فريتس فالتر: صانع معجزة برن الكروية
١٣ مارس ٢٠٠٦شهدت مدينة كايزرسلاوترن الألمانية في الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1920 ميلاد أسطورة كرة القدم الألمانية فريتس فالتر. وكان الصبي فريتس يهوى اللعب بكرة القدم منذ نعومة أظافره، لذلك انضم فرتيس إلى فريق الأطفال لكرة القدم التابع لنادي كايزرسلاوترن في سن الثامنة. وبعد 9 سنوات فحسب ظهرت مواهب فريتس الكروية في عام 1937 لأول مرة في كادر الفريق الأول لنادي كايرزسلاوترن. ولأن عمره في ذلك الحين لم يكن يتجاوز 17 عاماً حصل فريتس فالتر على تصريح استثنائي لكي يلعب ضمن هذا الفريق في مباريات الدوري الألماني. وفي سن العشرين انضم فالتر إلى صفوف المنتخب القومي الألماني، وكان أكبر نجاح حققه في المنتخب هو قيادته نحو الفوز ببطولة العالم لكرة القدم عام 1954. وحتى عام 1959 لعب فالتر ضمن فريق كايرزسلاوترن في استاد بيتسين بيرغ الذي حمل فيما بعد اسمه. كما اشترك فريتس فالتر خلال مسيرته الكروية في 379 مباراة سجل خلالها 306 هدفاً.
معجزة برن
يعد فريتس فالتر بلا شك من أهم الشخصيات، التي أثرت التاريخ الكروي الألماني في القرن الماضي. وطالما ما اقترن اسمه بفوز ألمانيا لأول مرة في تاريخها ببطولة كأس العالم لكرة القدم، التي أقيمت عام 1954 في سويسرا. وكان فالتر آنذاك قائد المنتخب الألماني ومنفذ تعليمات المدرب سيب هيربيرغر على أرض المعلب. كما كانت لضربته الركنية في الدقيقة الثامنة عشر في مباراة البطولة النهائية دورها في تعادل الفريق الألماني 2:2 مع نظيره المجري، لتبدأ بعد ذلك سلسة من الهجمات المكثفة، التي شنها فالتر على مرمى الفريق المجري. وكان أداء فالتر رائعاً كصانع ألعاب. وبالرغم من أنه لم يسجل أي هدف في هذه المباراة، إلا أن الجميع ينسب إليه حتى اليوم فضل حصول ألمانيا على كأس العالم في هذه البطولة.
مباراة العمر
مثله مثل كثير من أقرانه الرياضيين سرقت الحرب العالمية الثانية أجمل سنوات عمر فالتر. فلقد كان عمره 34 عاماً عندما وطئت قدماه أرض استاد فانكدورف في برن كقائد للمنتخب الألماني عام 1954. لكن مباراة العمر لم تكن في برن، كما يحكي فالتر، بل كانت في معسكر الاعتقال بالقرب من مدينة مارمورس سيسيجت الرومانية. فتحت تأثير مرض الملاريا لعب فالتر كرة القدم مع حراس المعتقل المجريين والسلوفاك. ومن خلال طريقة لعبه تعرف الحراس عليه، وقاموا بعد ذلك بتقديمه لقائدهم الروسي الميجور شوكوف، الذي كان أيضاً من عشاق كرة القدم. وكان ذلك من طالع حظ فريتس، فبسبب ولع مدير المعتقل بلعبة كرة القدم نجا فالتر وأخوه الصغير لودفيغ من خطر الترحيل إلى معتقل سيبيريا الرهيب. وفي الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1945 عاد الأخوان فالتر إلى موطنهما كايزرسلاوترن في ألمانيا.
ولاء فوق العادة
كان ولاء فريتس فالتر لفريقة كايزرسلاوترن بلا حدود، إذ تلقى عروضاً تسيل لها اللعاب من قبل الفرق الأخرى أثناء لعبه ضمن هذا الفريق. وسعت العديد من الفرق الشهيرة عالمياً إلى اجتذابه، لكنه لم يكن يلتفت أبداً إلى قيمة المبالغ المعروضة عليه. ولعل أهم ما يذكر في هذا السياق العرض، الذي تلقاه من نادى ريسنج باريس بمبلغ 250.000 مارك ألماني، وكان هذا المبلغ ضخم إبان حقبة الخمسينيات. لكن فالتر رفض العرض مردداً عبارته الشهيرة: "بيتي يبقى بيتي". وبقي فريتس فالتر من أهم رموز كرة القدم الألمانية في فترة ما بعد الحرب. وكأحد القلائل بين أبطال العالم لازم فالتر التوفيق حتى بعد انتهاء مسيرته الكروية، وذلك بفضل وسامته وأسلوبه الجيد في التعامل مع الآخرين. وعمل فالتر بعد التقاعد في مجال الدعاية والإعلان في كبرى الشركات الألمانية وكممثل لكبار مصنعي الأدوات والملابس الرياضة. وبالإضافة إلى ذلك قام فالتر بتأليف عدد كبير من الكتب الرياضة.
حساسية مفرطة
وعلى الرغم من شهرته الواسعة، إلا أنه لم يكن يعرف عن فالتر العصبية والحساسية المفرطة، التي كانت سراً من أسرار العبقري الكروي. ففي آخر أيامه لم يذهب فريتس فالتر إلى الاستاد الذي يحمل اسمه في مدينة كايزرسلاوترن. ولأن مشاهدة المباريات كانت بالنسبة له عمل مرهق ومثير بسبب حساسيته المفرطة. وأثناء المباريات الدولية التي اشتركت فيها ألمانيا كانت زوجته ايطاليا تجلس أمام شاشة التلفاز وتنقل إلى أنباء الأهداف والضربات الحرة ونتائج المباريات إلى غرفة النوم حيث كان يقبع فالتر. وكان فالتر مخلصاً في حياته العائلية أيضاً، فعندما توفت زوجته عام 2001 بعد زواج استمر لمدة 53 عام لم يتحمل فالتر فقدانها طويلاً، وبعد تسعة شهور فقط توفي فريتس فالتر خلال بطولة العالم لكرة القدم 2002، التي أقيمت في كوريا الجنوبية واليابان، وذلك عن عمر يناهز 81 عاماً.