فرص ألمانيا في توطيد مكانتها في شمال إفريقيا
٢٢ مارس ٢٠١٢بحكم تجربتها في تجاوز الانقسام ومخلفات نظام ديكتاتوري في ألمانيا الشرقية سابقًا، إضافة إلى مكانتها كقاطرة اقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي، باتت دول شمال إفريقيا مثل تونس تدعو في مرحلة ما بعد الثورة ألمانيا إلى تقديم الدعم في تجاوز صعوبات هذه المرحلة الانتقالية، بتوظيف استثمارات في عدة قطاعات حيوية، خاصة وأن التوقعات التونسية تشير إلى ارتفاع الاستثمار بداية السنة بنسبة 18 بالمائة.
وجاءت زيارة رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي في 14 مارس/ آذار الجاري إلى برلين من أجل حث ألمانيا على تقديم الدعم الاقتصادي في فترة التحول التي تمر بها تونس. وأوضح الجبالي عقب لقاء مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن المسألة لا تتعلق بشطب ديون تونس كاملة، وإنما توظيف الأموال في مشاريع ملموسة. ويفيد رضا الكافي خبير في الشؤون الاقتصادية ورئيس تحرير مجلة Kapitalisأن القطاعات التي هي بحاجة ملحة إلى حلول تتمثل أولاً في تجاوز الفوارق في البنية التحتية والتنمية القائمة بين مناطق الشريط الساحلي التونسي وباقي مناطق الداخل والجنوب.
ويضيف الكافي قائلاً: "إن معظم الاستثمارات خلال السنوات الخمسين الأخيرة في السياحة أو الصناعة وغيرها كانت في المناطق الساحلية للبلاد، بينما ظلت المناطق الداخلية بعيدة عن التنمية، وبالتالي فإن هذه المناطق بعد الثورة تطالب بحقها في التنمية"، مشيراً إلى معضلة البطالة في صفوف الشباب الذين يصل عددهم إلى 800 ألف عاطل عن العمل من بين 11 مليون نسمة، العدد الإجمالي لسكان تونس. كما أن 200 ألف من مجموع هؤلاء العاطلين عن العمل هم من حاملي الشهادات العليا، بينهم نسبة كبيرة تعاني من البطالة منذ سنوات طويلة.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن الحل في تجاوز هاتين الإشكالين يتجسد في تحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي، مضيفاً أن "الدولة ستقوم بمجهود كبير في هذا المجال، لاسيما على مستوى مشاريع البنية التحتية، كما أن الاستثمار من القطاع الخاص الداخلي يترقب استئناف حركة العجلة الاقتصادية في البلاد واستتباب الأمن في عدد من مناطقها حتى يجازف بتوظيف أموال في مشاريع جديدة".
ألمانيا مطالبة بانتهاز الفرصة
وخلال زيارته إلى برلين محطته الأولى ضمن جولة أوروبية، نوه رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي بالدعم الألماني للتحولات الديمقراطية في عدد من البلدان العربية. وقال الجبالي إن التشغيل مسألة جوهرية لتجاوز الوضع الاجتماعي الصعب، موضحاً "نحن نتوقع من أوروبا الاستثمار في الديمقراطية".
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التونسية تقدم مجموعة من الحوافز لتشجيع المستثمرين، لاسيما الأجانب على إقامة مشاريع داخل تونس مثل منح أراضي لبناء المنشآت وتقديم إعفاءات ضريبية. وبما أن 80 بالمائة من المعاملات التجارية والاقتصادية لتونس قائمة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، اعتبر رضا الكافي أن الجولتين اللتين قام بهما مؤخراً رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي إلى بلدان أوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وأيضاً إلى دول الخليج، تأتي في إطار دعوة المستثمرين الأجانب إلى مساعدة تونس في تجاوز المرحلة الانتقالية التي تعقب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وأشار رضا الكافي إلى أن "الإطار القانوني الذي يحمي المستثمرين متاح في تونس التي أبرمت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ 1995. كما أن تونس فتحت أسواقها منذ 2008 أمام دول الاتحاد الأوروبي، وهي تتوفر على بنية تحتية تتمثل في وجود المطارات والموانئ وشبكة الاتصالات والطرق السريعة، علماً أن آلاف المؤسسات الأوروبية متواجدة في تونس منذ السبعينات".
وأوضح الكافي أنه نظراً إلى أهمية الظرف التاريخي الذي تمر به تونس حالياً، وجب على شركائها الأوروبيين، خاصة ألمانيا توظيف المزيد من الاستثمارات في تونس التي "تزخر بالطاقات البشرية المؤهلة".
ويجمع العديد من الخبراء التونسيين في الاقتصاد، بينهم رضا قويعة أستاذ الاقتصاد بجامعة تونس على أن ما يعاني منه حالياً الاقتصاد التونسي، يعود لتراكمات الفترة السابقة التي استفحل فيها الفساد الذي قوض الاستثمار والسياحة. وفي هذا الإطار أكد رضا الكافي في حديثه مع DWأن ألمانيا الشريك التجاري الثاني لتونس بعد فرنسا يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذه الفترة، وقال "علاقات فرنسا الوطيدة مع النظام السابق انقلبت سلباً على سمعتها، لأن الكثير من التونسيين يعتقدون أن فرنسا لعبت دوراً كبيراً في تقوية الدكتاتورية السابقة التي أهانت الشعب التونسي لمدة 23 عاماً، ومن ثم فإن العلاقة حالياً مع فرنسا صعبة جداً من الجانب التونسي". ولاحظ الخبير الاقتصادي أن لألمانيا الفرصة لتوطيد مكانتها الاقتصادية في شمال إفريقيا وتونس بصفة خاصة، "لأن توقعات التونسيين تجاهها عالية".
تونس شريك تقليدي لألمانيا
تعد تونس حسب بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية شريكاً تجارياً هاماً في المغرب العربي. وتتمثل ميزات تونس كموقع اقتصادي جذاب بالنسبة إلى ألمانيا في مستوى التأهيل لليد العاملة التونسية وفي جودة البنية التحتية للبلاد، إضافة إلى الموقع الجغرافي القريب من أوروبا.
وقد حقق حجم المبادلات التجارية الثنائية في 2010 نحو 3 مليارات يورو. وارتفعت الصادرات الألمانية بالمقارنة مع السنة قبلها بمبلغ 1.61 مليار يورو، وشكلت المواد الإلكترونية والمركبات وقطع غيار السيارات أهم الصادرات إلى تونس. في المقابل ارتفعت واردات ألمانيا من تونس في عام 2010 بنسبة 11.1 بالمائة بمعدل 1.38 مليار يورو. وإلى جانب الخدمات لصالح السياح اشترت ألمانيا بشكل خاص المواد النسيجية والألبسة والمنتجات الإلكترونية والنفط الخام. كما تعد تونس سوقاً هامة للسياحة الألمانية، إذ يزور تونس سنوياً حوالي 500 ألف سائح ألماني. وتساهم السياحة بنسبة نحو 8 بالمائة في الناتج الإجمالي المحلي التونسي. وتعمل حالياً حوالي 280 شركة في تونس بمساهمة مالية ألمانية. وحقق حجم الاستثمارات الألمانية المباشرة عام 2008 في تونس 157 مليون يورو ضمن استثمارات مباشرة أجنبية بمجموع 1.69 مليار دولار في عام 2009.
محمد المزياني
مراجعة: عماد غانم