قروض الصين للدول النامية ـ استثمار اقتصادي أم "ديون معدومة"؟
٣ ديسمبر ٢٠٢٣تعد مبادرة "الحزام والطريق"، وهي مشروع عالمي ضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية يتضمن تنفيذ 21 ألف مشروع بنية تحتية في جميع أنحاء العالم، ركيزة السياسة الخارجية للرئيس شي جين بينغ حتى وصل الأمر إلى تشبيه بخطة "مارشال" الأمريكية الخاصة بإعادة بناء أوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي إطار مبادرة "الحزام والطريق"، قدمت بكين أكثر من 1.3 تريليون دولار (1.2 تريليون يورو) في شكل قروض على مدى العقد الماضي لتمويل بناء جسور وموانئ وطرق سريعة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حسبما ذكر تقرير صدر مؤخرا.
ومن خلال المبادرة، تسعى الصين إلى استعادة مجد طرق التجارة القديمة، التي كانت تربطها مع باقي دول العالم ما دفعها إلى إطلاق اسم "طريق الحرير الجديد" على المشروع فضلا عن رغبتها في تعزيز نفوذها الدولي في خطوة أثارت استياء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بيد أنه في المقابل، تقول الأصوات المنتقدة للمبادرة إن "طريق الحرير الجديد" يثقل كاهل الدول النامية بديون كبيرة يصعب عليها سدادها فضلا عن تأثيرات بيئة سيئة في الوقت الذي تتصدر فيه قضية المناخ الأولوية على مستوى العالم.
وقد انسحب دول من مبادرة "الحزام والطريق" مثل الفلبين.
وانتقد آخرون الاستراتيجية الصينية المتمثلة في منح شركاتها المملوكة للدولة عقود تنفيذ مشاريع البنية التحتية في إطار مبادرة "الحزام والطريق" رغم أن التكلفة في بعض الأحيان يكتنفها الغموض فيما تواجه بعض البلدان صعوبات في إعادة التفاوض بشأن تنفيذها.
لكن يبدو أن ساعة الحساب قد دقت حيث حان وقت سداد الدول فاتورة القروض التي حصلت عليها على مدى السنوات العشر الماضية من الصين.
قروض الحزام والطريق المعدومة؟
وكانت مؤسسة "إيد داتا" البحثية قد نشرت تقريرا في وقت سابق من الشهر الجاري أشار إلى أن 80% من القروض التي تمنحها الصين لبلدان العالم النامي تذهب إلى البلدان التي تعاني من أزمات مالية.
وذهب التقرير إلى القول بأن إجمالي الديون المستحقة يبلغ 1.1 تريليون دولار على الأقل باستثناء الفوائد المستحقة على الديون.
ورغم أن التقرير لم يفصح عن عدد القروض التي باتت معدومة أو مشكوك في تحصيلها، إلا أنه أشار إلى أن الأقساط المتأخرة في السداد آخذة في الارتفاع، مضيفا أن 1693 مشروعا في إطار مشروعات مبادرة الحزام والطريق معرضا للخطر فيما جرى تعليق أو إلغاء 94 مشروعا.
وقالت المؤسسة إن أكثر من نصف قروض مبادرة الحزام والطريق دخلت الآن مرحلة السداد الرئيسية في وقت ارتفعت فيه أسعار الفائدة الأساسية العالمية بشكل حاد، مشيرة إلى أن هذا الأمر يثقل كاهل الدول المثقلة بالديون.
وكشف التقرير عن أن الصين عمدت في بعض الحالات إلى مضاعفة سعر الفائدة بنسبة تتراوح ما بين 3% و 8.7% في إجراء عقابي على تخلف الدول في سداد الديون.
ويقول خبراء إن الصين عندما بدأت للوهلة الأولى في منح قروض للدول النامية مطلع القرن الماضي، كان أقل من خمس هذه المشاريع مدعمة بضمانات فيما وصلت هذه النسبة إلى الثلثين في الوقت الراهن.
وكان البنك الدولي قد كشف في وقت سابق من العام عن أن الصين اضطرت بالفعل إلى تقديم قروض بلغت مليارات الدولارات بهدف إنقاذ الدول المنضوية تحت لواء مبادرة الحزام والطريق، لكن بكين تتبنى استراتيجية جديدة لتخفيف مخاطر القروض المتعثر سدادها بما في ذلك الديون التي منحتها للدول لانقاذها سواء في شكل قروض للبنوك المركزية.
المنافسة الأمريكية والأوروبية للصين؟
ووجدت مؤسسة "إيد داتا" أن الصين تنفق حوالي 80 مليار دولار سنويا في شكل قروض تُمنح للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تحاول اللحاق بالركب إذ تنفق قرابة 60 مليار دولار على تنفيذ مشاريع تنمية سنويا.
وقالت المؤسسة إن الولايات المتحدة تساعد في بناء محطة حاويات شحن في ميناء كولومبو بسريلانكا بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار.
يُشار إلى أن سريلانكا تعاني من أزمة مالية واقتصادية حادة فيما أعاقت خدمة الديون في إطار مبادرة الحزام والطريق، جهود الحكومة لإنهاء مشاكل البلاد المالية.
وكانت الصين قد أقرضت سريلانكا قروضا لبناء ميناء هامبانتوتا على الساحل الجنوبي الشرقي من البلاد إلى جانب تشييد مطار ومدينة على الأراضي المستصلحة فيما يقول خبراء إن هذه المشاريع لا تدر أرباحا تكفي لسداد القروض.
وفي إطار التنافس مع الصين، أطلقت دول مجموعة السبع مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" المعروفة اختصارا بـ "بي 3 دبليو" لمواجهة طريق الحرير الصيني الجديد.
ولم يقف الاتحاد الاوروبي صامتا حيال هذا التنافس إذ أطلقت المفوضية الأوروبية عام 2021 مبادرتها "البوابة العالمية" بهدف تعزيز النفوذ التجاري لبلدان التكتل الأوروبي مع التركيز على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والسكك الحديدية والطّرق السريعة.
وترمي المبادرة إلى المساعدة في الحفاظ على نفوذ أوروبا في بلدان الجنوب العالمي فيما يُنظر إليها باعتبارها بديلا لمبادرة الحزام والطريق.
وعقد الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أول قمة بشأن تنفيذ المبادرة حيث جرى توقيع صفقات بقيمة 70 مليار يورو مع حكومات في أوروبا وآسيا وأفريقيا فيما يُتوقع أن يساعد الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي في تنفيذ المشاريع الخاصة بالمعادن الخام الحيوية والطاقة الخضراء وممرات النقل.
ويتوقع أن يصل الدعم المالي المقدم من التكتل الأوروبي في نهاية المطاف إلى 300 مليار يورو، فيما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن مبادرة "البوابة العالمية" ستمنح الدول النامية "خيارا أفضل" لتمويل مشاريع البنية التحتية.
ورغم أن المسؤولة الأوروبية لم تنتقد مبادرة الحزام والطريق بشكل مباشر، إلا أنها أشارت إلى أن الطرق الأخرى أمام الدول لتمويل مشاريعها غالبا ما تأتي بتكلفة عالية.
وكشف تقرير مؤسسة "إيد داتا" عن أن في الوقت الذي تعجز فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها عن منافسة مسار الصين "الدولار مقابل الدولار" على أساس مستمر، فإن إجمالي إنفاق مجموعة السبع تفوق على الصين عام 2021 بقرابة 84 مليار دولار.
وحذر التقرير الولايات المتحدة وحلفائها من محاولة الانخراط في تنافس مع مبادرة الحزام والطريق في الوقت الذي تشرع فيه الصين إلى الانتقال من مرحلة تنفيذ مشاريع البناء إلى مرحلة تحصيل الديون.
ومع ذلك، قال التقرير إن فشل العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق يوفر فرصة لدفع الدول المتضررة مثل سريلانكا للعودة إلى فلك الدول الغربية.
أعده للعربية: محمد فرحان