتبة: أمينة اسريري
مراجعة: منصف السليمي