عام على الاتفاق النووي مع إيران ـ هل أصبح العالم أفضل؟
١٤ يوليو ٢٠١٦تتزامن ذكرى مرور عام على الاتفاق النووي مع إيران مع قيام أعضاء الكونغرس الأمريكي بمناقشة ثلاثة اقتراحات تحظى بتأييد الجمهوريين. وتستهدف هذه الاقتراحات الاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران ومازال سبب انقسام شديد في واشنطن وسيكون له دور في الانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني. ويقضي مشروع قانون مقترح بفرض عقوبات جديدة على إيران فيما يتعلق بوجود "مظاهر لرعايتها للإرهاب أو انتهاك حقوق الإنسان".
ويمنع مشروع قانون آخر أي مشتريات من إيران من "الماء الثقيل" وهو أحد النواتج الثانوية غير المشعة لعمليات تصنيع الطاقة النووية أو الأسلحة النووية. ويغلق مشروع القانون الثالث الباب أمام إيران للاستفادة من النظام المالي الأمريكي بما في ذلك استخدام الدولار. ويسيطر أعضاء الحزب الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ وقد أجمعوا على الاعتراض على الاتفاق النووي الذي أعلن في 14 يوليو/ تموز 2015.
وقال أعضاء جمهوريون بالكونغرس إن مقترحات القوانين المقترحة ضرورية لكي تكون بمثابة رسالة قوية لإيران بأنها ستواجه العواقب إن هي انتهكت القوانين الدولية. ويشعر كثيرون بالقلق بسبب تصرفات إيران منذ بدء تنفيذ الاتفاق رسميا في يناير/ كانون الثاني الماضي ويشاطرهم الرأي عدد من الديمقراطيين ومن ذلك اختبار صواريخ باليستية في مارس/ آذار.
وفي أول تقرير له عن الاتفاق النووي قال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إن إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية "لا يتفق مع الروح البناءة" للاتفاق النووي. وقال إن الأمر يرجع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تقرير ما إذا كان يمثل انتهاكا للقرار الخاص بالاتفاق.
سنة بعد التهليل تأتي خيبة الأمل
النمو الاقتصادي المنشود طال انتظاره. ويتحدث الإيرانيون هنا عن مقولة قديمة تقول: "كم هائل من الأواني والصحون لكن لا أثر لعشاء". علي فتح الله نجاد يعتبر هذه المقولة معبرة جدا عن الوضع القائم. هذا الخبير الإيراني من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية يشرح في حديث مع DWأن التوقعات الاقتصادية الإيرانية رُبطت بآمال وهمية كثيرة. فمن ناحية العقوبات تُلغى بوتيرة أخف مما كان متوقعا، كما أن مفعول إلغاء العقوبات ضعيف.
ويلاحظ الباحث الإيراني أيضا أن آمال انفتاح المجتمع المدني تبخرت هي الأخرى، معتبرا أن الدولة زادت على الأقل في مستقبل منظور من تسلطها وتنوعت وسائل القمع ضد أي معارضة.
الوفاء بالشروط
بعد الاتفاق النووي تخضع إيران لمراقبة شديدة من قبل المنظمة الدولية للطاقة النووية التي أكدت لإيران في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أنها استوفت شروط الاتفاق، وهذا الحكم لم يتغير فيه شيء رغم إجراءات المراقبة المحكمة. وما يعقد القضية هو أن العقوبات فُرضت من قبل عدة أطراف. إذ ثمة عقوبات من الأمم المتحدة وأخرى من الاتحاد الأوروبي والأكثر تشددا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول أوليفر ماير من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن ببرلين لـ DW: "هناك عقوبات أمريكية متواصلة مثلا في قطاع المال وهي عقوبات أمريكية تؤثر على قطاعات اقتصادية أخرى. وهذا يعطي لمعارضي هذا الاتفاق الفرصة لعرقلة الأمور".
ويضيف الباحث الألماني من برلين أن الاتفاق يواجه عددا كبيرا من المعارضين: "في الولايات المتحدة يوجد الكثيرون ليس فقط مرشح الرئاسة دونالد ترامب، بل أيضا في مجلس الشيوخ الذين يقولون بأنه لا يمكن الثقة في إيران. وفي المنطقة لا تزال توجد دول خليجية مناهضة لإسرائيل. كما يوجد أيضا في إيران منتقدون".
العقوبات المالية
واتضح أنه من الصعب تجاوز العقوبات المفروضة في قطاع المال، الشيء الذي يقوض الاندماج المنشود في الاقتصاد العالمي. وهذا ما تلمسه أيضا شركات ألمانية تجد إمكانيات كبيرة في العلاقات الاقتصادية. ومنذ أن سددت إيران في يونيو/ حزيران الماضي ديونا قديمة بحجم نحو نصف مليار يورو، يمكن تأمين صفقات مع إيران من خلال ضمانات حكومية، لكن العلاقات المصرفية غير الموجودة تعرقل الصفقات.
وحتى الطلبيات الإيرانية الضخمة باقتناء 118 طائرة من نوع إيرباص لا تتحقق بسبب التمويل غير الواضح. والبنوك تترقب قيام بنوك أمريكية بالخطوة الأولى لحلحلة الوضع في هذا القطاع. وقد ألغي قبل أيام لقاء كان مرتقبا في لندن بين البنك المركزي الإيراني ووزارة المالية الأمريكية وبنوك دولية. وكان الأوروبيون يأملون من وراء اللقاء في الحصول على ضمانات قانونية لتأطير المعاملات المالية مع إيران.
هناك أرباح من الاتفاق
علي فايز، الخبير في مجموعة الأزمات كتب في مساهمة تقييمية لـ DW أن إيران قد تتحول من دولة تعاني من العقوبات إلى دولة مندمجة في السوق العالمية، موضحا أن العقوبات تنتج عنها تلقائيا ديناميكية ذاتية. ويشير إلى أن إيران تجني الأرباح الأولى من اتفاقها النووي مع الغرب، إذ تم الإفراج عن أموال مجمدة بمبلغ 55 مليار دولار، وضخ 3.5 مليار دولار كاستثمارات مباشرة أجنبية وارتفاع إنتاج النفط وزيادة الصادرات إلى مستوى ما قبل فترة العقوبات. وعلى هذا الأساس تنطلق التوقعات من 5 في المائة كنمو اقتصادي خلال هذا العام مقارنة مع 0.5 في العام الماضي.
ويبدو للوهلة الأولى أن خطر التسلح النووي الإيراني قد تم تجاوزه، غير أن المنطقة لا تنعم بسلام أكبر، بل إن الخصومة زادت بين إيران والعربية السعودية. ففي الوقت الذي تجرب فيه إيران صواريخ باليستية ـ وهذا لا يقوضه الاتفاق المبرم ـ تبقى العربية السعودية أكبر مورد في العالم للعتاد العسكري الذي يلقى الاستخدام في عدة بؤر توتر مثل اليمن وسوريا. ويعتبر الخبير فتح الله نجاد أن المنطقة تنقصها منظومة أمنية تفي بالمصالح المختلفة للفاعلين في المنطقة. وهو يقترح من أجل ذلك عقد مؤتمر للأمن والتعاون على غرار مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.