فيلم وثائقي عن معاناة اللاجئين القصَّر في ألمانيا
٢٣ يونيو ٢٠١٣يحمل الفيلم عنوان "أون ذه ران" (On The Run). ويبدأ الفيلم بلا صور، لكن المشاهد يستمع إلى أصوات مختلفة: إنها أصوات محام وخبير في شؤون اللاجئين وموظف من سلطة حكومية مختصة بشؤون الشباب يتحدثون بلهجة حادة عما يتعرض له اللاجئون من القاصرين الذين لا يرافقهم كبار.
وفي المشهد بعد ذلك يجلس عدد من الشباب في زورق مطاطي صغير نصبوه في شارع مزدحم في مدينة كولونيا الألمانية. ويمثل الشباب الألمان لاجئين من القاصرين أثناء هربهم. ويبدو أنهم يصارعون من أجل النجاة بحياتهم. إلا أن المارة يتجاهلونهم، فاهتمامهم مركز على شراء مختلف السلع والحاجات.
من أوثق مصدر
أنتج مهرداد رضائى وأرجنك عمراني فيلما وثائقيا غير عادي، فهو أول فيلم من نوعه لا يظهر فيه إلا اللاجئون أنفسهم. وتحضيرا لإنتاج الفيلم استجوب الإيرانيان اللذان يعيشان في كولونيا، اللاجئين من الشباب بالتفصيل. ويقول الموسيقار والمربي رضائى: "نعتقد أنه لا ينبغي التحدث عن اللاجئين القصّر، وإنما ينبغي التحدث معهم". ويضيف المخرج عمراني: "حدد الشباب بأنفسهم ما يريدون التحدث عنه معنا ومع غيرنا".
وتقدر جمعية اللاجئين القصّر عدد الأطفال والشباب في ألمانيا الذين هربوا من أوطانهم بدون مرافقة كبار، بما يتراوح ما بين 8000 و9000 شخص فقدَ بعضهم والديهم أو لم يستطع أقارب بعضهم الآخر ضمان أمنهم ورعايتهم. وينحدر جزء كبير منهم من أفغانستان وإيران.
وتعرض اللاجئون من الأطفال والشباب قبل وصولهم إلى ألمانيا لويلات بشعة، إذ أنهم خاطروا بحياتهم، عندما عبروا أنهارا حدودية واختفوا بين الشاحنات في سيارات نقل. ويموت العديد من الأطفال أو يوقفون هربهم قبل وصولهم إلى هدف الهرب.
أجراءات طبية متنازع عليها
إلا أن الفيلم لا يسلط الأضواء على ويلات هرب الشباب فقط، وإنما على مصيرهم بعد الهرب في ألمانيا أيضا، فإذا قلت أعمار الشباب عن 18 عاما، يتلقون بموجب ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الأطفال حماية خاصة. وهذا يعني مثلا أنهم يتمتعون بالحق في تلقي تعليم مدرسي والسكن في دور خاصة برعاية الأطفال والشباب، أي أنه لا يجب عليهم أن يعيشوا في دور خاصة بطالبي اللجوء السياسي. إلا أنه إذا زادت أعمارهم على 18 عاما، فإنهم مهددون بالإبعاد من ألمانيا. وخوفا من ذلك يدعي قسم من الشباب الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاما، بأنهم من القاصرين.
وإذا كانت هناك شكوك في أعمار الشباب في واقع الأمر، يمكن للسلطات المختصة بشؤون الشباب أن تطلب مراجعة أعمار المعنيين. ويتم لهذا الغرض تصوير معاصم الشباب بالأشعة السينية، رغم أن هذا إجراء متنازع عليه كثيرا. ويتمثل إجراء آخر في فحص الأعضاء التناسلية. إلا أن هذا الإجراء أيضا متنازع عليه. ورغم ذلك، يتم تطبيقه مرة بعد الأخرى. ويتعرض الشباب المسلمون في حالات كثيرة لفحص من قبل طبيب من الجنس الآخر. ويتجاهل المسؤولون في ذلك أنه من المحتمل أن يترك مثل هذا الفحص آثاره على صحة الشباب العقلية.
انتقادات شديدة
يصف مدير مجلس اللاجئين في كولونيا كلاوس أولريش برولس هذه الفحوص بأنها فاضحة وغير إنسانية. ويضيف: "لن ينسى الشباب المعنيون هذه المعاملة أبدا". ورغم أن الخبراء في شؤون اللاجئين يطالبون منذ فترة طويلة ببديل لتصوير المعاصم بالأشعة السينية وفحص الأعضاء التناسلية، إلا أن تطبيق هذين الإجراءين لا يزال مستمرا، فإقامة اللاجئين القصّر في دور خاصة برعاية الشباب تتطلب تخصيص أموال لهذا الغرض. ولذلك، فإن السلطات المختصة مهتمة بأقل عدد ممكن من اللاجئين القصّر.
ويعتبر نائب مدير السلطة المختصة بشؤون الشباب في كولونيا كلاوس بيتر فولميكه أن مراجعة أعمار اللاجئين الشباب حتمية. ويضيف: "نريد التمسك بمراجعة العمر في حالة شكنا في كون شاب قاصرا، فعمر بعض الذين يدعون بأنهم قاصرون، يبلغ في الواقع 26 عاما".
شعور الشباب بكونهم أشخاصا غير مرغوب فيهم
لا يعاني اللاجئون الشباب فقط من تعرضهم لفحوص لمراجعة أعمارهم، وإنما أيضا من شعورهم الدائم بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم وبأنهم يتحملون المسؤولية عن وجودهم في ألمانيا بأنفسهم، فارتياب ألمان كثيرين فيهم يجرحهم إلى حد كبير. وفي الفيلم تعرب شابة عن ذلك بقولها: "لا يغادر أحد بلاده فقط لأنه يواجه مشكلة بسيطة". ويقول حسين من أفغانستان: "لا تزيد أعمار الكثيرين منا على 18 عاما في واقع الأمر". وردا على سؤال عن رأيه في الفيلم يجيب قائلا: "حاولتُ مرات عديدة توضيح ما تعرضتُ له لأصدقائي. والآن أدركوا مدى معاناتي، إذ شهدوها بأنفسهم".
ويأمل مهرداد رضائى وأرجنك عمراني أن يشكل فيلمهما مساهمة في تفهم وضع اللاجئين من القاصرين. "يعيشون في ظل وضع صعب فعلا"، كما يقول عمراني. ويضيف أنهم يواجهون أيضا مشاكل بيروقراطية كثيرة يمكن وضع حد لها. وليس من الصعب أن يعلم المرء المزيد حول وضع هؤلاء الشباب، كما يقول عمراني، مشيرا إلى "أننا نحن أيضا نجحنا في ذلك".