كردستان العراق: السلفيون يفتحون النار
٩ ديسمبر ٢٠١١خلال هذا الأسبوع شنت جماعات إسلامية متطرفة هجمات على محلات بيع الخمور والفنادق وبعض المرافق السياحية في مناطق من إقليم كردستان. الهجمات بدأت بعد صلاة الجمعة في أحد مساجد زاخو حيث استمع المصلون إلى خطبة حرض خطيبها على إقامة "إمارة إسلامية في كردستان" حسب تعبيره، وبعد ساعات امتدت الهجمات إلى قضاء سمّيل في دهوك، وبعد أيام وصلت إلى السليمانية. أغلب أصحاب المحلات المستهدفة كانوا من المسيحيين والأيزيدية. سلطات الإقليم اتهمت قوى خارجية بالوقوف وراء الهجمات دون أن تسميها، كما شكلت لجنة تحقيق تتابع الموضوع.
رد الفعل الفوري الشعبي الذي أعقب الهجوم كان حرق وتدمير مقرات ومؤسسات تابعة للاتحاد الإسلامي الكردستاني بينها مكتب فضائية سبيده وراديو وتلفزيون الاتحاد الإسلامي. الاتحاد الإسلامي الكردستاني نفى من جانبه تورط أعضائه بحرق محال بيع الخمور بقضاء زاخو في محافظة دهوك، و حمّل الحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولية إحراق فروعه ومقاره. خطورة الموضوع هو أن واحة الأمن والسلام في كردستان العراق تتعرض لهجمة يرى فيها كثيرون امتدادا للتوجه السلفي الذي بدأ يعم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
"ردود فعل شعبية واحتجاجات غير منضبطة"
الصحفي سامان نوح، مدير تحرير جريدة، كان خلال الهجمات في دهوك و شهد بعض الوقائع كما هي. وقد تحدث إلى برنامج العراق اليوم من دويتشه فيله مبينا " أن الشارع في دهوك عاش حالة صدمة من طبيعة الاحتجاجات، خاصة وأن بدايتها التي استهدفت الفنادق ومحلات المساج قد تبدو مفهومة، لكن تطورها لتشمل محلات بيع الخمور الخاصة الصغيرة، ومن ثم مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني بدأ التعاطف الشعبي معها، انقلب بشكل كبير، واتفق الجمهور بشكل عام على لامسؤولية الاحتجاجات وعلى عدم انضباطها، ومن ثم عمل على إدانتها، باعتبارها أعمالا غير قانونية وأحداث عنف تربك استقرار كردستان ".
وفي سياق عرضه لوقائع ما جرى أشار الصحفي سامان نوح إلى" أن ما حدث كان ردود فعل شعبية أو احتجاجات غير منضبطة صدرت عن متشددين إسلاميين خلال تعبيرهم عن موقف معين، واتسع هذا السلوك الغوغائي ليصبح سلوكا أكثر غوغائية، وبهذا الوصف يمكن القول إن ما جرى كان حالة انفلات جماهيري غير مسؤول، ولم يكن الأمر يتعلق بحركة سياسية أو سلوك تنظيمي مدبر منضبط".
د. آزاد بامرني النائب السابق في البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني تحدث إلى برنامج العراق اليوم من دويتشه فيله ورد على ما ذهب إليه الصحفي سامان نوح، كاشفا عن مضمون تقريرين ناقشهما برلمان كردستان في جلسته الطارئة يوم الأربعاء 07.12.2011، واللذين كشفا عن " حرق 27 محلا وأربعة فنادق ومقهى ومبنى من أربعة طوابق، إضافة إلى مقري حزب الاتحاد الإسلامي في زاخو وسميل، الذي جاء كرد فعل عفوي من الشارع على الأعمال آنفة الذكر، وهو عمل ندينه. ونتج عن الهجمات إصابة 37 شخصا، معظمهم من شرطة الإقليم، كما تم اعتقال 53 شخصا لحد الآن ".
"ما جرى كان مخططا له"
د بامرني وفي شرحه لتداعيات الهجمات بيّن " من خلال الإفادات الأولية التي صدرت عنهم تبين أنه قد تم الإعداد مسبقا لما جرى، وبالتالي فإن هناك طرفا خلف هذه الأحداث، ولم يكن حدثا عفويا كما كان الحال مثلا في مصر في المواجهات بين السلفيين والأقباط، بل كان ما جرى مخططا له، والسؤال هو من خطط لذلك؟ في جواب ذلك نقول: هل كان المخطط هو الحزب الإسلامي؟
من خلال خبرتي في العمل مع قيادات الحزب في مجلس النواب العراقي أستبعد أن يكونوا هم الفاعلين وأعتقد أن هناك أطرافا أخرى أكثر تطرفا، وهم موجودون في كل العالم العربي، وقد يكون للأوضاع في سوريا أو تركيا علاقة بهذا الأمر، كما أن السلفيين موجودون في باقي العراق، وربما كانوا قد تأثروا بنتائج الانتخابات في تونس ومصر والمغرب.
ويجب أن نعترف أن هناك مدا إسلاميا في المنطقة، وربما كانت الهجمات التي شنوها في كردستان محاولة لمعرفة رد فعل الشارع الكردي ومدى انسجامه مع هذه الاتجاهات، ربما توهموا أن هذا العمل سيقود إلى ثورة شعبية وما إلى ذلك، ولكن هذا لم يحدث، والنسيج الاجتماعي منسجم ومترابط بين مختلف المكونات ومنا المسيحيين والأيزيدية الذين تصل نسبتهم في الإقليم إلى %15 من مجموع السكان".
النائب الكردي السابق آزاد بامرني، وفي معرض حديثه عن احتمال وجود أياد خارجية صعّدت الأحداث بهذا الشكل، أشار إلى أن" العالم بفضل وسائل الاتصال الحديثة ووسائل الإعلام السريعة أصبح متصلا مثل قرية صغيرة. من هنا فإن إقليم كردستان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الأحداث التي تجري في المنطقة والوضع في إيران مثلا. ونحن قد عبرنا هذه المرحلة- أعني مرحلة ما بعد صدام، ودفعنا وندفع ثمنها، وفي كل مجتمع توجد مجموعات معينة قد تلجأ إلى التخريب لتحقيق مآربها. وعلى وجه العموم أنا لا أمتلك معطيات دقيقة عن وجود تدخل خارجي، لكني أرجّح وجوده، خاصة وأن الحركة بدأت في مدينة زاخو وهي مدينة متحررة ترتفع فيها نسبة الثقافة، لكن وقوعها على الحدود يجعلها عرضة لتأثيرات مختلفة".
المسيحيون والأيزيدية : هل يخسرون ملاذهم الأخير؟
الهجمات استهدفت محلات تعود ملكيتها للمسيحيين وللطائفة الأيزيدية، وقد تحدث الناشط في الدفاع عن الأقليات واللاجئين كامل زومايا إلى مايكروفون البرنامج، مبينا أن هذه المكونات اعتبرت وتعتبر كردستان آخر ملاذ آمن لها في العراق، وأن تكرار مثل هذه الهجمات سيدفع بأعداد كبيرة منهم إلى الهجرة خارج العراق كبديل أخير لا مناص منه.
الصحفي سامان نوح اعتبر أن "وصف ما جرى في كردستان قد حدث نتيجة المد السلفي الذي يجتاح المنطقة يحتاج أن يعزز بدليل. ولو صح هذا الوصف لقام هذا المد باستهداف مراكز قوة المسيحيين التي تتمثل بالأحزاب المسيحية أولا، وبمراكزهم الثقافية ثانيا، وبكنائسهم وأديرتهم المنتشرة في كل مكان ثالثا، وهذا ما لم يحدث، بل إن الفنادق السياحية ومحلات المساج ألآسيوية التي جرى استهدافها هي في الغالب مملوكة لمسلمين، وأضيف أيضا هنا أنه لا يوجد أي دليل على وجود تدخل خارجي، كما أن ثقافة التسامح الديني سائدة في كردستان ".
وشارك في حوار العراق اليوم من برلين البروفسور فرهاد ابراهيم، المتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة إيرفورت، وقد عمل أستاذا محاضرا في جامعة دهوك لأكثر من سنة، مشيرا بالقول" أستبعد أن تكون الهجمات تعبيرا عن رأي الشارع وتوجهاته في كردستان، لكنه أكد وجود بعض القصور والمشاكل في البناء الديمقراطي، وما حدث لن يؤدي إلى نتائج ايجابية بأي حال، لكن يجب أن لا ننسى وجود تدخلات خارجية في كردستان، كما أن العناصر السلفية موجودة في الإقليم وهذا واضح من الإشارات التي تكشف عن وجودهم، ومن بينها أن المناسبات الدينية تشهد خروج آلاف الناس- كما سمعنا في زاخو مثلا، ولابد لحكومة الإقليم أن تنتبه إلى التدخل الخارجي والنشاط السلفي، كما أن عليها أن تستجيب لطلبات المجتمع بتحسين فرص العمل والخدمات".
البروفسور فرهاد إبراهيم استبعد أيضا وجود تدخل تركي في الهجمات الأخيرة، لكنه عاد واستدرك بالقول" لكن الحكومة التركية بشكل عام تؤيد الاتجاهات الإسلامية المعتدلة وهي تقدم نظامها السياسي بنموذج الحزب الإسلامي المعتدل كنموذج تدعو كل المنطقة إلى الاحتذاء به، ولا أظن أن لتركيا مصلحة في الاضطرابات لا سيما وأن لها مصالح كبرى في كردستان العراق، وهي تعلم أن الأحزاب التي تتولى السلطة هناك هي أفضل ما موجود.
أما بالنسبة لإيران فإن الوضع غامض، فالحكومة الإيرانية وعلى مدى السنوات الثماني الماضية عملت باتجاهين، الأول يتعامل مع الحكومة العراقية والفصائل السياسية الأخرى، والاتجاه الآخر يتعامل مع المتطرفين، وهذا أمر واضح لا لبس فيه. علاوة على ذلك فإن تصدر التيارات الإسلامية لواجهة المشهد السياسي في العالم العربي شجع القوى السلفية والإسلامية في الإقليم على إثارة قضايا محسومة في الإقليم. وفي تقديري لم تهتم حكومة الإقليم بدقة بما يجري، فهي مشغولة بالصراع على السلطة والسعي للتأقلم مع وضعها الجديد كأحزاب حاكمة وليس كأحزاب معارضة تسعى إلى السلطة".
"سبب ما جرى هو الخلافات بين الأحزاب السياسية في الإقليم"
حسين علي في اتصال هاتفي من الموصل، استغرب من اهتمام الإعلام بالهجمات التي جرت في كردستان لا سيما وأن التفجيرات في الموصل تحصد أرواح الأبرياء كل يوم وبأعداد كبيرة ولا أحد يهتم لها إعلاميا.
وفي اتصال من البصرة أشار ماجد إلى أن الأمن في كردستان في وضع هش، وأعتقد أن خيوطا خارجية تحرك الخلايا السلفية في كردستان، وهذا جاء متناغما مع التصريحات الأمريكية التي قالت بضرورة أن يحكم العراق حكم شاب، وفي تصوري أن ما حدث هو المسمار الأخير في حكم الحزبين الكبيرين في كردستان، لأن الوضع هناك بهذه الهجمات قد تحرك ولا بد من التغيير".
أبو هديل اتصل من بغداد مبينا " أن إلقاء اللوم على جهات خارجية غير صحيح، والصحيح هو الاعتراف بوجود خلافات بين الأحزاب السياسية في إقليم كردستان. نعم، حركة الإعمار في إقليم تجري بوتيرة عالية، والصورة تبدو جميلة، ولكن من الداخل تتكشف اختلافات سياسية كبيرة".
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح