عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية للناتو تعزيز لدور أوروبا في الحلف
١٧ مارس ٢٠٠٩صوت أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في وقت متأخر مساء أمس الثلاثاء (17 مارس/آذار)، كما كان متوقعا، لصالح قرار الرئيس نيكولا ساركوزي بعودة فرنسا لقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) العسكرية، بعد أن كانت انسحبت منها عام 1966. وجاءت نتيجة اقتراع الثقة على السياسة الخارجية التي ينتهجها رئيس الوزراء فرانسوا فيون وحكومته وتشمل قرار العودة لعضوية حلف شمال الأطلسي في صالح الحكومة بنسبة 329 صوتا مقابل 238 .
وكان وزير الدفاع الفرنسي إيرفيه موران قد شدّد على أن عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو من شأنها أن "تدفع بعملية إنشاء دفاع أوروبي إلى الأمام" من جهة، ومن جهة أخرى "أن تعطي لفرنسا فرصة جديدة للعب دور في تحديد استراتيجيه حلف الناتو" وذلك بحسب ما أوردته وكالة رويتر نقلا عن قناة أر.تي.ل الفرنسية.
مخاوف فرنسية من الهيمنة الأمريكية
وعلى الرّغم من موافقة أعضاء الجمعية الوطنية على مشروع قرار ساركوزي إلاّ أنّه قوبل بانتقادات شديدة خاصّة من حزب اليسار الفرنسي، حيث كان أعرب جون-مارك أيرو، رئيس مجموعة الاشتراكيين في الجمعية الوطنية الفرنسية، في حديث له مع القناة الفرنسية الثانية نقلته وكالة رويتر عن تحفّظه من عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو، حيث قال إن "ذلك من شأنه أن يفقد فرنسا استقلاليتها"، وأنها "لن تكتسب من خلال هذا الإجراء قوّة" مشيرا إلى أن "الكلمة الأخيرة فيما يتعلّق بالقرارات العسكرية والإستراتيجية ستكون للولايات المتحدّة". وتعدّ هذه المخاوف امتدادا لمخاوف الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول، الذي كان قرّر قبل أربعة وأربعين عاما الانسحاب من حلف الناتو.
على الرغم من أن فرنسا تعدّ من ضمن الأعضاء المؤسّسين حلف شمال الأطلسي –الناّتو، كما كانت تشكّل مقرّا له، إلاّ أن ذلك لم يمنع الجنرال ديغول عام 1966 من اتخاذ قرار الانسحاب من هيكل القيادة العسكرية لحلف الناتو والاقتصار على العضوية فحسب. جاء ذلك عقب تزايد مخاوفه من تنامي النفوذ الأمريكي على حلف النّاتو، خاصّة وأن فرنسا أصبحت من ضمن الدول القلائل آنذاك التي تمتلك القنبلة الذرّية. وكان ديغول قد قال آنذاك بأنه يريد الحفاظ على استقلالية بلاده وألاّ يكون رهن إشارة أي تحالف سياسي فيما يتعلّق بحرية اتخاذ القرارات بشأن أسلحة فرنسا النووية.
امتداد التأثير الديغولي على فرنسا
وعقب هذا القرار تم نقل المقرّ الرئيسي لحلف الناتو من باريس إلى بروكسيل، واحتفظت فرنسا باستقلاليتها في اتخاذ القرار حول أسلحتها النووية، إلا أنها فقدت الكثير من تأثيرها السياسي داخل حلف الناتو. كما لم يحاول الفرنسيون، الذين تداولوا على كرسي الرئاسة في البلاد تغيير قرار الجنرال ديغول. بل أن تضارب المصالح السياسية الفرنسية الأمريكية قد شهد عام 2003 تصعيدا جديدا، فقد رفضت فرنسا آنذاك المشاركة في العمليات العسكرية الأمريكية تحت إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد قال آنذاك "نحن لا نرى أي داع لتغيير المنطق الذي نتّبعه، وهو منطق السلام، إلى منطق الحرب."
لكّن فرنسا لم تخل من الأصوات المنادية للعودة إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو، خاصّة في التسعينات عقب نهاية الحرب الباردة وما حملته من تغييرات سياسية وإستراتيجية. ومنذ عام 2001 بدأت مكافحة الإرهاب تطفو على سطح الأوليات الفرنسية. وبعد أكثر من أربعين عاما ها هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعلن العودة ببلاده إلى القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وكان ساركوزي قد روّج لفكرة العودة أمام ضباط الجيش الفرنسي مشدّدا على الانتماء الأوروبي بالقول "جلّ شركائنا في أوروبا هم أعضاء في حلف الناتو، كما أنّهم أعربوا عن عدم تفهّمهم لبقائنا خارجه."
ترحيب ألماني
ويرى ساركوزي في انضمام بلاده إلى القاعدة العسكرية لحلف الناتو دعما قويّا لفرنسا، خاصة وأنّه قد حصل على تعهّدات بحصول فرنسيين على أهمّ الحقائب السياسية داخل الحلف. وبالتالي فإن فرنسا بانضمامها مجدّدا إلى القاعدة العسكرية للحلف تريد دعم الجانب الأوروبي فيه، لاسيما وأن فرنسا تشارك بالفعل في أهمّ مهمات الناتو العسكرية، أي في أفغانستان والبلقان. وكان ساركوزي قد أكد على رغبته في أن يكون لبلاده ثقلا سياسيا متميّزا في "أوروبا دفاعية مستقلّة وفي منظمّة أطلسية كحلف الناتو".
كما لاقى قرار ساركوزي بالعودة إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو ترحيبا من قبل شركائه الأوروبيين، فقد أكّد وزير الدفاع الألماني فرانتس يوزيف يونغ خلال مؤتمر لحلف الناتو في مدينة كراكاوي البولندية على أن العضوية الفرنسية الكاملة في حلف الناتو ليس من شأنها أن تدعم الحلف في حدّ ذاته فحسب وإنّما أيضا أوروبا أيضا". وأضاف يونغ أنه في حال "تطوّر الاتحاد الأوروبي إلى ركن دفاعي قوي داخل الناتو، فإن ذلك من شأنه أن يعطي لأوروبا في شراكتها مع حلف الناتو تأثيرا وثقلا سياسيا مهمّا". ولفت وزير الدفاع الألماني إلى ضرورة التعاون الوثيق بين الطرفين في مناطق الأزمات على غرار أفغانستان بهدف إرساء السلام والاستقرار في المنطقة. من هنا، يمكن القول إن الشركاء الأوروبيين باركوا طريق عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو.
في السياق نفسه رحبت المستشارة الألمانية بإعلان فرنسا العودة إلى القيادة العسكرية لحلف شمال الاطلسي (الناتو). وقالت أنجيلا ميركل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأسبوع الماضي إنها تهنأ فرنسا على "هذا القرار الذي لم يكن سهلا". وأكدت ميركل أن هذا القرار يعزز من القدرات الاوروبية في التوصل إلى سياسة دفاعية وأمنية أوروبية مشتركة.
الكاتب: كريستوف هاسيلباخ / شمس العياري
المحرر: هيثم عبد العظيم