علاء الأسواني: لماذا لا نفهم ما يفهمه العالم؟!
١٢ مارس ٢٠١٩الجيش - بالتعريف - هو "مجموعة من العسكريين المسلحين المنظمين الذين يتلقون تدريبا لخوض الحرب"، ولأن الجيش يمتلك القوة المسلحة ولأن السلطة مغرية لأي انسان فقد استولى الجيش بالقوة على الحكم في عشرات البلدان خلال القرن العشرين. عندما يحكم الجيش أي دولة فانه يطبق الثقافة العسكرية التي تتلخص في المباديء الآتية:
أولا: طاعة الأوامر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتمد الجيش على مبدأ تقديس الأقدمية والطاعة المطلقة للأوامر من الأحدث للأقدم في الترتيب العسكري، والسبب في ذلك ان مناقشة الأوامر أو التردد في تنفيذها أثناء الحرب سيؤدي إلى اهتزاز أداء الجيش وهزيمته ومقتل آلاف الجنود. على أن هذا المبدأ المفيد أثناء الحرب عندما ينتقل إلى ادارة أي دولة يؤدى إلى حتما إلى افشالها، أولا لأن الكفاءة وليست الاقدمية هي معيار الترقي في الدول الناجحة كما أن تنفيذ الأوامر بدون مناقشة يحرم الدولة من مبدأ اسمه بالانجليزية:
Feedback
ومعناه "توفير معلومات بغرض التقويم أو التصحيح يتم نقلها إلى صانع القرار حتى يتمكن من تعديل قراره أو الغائه اذا تبين أنه خطأ".. غياب هذا المبدأ يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو متعجلة تنتهى بالبلاد إلى مصائب والأمثلة كثيرة. نذكر هنا تصريح السيسي الغريب الذي أكد فيه أن معظم المشروعات التي يأمر بتنفيذها لا تعتمد على دراسات الجدوى ونذكر مشروع توشكى الذي أهدر فيه مبارك مليارات الجنيهات لأنه تجاهل الآراء العلمية التي حذرته من فشل المشروع.. أضف إلى ذلك قرار عبد الناصر بدخول حرب اليمن التي أدت إلى مقتل آلاف الجنود المصريين وأنهكت الجيش بلا طائل ثم قرار عبد الناصر بخوض الحرب في عام 1967 التي أدت إلى هزيمة منكرة لازلنا ندفع ثمنها إلى اليوم. كل هذه القرارات لم تكن لتحدث أبدا في دولة ديمقراطية حيث لا يستطيع الحاكم أن ينفرد بالقرار وانما تراجعه فيه مؤسسات الدولة والبرلمان المنتخب بنزاهة ليمثل ارادة الشعب.
ثانيا : تدمير الأعداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقوم الثقافة العسكرية على فرض الأمر الواقع بالقوة على الأرض ثم تدمير الأعداء والقضاء نهائيا على قدراتهم بحيث لايشكلون خطرا في المستقبل. هذا المبدأ مفهوم وضروري أثناء الحرب لكنه في الحكم العسكري يتم تطبيقه ضد المعارضين السياسيين. ان العقلية العسكرية لا تفهم الا طاعة الأوامر وتعتبر المعارضة نوعا من التمرد أو التآمر وتتعامل مع المعارضين السياسيين باعتبارهم أعداء للدولة يجب القضاء عليهم سواء بقتلهم أو القائهم في السجون أو ارغامهم على الرحيل بعيدا عن الوطن بالاضافة الى اغتيالهم معنويا بتشويه سمعتهم عن طريق اكاذيب يرددها الاعلام الموجه. هكذا تتخلص الدولة من مواطنيها لمجرد انهم يفكرون بطريقة مختلفة وهي بذلك تفقد كفاءات كثيرا ما تكون هي الأقدر على خدمة الوطن، وهنا يتكون حاجز من الرعب يمنع الناس من التعبير عن آرائهم ويدفع كثيرين إلى نفاق الحاكم اما خوفا من بطشه أو طمعا في عطاياه.
الحكم العسكري يقدم دائما الولاء على الكفاءة فالوزراء في مصر يتم اختيارهم طبقا لتقارير الأمن وليس بالانتخاب أو طبقا لمعايير الكفاءة، وهكذا يتم منح مناصب الدولة للموالين بغض النظر عن كفاءتهم مما يؤدى بالضرورة إلى تدهور أداء الدولة وتعثرها. ولعل مصر البلد الوحيد في العالم الذي تولى فيه لواء من الجيش منصب مدير الاوبرا وقد صرح سيادته مرة أن معرفته بالأوبرا تتلخص في انه حضر حفلتين في الأوبرا أثناء دراسته العسكرية في لندن.
ثالثا: الحفاظ على الروح المعنوية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الحروب تعمل قيادة الجيش على المحافظة على الروح المعنوية للمقاتلين ويتم ذلك بثلاثة طرق: أولا اخفاء أي أخبار تؤدي إلى احباط الجنود أو اختراع أخبار من أجل بث الأمل فيهم..
ثانيا المبالغة في قدرات الجيش وانجازاته..ثالثا الحديث عن مؤامرات تحاك في الظلام ضد الوطن لتحفيز الجنود للقضاء على المتآمرين.
هذه الأساليب مشروعة في حالة الحرب لكن عندما يتم تطبيقها في ادارة الدولة تأتي بنتائج مختلفة. الحكم العسكري يسيطر دائما على الاعلام ويخفي عن المواطنين حقيقة الأحداث، فالمصريون لم يعرفوا بهزيمتهم في عام 1967 الا بعد يومين كاملين كان الاعلام خلالهما يؤكد اننا انتصرنا على اسرائيل وبصدد ازالتها من الوجود تماما وفي عصر السيسي لايعرف أحد وجه الحقيقة في مشكلة المياه مع اثيوبيا ولا مصير الديون المتراكمة بالمليارات ولا الهدف من اقامة عاصمة جديدة بينما ملايين المصريين يعيشون في البؤس.
ان تجربة الحكم العسكري كل أنحاء العالم قد أثبتت ان الجيش يصلح لقتال الاعداء لكنه لا يصلح اطلاقا لحكم الدولة. ان نفس الثقافة العسكرية التي تؤدى الى تحقيق النصر في الحرب يؤدي تطبيقها في ادارة الدولة إلى افشالها. مهما تحققت انجازات في البداية ومهما كان الديكتاتور العسكري مخلصا فان أى حكم عسكري سينتهى حتما بكارثة. هذه حقيقة يفهمها العالم لكن هناك من المصريين من لا يفهمها. الذين يشكون من الغلاء وصعوبة المعيشة وانعدام تكافؤ الفرص يجب أن يعلموا أن مشكلات مصر ليست سوى أعراض لمرض الحكم العسكري. يستحيل أن تختفى الأعراض قبل أن نعالج المرض. ان الحكم العسكري في مصر يستعد الآن لانتهاك الدستور بتمرير تعديلات دستورية باطلة ستحيل مصر من جمهورية إلى سلطنة يجلس السيسي على عرشها بسلطة مطلقة. ان واجبنا نحن المصريين أن نرفض التعديلات الدستورية ونسقطها واذا لم نفعل فلا يحق لنا بعد ذلك أن نشكو لأننا سنستحق ما نحن فيه.
الديمقراطية هي الحل
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.