عودة القاعدة من المهجر
١٢ يوليو ٢٠١٢اجمع المراقبون والمعنيون بشان القاعدة والسلفية الجهادية على ان الانتفاضات العربية أضعفت تنظيم القاعدة إلا أن ، (جزناثان ايفانز ) مسؤول جهاز ال أم أي 5 لمكافحة التجسس البريطانية يرى عكس ذلك ويعتبر ما يحدث من تغيير في الأنظمة العربية بيئة ملائمة للقاعدة .
هذا الفهم يعكس درجة القلق وحالة الإنذار التي تعيشها أوربا والغرب تجاه التيارات السلفية الجهادية والتي تحولت المواجهات معها في الشارع الأوربي ، وكانت مدينة بون الألمانية قد شهدت خلال شهر حزيران 2012 توترا حين قيام سلفيون بالاشتباك مع الشرطة وهوما يؤيد مخاوف أوربا والغرب من تناسل السلفية على أراضيها .
وضمن هذا السياق، كانت وزارة الداخلية الألمانية قد أعلنت في قرارها الصادر في حزيران 2012 حظر جمعية "ملة إبراهيم" السلفية وغيرها من الجماعات السلفية ،بعد أن بدأت تتناسل على أراضيها.
وقد عثرت الشرطة الألمانية على أدلة تورط السلفية في أعمال عنف وإرهاب وتجنيد عدد من الألمان ، حيث أعلن (بيير فوغل ) ملاكم ألماني سابق اعتناقه الإسلام وإعلانه في نيسان عام 2011 في مدينة فرانكفورت إشهار "اعتناق " 17 ألمانيا للإسلام.
وبعد مراجعة إصدارات القاعدة الرئيسية ومنها مجلة صدى الملاحم وإصدار طلائع خراسان ذي العدد التاسع عشر، وجدت رأي ( ايفانز ) يتفق تماما مع نهج تنظيم القاعدة ، التي تدعي فيها بأنها كانت وما تزال موجودة داخل الانتفاضات وتضيف بأنه ليس بالنهج الجديد بل يتماشى مع تعليمات بن لادن قبل مقتله . فالقاعدة تغير خطابها من الجهاد الى الخيار السلمي الواقعي طالما ان فقه القاعدة وأيدلوجيتها تعتمد الخيارين : أي الخيار الجهادي والخيار السلمي في التغيير وفقا لما كتبه عطية الله في إصدار طلائع خراسان ذات العدد .
القاعدة شاركت في الانتفاضات العربية
لكن منظري القاعدة يؤكدون بأنهم كانوا وما زالوا موجودين في الانتفاضات العربية واستخدمت العنف داخل تلك الانتفاضات .
القاعدة لا تؤمن بالمنهج الديمقراطي ولا بالحكومات المدنية التي تتعارض مع إرساء الدولة الإسلامية الافتراضية ، لكنها خلال الانتفاضات أصبحت تبارك لها وتشترك في " التغيير السلمي " من خلال الخلايا والمجموعات والرسائل التي أصدرها الظواهري ، فبدأت تتقبل فكرة التغيير السلمي الديمقراطي في البلدان العربية التي شهدت او تشهد التغير ، وهي تعتقد ان التغيير نحو الأنظمة الديمقراطية أفضل من إبقاء الأنظمة الدكتاتورية ، ففي ظل الأنظمة الجديدة وضمن مساحة الحرية المتوقع ان تمنحها ، سيتمكن الأفراد من ممارسة نشاطاتهم السياسية والعقائدية أكثر مما كانت عليه في الأنظمة الدكتاتورية ، وهذا يعطي التنظيم فرصة للتمدد في المجتمعات العربية بعيدا عن الجهاد والتكفير .
هذا الرأي وهذا النمط من التفكير الموجود داخل تنظيم القاعدة يجعل المراقب التوقف عند محطات الانتفاضات العربية ومراجعة اعتقاد : " ان ربيع الثورات العربية سرق الأضواء من القاعدة ".
إستراتيجية التغيير الناعم
هذا النمط من السياسات تعتبره القاعدة تكتيكا مرحليا و واقعيا ، وهو يتعارض مع أيدلوجية القاعدة التي يقوم على الجهاد والتكفير. وان صح ذلك فممكن تصنيفه ضمن التغيير الناعم لتنظيم القاعدة في الدول العربية وتمددها عبر الحدود . هذا النمط يجعل من الأنظمة العربية التي شهدت التغيير، تعيش على سطح صفيح ساخن مع احتمالية الانفجار في المستقبل المتوسط اي بعد ان تتمكن القاعدة من إعادة تنظيم نفسها داخل حواضنها الجديدة .
القاعدة بدون شك شهدت ضربات عنيفة في العراق وأفغانستان وباكستان ومؤخرا في اليمن بسبب ما تتبعه من سياسات جهادية وتكفيرية ومواجهات مباشرة مع السلطة المركزية ، لكنها تتبع اليوم سياسة التغيير الناعم والتمدد داخل الدول التي شهدت الانتفاضات العربية وكأنها عودة إلى مسقط الرأس بعد رحلة اغتراب . لذا فهي ألان تطرح نفسها كحامية الشريعة المدافعة عن القيم الإسلامية أكثر من محاربتها أميركا والغرب !
ويبدو أن عولمة الجهاد، والجهاد ضد من أسمتهم "بالصليبيين " بدأت تضمحل وهذا يتعارض مع رسائل وفلسفة زعيم القاعد السابق ابن لادن الذي كان يطلب من التنظيم وفروعه تقليل عملياته ضد الأنظمة العربية وبقية الطوائف والتوجه الى الخصم المركزي الحقيقي أميركا . هذا النهج ممكن اعتباره تحولا في فلسفة القاعدة وأيدلوجيتها رغم ان منظري القاعدة ومنهم الليبي والظواهري لا يعتبروه خروجا عن فقه القاعدة وتعاليمها من خلال مراسلاتهم السرية.
السلفية الجهادية ومشايخها تدعم القاعدة بدون شك . فكل قاعدي هو سلفي ولكن ليس كل سلفي هو قاعدي ، السلفية أحيانا تتحفظ على استخدام العنف وإراقة الدم في بعض المواقع ولها مع الزرقاوي اختلافات فقهية ومنها مع شيخه أبو محمد المقدسي الذي كان ينتقد فيها أسلوب وسياسات التوحيد والجهاد في العراق والطلب منه ان يتقي الله في دماء المسلمين . وهذا يدعم فكرة انحراف التنظيمات المحلية والإقليمية عن مركز التنظيم .
و رسائل بن لادن الأخيرة التي كشفت عنها السي اي اية في الذكرى الأولى لمقتل أسامة بن لادن في شهر مايس 2012 ، تقول بان التنظيمات المحلية التي تعمل ضمن مظلة القاعدة كانت أكثر دموية ويراها البعض خروجا ضمنيا عن تنظيم القاعدة وهذا ما نجده في نهج الجهاد والتوحيد في العراق و "دولة العراق الإسلامية " وأنصار الشريعة في اليمن وشمال المغرب العربي .
تغيرت سياسة وأيديولوجية القاعدة
لقد اعتمدت أدبياتجماعة الإخوان المسلمين مبكراً اسم "أنصار الشريعة " في دعوتهم - وألان بدأتنظيم القاعدة يستخدم تسمية الشريعة أكثر من القاعدة وهو تغير في أسلوبوإستراتيجية تنظيم القاعدة مستفيدة من تجربة التنظيم في العراق الذي واجه الرفض من قبل حواضنه بالإضافة إلى ما شهده التنظيم من ضربات قوية على يد القوات الأميركية والعراقية .
يمكن اعتبار هذا تضاربا في أيدلوجية القاعدة ان لم يكن تغييرا في سياستها . وهذا الاختلاف والتضارب كان موجودا أصلا داخل التنظيم من خلال اختلاف أنور العولقي الذي يبارك الثورات العربية ويعتبرها بيئة ملائمة لتمدد القاعدة كان يرفضها منظر القاعدة الليبي ويعتقد ان الثورات العربية تسرق الأضواء من القاعدة بسبب انبهار الشعوب العربية بتلك الانتفاضات والثورات .
فالقاعدة تظهر نفسها كأنها حريصة على الثورات العربية وتباركها من الداخل وتدعمها من خلال رسائل الظواهري ومواقعها الإعلامية محاولة منها لإيجاد توازن إستراتيجي وعدم التصادم مع الثورات الشعبية والعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية أكثر من العمل الجهادي وان لا تكون على النقيض معها .
وقد يبدو ما جاء من فتاوي ابو محمد المقدسي احد مشايخ السلفية وشيخ الزرقاوي ،ومفاده أنها تدعم مشاركة انخراط مقاتلي القاعدة والأفراد في الانتفاضات الشعبية في سوريا من اجل التغيير وكأنه اجتهاد في أيدلوجية القاعدة التي بدأت تميل إلى التغيير السلمي للأنظمة العربية ـمن خلال أن توفر بديلا عن الجهاد ـ التي ترتكز عليه تنظيم القاعدة .
أما الشيخ الطحاوي احد مشايخ السلفية في الأردن فهو يفتي بعدم استخدام العنف والجهاد داخل الأردن ودول أخرى لكنه يحلله في الدول التي تخضع تحت الاحتلال الأميركي ومنها أفغانستان والعراق سابقا وكذلك الحال مع عدد من مشايخ السعودية الذين يطلقون فتاوى الجهاد والتكفير في العراق واليمن ويحاربونها على أراضيهم.
"الأسبقية للدفاع عن قيم الإسلام وليس للجهاد"
وقد أوضح (دومينيك توماس ) المتخصص في الحركات الإسلامية في معهد الدراسات العليافي العلوم الاجتماعي قائلا :"إنهم يطرحون أنفسهم مدافعين عن 'القيم الحقيقية' للإسلام ولم يعودوايتحدثون عن الجهاد وإنما عن الشريعة ، ودمجوا كل القدرات التي يمكنهماستخلاصها من الربيع العربي." ويرى دومينيك بأنهم لم يشجعوا العنف على أراضيهم مثل مصر وتونس وليبيا بل يدعون الى نشر الدعوة وتنصيب أنفسهم حراسا على القيم الإسلامية.
وكأن تنظيم القاعدة يمر الآن في مرحلة تصحيحية بعد مقتل أسامة بن لادن ونحن هنا لسنا في موضوع مدى قوة التنظيم او ضعفه عسكريا وميدانيا ولكن في دراسة مسار التنظيم الأيدلوجي والتحول من خصم للولايات المتحدة وعولمة الأهداف إلى داع لنشر الشريعة ، هذا النهج يثير سؤالا يتعارض أصلا مع أيدلوجية القاعدة وهو: هل تريد القاعدة من نشر الدعوة في تلك الدول الوصول او المشاركة في الحكم عبر الوسائل الديمقراطية ؟
وهذا ما ترفضه مرجعيات السلفية الجهادية كاملا ومن ابرز ها هادي الجحوري والوداعي في اليمن .
هذا الفهم لم نجده سابقا قبل مقتل ابن لادن وكأن ابن لادن جير السلفية لصالحه بعد ان نصب نفسه أميرا للمسلمين وهو مخالفة بحد ذاتها للمنهج السلفي ويعتبر خروجا عنه لما ينقصه من فقه الشريعة والاجتهاد في أحكام الإسلام والمسلمين . إن تنظيم القاعدة بدا وكأنه يعيش مرحلة مهادنة داخل المجتمعات العربية والغربية بعيدا عن الجهاد ليعيد نفسه من جديد لمرحلة أكثر تنظيما بعد أن عاشت عقودا من الشتات والانشطار والتشقق .
القاعدة تعود من المهجر إلى مسقط رأسها ـ الدول العربية ـ بعد أن اختفت الضغوطات والسياسات القمعية التي دفعتها للقتال خارج دولها . فبالتأكيد منهجها على أراضيها سيكون اقل دمويا من ساحات قتال المهجر والغزوات.
لكن رغم ذلك فانه لا يخفف مخاوف وقلق أوربا من عودة هؤلاء المقاتلين إلى الغرب ليكونوا أكثر تدريبا وتمرسا في القتال كما حصل في تجربة العراق بعودة مقاتلي القاعدة إلى معاقلهم وهم أكثر تمرسا وتدريبا على القتال .
جاسم محمد
مراجعة ملهم الملائكة