عبر بوابة التنمية.. ألمانيا تستعرض "قوتها الناعمة" في الساحل
٤ مايو ٢٠٢٣تعتزم ألمانيا توسيع برامج المساعدات الاقتصادية والشراكة مع بلدان منطقة الساحل مع انتهاء مشاركتها العسكرية في مالي نهاية أيار/مايو العام المقبل. وقالت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية إن الخطة ترمي إلى "تلبية احتياجات شعوب المنطقة. وتهدف الخطة إلى جذب المزيد من الشركاء في منطقة أوسع."
وقالت وزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه في بيان "نحن أكثر نجاحا عندما يتعلق الأمر بالعمل مع شركاء دوليين أكثر من العمل مع أشخاص بمفردهم".
يشار إلى أن ألمانيا تلعب دورا محوريا في دعم جهود استقرار وتنمية بلدان منطقة الساحل الإفريقي الناطقة باللغة الفرنسية.
وتأمل ألمانيا من خلال تدشين عملية تنموية شاملة في أن تصبح قوة ناعمة في منطقة الساحل التي تعد محورية لأمن أوروبا فيما كشفت الوزيرة عن أنها سوف ترأس "تحالف الساحل" الذي يسعى لتعزيز التعاون بين دول الساحل ودول غربية.
وقد لقى التحالف على إشادة دولية لدعمه تمويل 1200 مشروع بقيمة 26.5 مليار يورو فيما سيحدد الاجتماع المقبل الشهر المقبل في موريتانيا، الدولة التي سوف ترأس الكيان.
انسحاب القوات، لكن المساعدات سارية
وينظر إلى إعلان الحكومة الألمانية التي أطلق عليه اسم "بلس" بمثابة تأكيد من برلين على أنها لا تزال ملتزمة بالمنطقة حتى بعد انتهاء مشاركتها في بعثة الأمم المتحدة للمساعدة على إرساء الاستقرار في مالي (مينوسما).
الجدير بالذكر أن مهمة "مينوسما" تأسست عام 2013 وتألفت من 15 ألف عنصر، فيما أسس الاتحاد الأوروبي مهمة تدريب عسكرية بقوام عسكري بلغ ألف جندي من أجل تدريب قوات الجيش في مالي، بينما جرى نشر القوات الفرنسية بعد ذلك بعام لمحاربة الإرهاب في مالي في إطار عملية "برخان"، التي دعمتها قوة "تاكوبا" التابعة للاتحاد الأوروبي والمكلفة بدعم القوات المالية في القتال ضد الجماعات المتطرفة.
وكانت موافقة الأمم المتحدة على مهمة "مينوسما" ترمي إلى تمهيد الطريق أمام انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة السياسية في مالي، لكن وجود القوات الأممية والفرنسية لم يحول دون استمرار عنف الجماعات المسلحة فيما أدى إنقلاب عام 2021 إلى ظهور قادة يعارضون أي تفويض أممي.
واتجه قادة مالي إلى روسيا للحصول على الدعم بما في ذلك الترحيب بنشر عناصر من مجموعة فاغنر شبه العسكرية التي تتهمها دول غربية بتقويض الأمن في هذا البلد الأفريقي والتسبب في قتل مدنيين.
في المقابل، تقول موسكو وباماكو إن مجموعة فاغنر تقدم نفس المساعدات التي كانت تقدمها قوات حفظ السلام الأممية.
الأمن للجميع
ورغم انسحاب القوات الألمانية المؤلفة من 1100 جندي من مالي، إلا أن ألمانيا سوف تبقى على تواجدها الأمني في النيجر في جوار مالي.
وعلى النقيض من موقف سلطات مالي، شددت حكومة النيجر على وجود انفتاح أكبر للتعاون مع ألمانيا والشركاء الدوليين فيما قام وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس ووزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه بزيارة المنطقة الشهر الماضي.
يشار إلى أن منطقة الساحل من أفقر المناطق في القارة السمراء، لكنها شعوبها شابة إذ أن ثلثي تعداد السكان تقل أعمارهم عن سن 25 وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
ويقول مسؤولون ألمان إن الجماعات المتطرفة تملأ الفراغ الذي خلفه عدم وجود وظائف وغياب الفرص الاقتصادية حيث ينضم الشباب إلى الجماعات المتطرفة بهدف كسب لقمة العيش وليس لأسباب أيديولوجية.
وقال بيان وزارة التنمية الألمانية إنها ستعمل على "تعزيز آفاق الاقتصاد في منطقة الساحل بما يشمل تحسين قدرتها على مواجهة الأزمات مع خلق فرص عمل جديدة في قطاعات الزراعة ومعالجة المنتجات الزراعية وحماية المحاصيل والنجارة وتوسيع البنية التحتية بما في ذلك تركيب المزيد من مضخات المياه."
وقف تمدد الجماعات الجهادية والهجرة
وتهدف مبادرة "بلس" إلى وقف تصاعد أعمال التطرف بما يشمل التعاطي مع الأسباب الاقتصادية التي تدفع شباب منطقة الساحل إلى الانضمام إلى الجماعات الأصولية المتطرفة.
وخلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير / شباط الماضي، قال وزير خارجية توغو روبرت دوسي إن أزمة منطقة الساحل "تشق طريقها صوب البلدان الساحلية"، مضيفا "إذا فكرتم أنه يمكننا حل القلاقل الأمنية في منطقة الساحل بأنفسنا، سوف يكون هذا خطأنا جميعا".
وفي ضوء تصاعد أزمة الأمن والاقتصاد، تزايدت أعداد النازحين واللاجئين الفارين من أتون المعارك والقتال، إذ قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد النازحين قسرا بلغ ثلاثة ملايين العام الماضي مع توقعات بأعداد مماثلة العام الجاري بسبب التداخل بين تفاقم ظاهرة تغير المناخ والصراعات والنزاعات وانعدام الأمن الغذائي ونقص الفرص الاجتماعية والاقتصادية".
ومن شأن هذا أن يلقي بظلاله على أوروبا فرغم أن معظم النازحين واللاجئين مازالوا داخل منطقة الساحل، إلا أن البعض يُقدم على مخاطرة بحياته بالهجرة إلى أوروبا عبر المتوسط وشمال أفريقيا.
وخلال العام الماضي، لقي أكثر من 2400 شخص حتفهم عرض البحر في طريقهم إلى الهجرة إلى أوروبا فيما لا تتوقف تداعيات الإرهاب على النزوح والتشرد بل تمتد إلى زعزعة الأوضاع السياسية والاجتماعية وتأجيج العنف.
وترمي مبادرة "بلس" إلى مواجهة كافة هذه الأمور مجتمعة على أمل تحسين الحياة وسبل العيش في منطقة الساحل الأفريقي ما سيحول دون إثارة توترات سياسية.
وليام جلوكروفت/ م.ع