طول أمد إغلاق الحدود الجزائرية المغربية، يزيد الأهالي قربا
٨ ديسمبر ٢٠١٣تزداد الرحلة من الجزائر العاصمة نحو الحدود الغربية للجزائر، صعوبة كلما اقتربت من المناطق الحدودية مع المغرب، بسبب المخطط الأمني المشدد الذي أقرته السلطات الجزائرية في إطار حزمة تدابير ميدانية اتخذتها للتضييق على مهربي الوقود أو ما يعرف في الجزائر باسم "الحلابة".
في حوارات أجرتها DW عربية مع عدد من سكان المناطق الحدودية الجزائرية مع المغرب، رصدنا آراء متباينة إزاء إجراءات منع التهريب. فمنهم من يعتقد أنه نشاط ظرفي تمليه الحاجة الماسة إلى مصادر دخل، بالنظر لانعدام فرص العمل وغياب تام للمشاريع الاقتصادية والمؤسسات الصناعية عبر كامل الشريط الحدودي، الذي ازدادت أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية تدهورا مع طول فترة إغلاق الحدود مع المغرب(19 عاما).
فما عدا بضع وحدات صناعية متخصصة في صناعة الزيت، الذرة والسيراميك، تخلو المنطقة من أي نشاطات تمتص البطالة المتفشية، إضافة إلى كونها مناطق جبلية وعرة غير صالحة لاحتضان مشاريع فلاحية هامة، حيث اتفق بعض "الحلابة"(المهربين) الذين إلتقيناهم في قرية تونان ببلدية غزوات، أن نشاطهم محفوف بالمخاطر لأن السلطات تمنع مثل هذا النشاط.
كيف يدافع المهربون عن "مهنتهم"
عمي مصطفى شيخ في العقد السادس من عمره، قال لـ DW "إن الكثير من شباب منطقتنا يزاولون هذا النشاط مكرهين لا مخيرين"، ويعدد الشيخ المخاطر التي تتربص بممارسي هذه "المهنة"، فهم"يقضون الليالي كاملة في انتظار دورهم في المحطات، ثم يقطعون مسافات طويلة في الظلام الحالك والشمس الحارقة وسط مخاطر متعددة خاصة حوادث السير". ويرصد زائر المنطقة عبر طرقها المتشعبة كيف ان المهربين يتوخون سياقة سياراتهم بسرعة جنونية في الليل، وتجنبا لإثارة الانتباه فهم لا يستخدمون حتى الإشارات الضوئية. وقد نصحنا مرافقونا بعدم استعمال الطرقات الرئيسية والمسالك الثانوية، خشية تعرضنا لمكروه.
بعض المهربين الذين تحدثنا معهم في مناطق أخرى كسيدي بوجنان، لعشاش وبوكانون يصرون على أن نشاطهم شرعي خاصة فئة الشباب، حيث قال أحدهم ويدعى حسان "إني أقوم بنشاط تجاري بحت، فأنا اشتري المازوت(ديزال) بأموالي وأدفع كامل مستحقات خزاني، وأعيد بيعه، لشخص آخر يملك مستودع، وذلك بسعر مضاعف وترتفع قيمته كلما اقتربت المسافة من الحدود".
ويرى أحد المهربين وقد تحدث إلينا وطلب عدم ذكر اسمه، أن المحطات تبيع الوقود بالربح وليس هناك أي خسارة، وفي غمرة حديثه استوقفه شاب يدعى لحسن فقال: "غالبية الحلابة ابناء عائلات(محترمة) وليسوا مجرمين كما يتم وصفهم، لأنهم يفضلون بيع المازوت والبنزين، عوضا عن المتاجرة في الممنوعات"، ويقصد بذلك المخدرات. ويذكر أن القانون الجزائري يعاقب على ممارسة التهريب وتتضاعف العقوبة بالسجن حسب طبيعة المواد التي يتم الاتجار فيها.
فيما قال آخرون إنه نشاط حيوي متجذر لدى المجتمع المحلي، كيف لا وقد وصل الأمر ببعض الأشخاص إلى العمل المتواصل لعدة سنوات لدى كبار المهربين من أجل توفير المال لاقتناء أي وسيلة تمكنهم من امتهان هذا النشاط، خصوصا في ظل غياب أي نشاط اقتصادي أو مصنع أو تجارة أخرى يسترزقون فيها.
ويحمل بعض الشبان المهربين السلطات مسؤولية تفشي هذه الظاهرة، كونها لم توفر للعائلات المقيمة بقرب الحدود أدنى شروط الحياة، ولذلك فهم يفضلون التوجه إلى مدينتي السعيدية ووجدة المغربيتين الحدوديتين، كونها أقرب من التوجه نحو تلمسان أو العاصمة للبحث عن عمل.
"الحدود ليست مغلقة بيننا"
من خلال اقترابنا من العائلات التي تقطن على الحدود بين المغرب والجزائر، تبدو ملامح حياة مزرية فعلا، فالأطفال الصغارعوض أن ينعموا بطفولتهم والالتحاق بمقاعد الدراسة، تحولوا إلى مختصين في المهن الممنوعة، بدافع الحاجة "مرغمين لا مخيرين"، لكن سكان تلك المنطقة لهم فلسفتهم الخاصة في الحياة تحت وطأة تأثير غلق الحدود عليهم لسنوات طويلة.
تقول غزالة، وهي أم لثلاثة أطفال ،"عن أي حدود تتحدثون نحن نعيش هنا منذ سنوات وليس لنا أي مشكل مع العائلات المغربية ولا يوجد فرق بيننا فنحن نتعاون بشكل وثيق، نقدم لهم المازوت ويزودوننا بالزيوت وغيرها من المواد"، وأضافت غزالة "هذا شيء عادي حتى أننا كنا نقصد وجدة والسعيدية للتبضع ومن ثم نعيد بيع السلع في سوق زوية بالجزائر، إلا أن قرار غلق الحدود أدى لتوقف كل المبادلات وأثّر ذلك سلبا على معيشتنا ولا نجد أمامنا سوى المازوت لجني لقمة عيشنا".
ويشاطرها الرأي كذلك زوجها الطاعن في السن الذي كان يمتهن سابقا بيع الملابس إلا انه تقاعد بعد غلق الحدود قائلا: " لا تهمني الخلافات القائمة بيننا وبين المغرب، المهم عندي أنا، كيف أجني قوت عيشي، فجيراني مغاربة بحكم الطبيعة الجغرافية ولا توجد أي مشاكل بيننا لكن إذا استمر الحال هكذا سنجبر على تغير مقر سكنانا بعد التضييق الذي وضعته السلطات في تجارة المازوت، لكون هذه المادة مصدر رزقنا الوحيد". وأوضح المتحدث، قائلا: "الحصار الأمني والتدابير الصارمة، جعلتنا نستعمل البغال بدل السيارات التي كان يوفرها لنا الحلابة".
وقبل مغادرتنا استوقفنا طفل لا يتجاوز الست سنوات "أريد الذهاب إلى المدرسة و أريد مشاريع تنموية في ولايتي ". مضيفا "أنا هنا لا أعرف سوى كيفيات التحايل والتهريب" وختم كلامه قائلا " قدموا لنا البدائل ثم احكموا علينا".
عائلات جزائرية كثيرة أثر غلق الحدود على حياتها وغيرها بشكل كبير، فبعد أن كانت تعيش على المبادلات التجارية وجدت نفسها أمام حدود مغلقة وحياة شبه منعدمة، زادت سوءا بعد التضييق الأمني الجديد الذي وضعته السلطات.
خبراء وحقوقيون: إغلاق الحدود مأساة
بعد أن اتصلنا بعدد كبير من المنظمات والحقوقيين الذين رفضوا التصريح لمجرد ذكر التهريب بين الجزائر والمغرب، نظرا لحساسية الموضوع والتوتر السياسي بين البلدين، الذي بلغ أقصى درجاته في الآونة الأخيرة ، خرج بعضهم عن صمته.
فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية الوطنية لترقية حقوق الإنسان، يقول في حوار مع DW عربية " يوجد أكثر من 1800 عائلة تقطن في أقصى الحدود الغربية الفاصلة بين الجزائر والمغرب ومنها من تربطها علاقات نسب مع العائلات المجاورة المغربية".
وأضاف الحقوقي الجزائري قائلا:""في وقت سابق حقا كان الناس يقصدون المغرب، عندما كانت الحدود مفتوحة من أجل المبادلات التجارية، لكن الوضع تغير" وأوضح أن سكان تلك المناطق"يجدون صعوبة في العيش هناك لغياب أدنى شروط الحياة وربما هذا هو السبب الرئيسي الذي يدفعهم إلى ممارسة التهريب الذي يعتبرونه نشاطاعاديا" مشيرا أنهم يجهلون أن القانون يعاقب عليه، كما أن "واقع معيشتهم هو الذي يفرض عليهم هذا الأسلوب من الحياة".
رأي يشاطره الخبير الأمني أحمد عظيمي، الذي قال لـ DW إن"سكان الحدود تعودوا على هذا النمط من العيش ولا يجدون حرجا في ممارسة هذه المهنة غير الشرعية حتى لو قبضت عليهم السلطات فيعاودون الكرة".
وتتشابك مجالات حياة الجزائريين والمغاربة اليومية في المناطق الحدودية بين البلدين، فلهجاتهم وعاداتهم وتقاليدهم واحدة تقريبا، وعلى جانبي الحدود تعيش عشرات الأسر مقسمة، وتتحدى الزمن والظروف القاسية من أجل تأمين تواصلها الانساني اليومي.