فضيحة "تلميع" قطر.. سمعة الديمقراطية الأوروبية في الميزان!
١٣ ديسمبر ٢٠٢٢باتت المؤسسات السياسية في الاتحاد الأوروبي في حالة اضطراب على وقع فضيحة "المال مقابل الخدمات" وشبهات فساد مرتبطة بقطر وسط احتمالات بتداعيات خطيرة.
وجرى احتجاز نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي السابقة اليونانية إيفا كايلي وثلاثة آخرين على خلفية اتهامات وجهها الادعاء البلجيكي ضدهم "بالمشاركة في منظمة إجرامية وغسيل الأموال وفساد".
وعلى وقع تهم بقبول رشاوي من قطر، طُردت كايلي من الأحزاب والكيانات السياسية التي تنتمي إليها فضلا عن إقالتها من منصب نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي.
تكشف القضية عن روابط مزعومة بين قطر وكايلي تتضمن خطابات تُشيد بقطر تحت قبة البرلمان الأوروبي وتصويت لصالح ملفات ترتبط بقطر في لجان لم تكن المسؤولة الأوروبية السابقة مشاركة فيها فضلا عن حضور أحداث غير مسجلة في قطر.
في المقابل، قالت البعثة الدائمة لدولة قطر في الاتحاد الأوروبي إن مثل هذه المزاعم "عارية عن الصحة ومضللة بشكل خطير".
ورغم عدم صدور الكثير من البيانات الرسمية بشأن التحقيقات التي تقوم بها السلطات البلجيكية، إلا أن أنشطة أعضاء البرلمان وهيئات الاتحاد الأوروبي الأخرى باتت الآن تحت المجهر بعد الفضيحة.
وإزاء ذلك، طرح خبراء في شؤون التكتل الأوروبي تساؤلات حول ما إذا كانت تدابير مكافحة الفساد الحالية كافية للحيلولة دون تكرار الأمر.
وفي ذلك، قال جاكوب كيركيغارد، الباحث في صندوق مارشال الألماني، إن أي عملية صنع قرار سياسي تتسم بالتعقيد وعدم التحديث كما الحال في الاتحاد الأوروبي، "قد تصبح غير شفافة وتسهل بالتالي شراء النفوذ".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "هل يمكن تصديق شراء (دعم) نائبة رئيس البرلمان الأوروبي مقابل دفع 600 ألف يورو. هل أصبح الأمر رخيصا إلى هذا المستوى؟"
وشدد على أن مبعث القلق حيال ذلك يتمثل في أنه من الواضح، على حد قوله، أن كايلي "لم تكن تساورها مخاوف من أن يُجرى القبض عليها"، مضيفا "هذا يشير إلى أنه مهما كانت الإجراءات والعمليات التي يتخذها البرلمان الأوروبي، فلن ينجم عن ذلك التأثير الرادع. حتى الشخصيات الغبية إذا كانت خائفة فلن تقوم بذلك".
تدابير الشفافية
وإزاء ذلك، يتساءل كثيرون حيال الإجراءات المعمول بها في الاتحاد الأوروبي لمكافحة عمليات شراء النفوذ داخل المؤسسات الأوروبية.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك قاعدة بيانات يتعين على المنظمات التي ترغب في الضغط والتأثير على عملية سن القوانين التسجيل في التكتل الأوروبي في إطار آلية تُعرف باسم "سجل الشفافية"
ويدخل في هذا الإطار المنظمات غير الحكومية ومجموعات الضغط (اللوبيات) والجمعيات الخيرية فيما تنص القوانين على ضرورة أن تقدم كافة المنظمات غير الحكومية المسجلة على الكشف عن ميزانيتها وعن مصادر أي تبرعات تتجاوز عشرة آلاف يورو.
وطالت الفضيحة الأخيرة منظمة غير حكومية تُعرف باسم "فايت انبيونيتي" أو "محاربة الإفلات من العقاب" فيما تكشف التقارير عن أن هذه المنظمة غير مسجلة في قاعدة البيانات الأوروبية.
وذكرت تقارير أن النائب الأوروبي السابق الإيطالي بيير أنطونيو بانزيري الذي يرأس المنظمة رهن الاحتجاز فيما عمل فرانشيسكو جيورجي، مساعد كايلي، في المنظمة.
وفي ذلك، قال بول فاراكاس، رئيس ما تُعرف بـ "جمعية المتخصصين في الشؤون الأوروبية" التي تساعد منظمات الضغط في التسجيل في قاعدة البيانات الأوروبية، إنه كان يتوقع حدوث مثل هذه الفضيحة "في ظل وجود ثغرات في المنظومة".
يشار إلى أنه في عام 2021 رفض البرلمان الأوروبي تطبيق مبدأ "الشرطية الصارمة" في إطار منظومة "سجل الشفافية" وهو الأمر الذي كان سيجبر أعضاء البرلمان الأوروبي على عقد لقاءات مع جماعات الضغط المسجلة فقط.
في المقابل، أكد مسؤولون في المفوضية الأوروبية - الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي - على التزامهم بهذا المبدأ إذ لا يُسمح لهم إلا بمقابلة جماعات الضغط المسجلة.
وشدد نواب في البرلمان الأوروبي في حينه على أن هذا المبدأ يمثل انتهاكا "لحرية التفويض" الممنوحة لهم فضلا عن رفضهم أي تحركات لإجبارهم على الكشف عن جميع اجتماعاتهم.
وأضاف فاراكاس "هذا ما تفعله منظمة (فايت انبيونيتي) إذ أن هناك منظمة غير حكومية تؤثر على عملية صنع القرار دون الحاجة إلى الكشف عن أي شيء. جرى دعوتها من قبل عضو في البرلمان الأوروبي لم يضطر إلى الكشف عن هذا الأمر. لذا يمكن القول بأن الأمر كان بسيطا بالنسبة لهم".
في أعقاب الفضيحة، جددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين دعوتها لإنشاء "هيئة أخلاق" يكون منوطا بها الإشراف على كافة مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وأضافت في مؤتمر صحافي في بروكسل "لدينا قواعد واضحة للغاية خاصة بالعمل الداخلي في المفوضية الأوروبية وأعتقد أن الوقت قد حان لمناقشة كيف يمكننا تطبيق هذا على كافة مؤسسات الاتحاد الأوروبي".
حصانة دبلوماسية
يشار إلى أن أعضاء البرلمان الأوروبي يتمتعون بحصانة دبلوماسية لتنفيذ مهامهم السياسية دون أي مخاوف من أي ملاحقة قضائية.
بموجب بروتوكول الاتحاد الأوروبي الخاص بالامتيازات والحصانات، فإن أي عضو في البرلمان الأوروبي "لا يخضع لأي شكل من أشكال التحقيق أو الاحتجاز أو الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالآراء التي يُعبر عنها أو التصويت الذي يدلي به أثناء أداء واجباته".
ومع ذلك، فإن هذه الحصانة غير سارية عندما تكشف الأدلة عن تورط في ارتكاب جريمة ما يمهد الطريق أمام قيام البرلمان بإسقاط الحصانة.
لكن يحق لأعضاء البرلمان الأوروبي في هذه الحالة تقديم طلب للحفاظ على الحصانة فيما أكد المكتب الصحفي للبرلمان الأوروبي على أن كايلي لم تتقدم بأي طلب من هذا القبيل.
وفي الوقت نفسه، لم يطلب الادعاء في بلجيكا رفع الحصانة عن النائبة السابقة لرئيسة البرلمان الأوروبي.
وفي ذلك، قال الناطق باسم البرلمان الأوروبي جاومي دوتش "إذا لم يكن هناك طلب لسحب الحصانة، فإن هذا يشير إلى أن القاضي قد خلص إلى أنه تم استيفاء المعايير الخاصة بعدم تطبيق الحصانة".
يشار إلى أنه في الماضي، جرى تقديم طلبات الحصانة عندما يتعلق الأمر بطلبات تسليم المشتبه بهم، بيد أنه فيما يتعلق بالواقعة الأخيرة ارتكبت كافة الجرائم المزعومة في بلجيكا، لذلك لن تُطبق إجراءات تسليم المشتبه بهم.
جاك باروك / م ع