كيف تتحرّك إسرائيل لضمّ السودان إلى "قائمة التطبيع"؟
٤ فبراير ٢٠٢٠لم يكن أشد المتفائلين بالتطبيع العربي- الإسرائيلي ينتظر أن يكون السودان محطة جديدة لإسرائيل لأجل "بدء تعاون يفضي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين"، كما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد لقائه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا. فالسودان كان إلى عهد قريب من أشد القلاع العربية التي تعلن معاداة إسرائيل، بل إن الرئيس المخلوع عمر البشير صرّح في آخر عام من رئاسته: "نصحونا بالتطبيع مع إسرائيل لتنفرج عليكم، ولكننا نقول الأرزاق بيد الله".
ورغم أن الحكومة السودانية سارعت إلى نفي علمها بهذا التنسيق، إلّا أن التصريحات الإسرائيلية لم تكن لتخرج إلى العلن لولا وجود نية من قائد المرحلة الانتقالية في السودان بتطبيع العلاقات، خاصة أن البرهان أكد هذا الأمر في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أثنى على الأمر كثيرا، وفق المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، ما يفتح مجالات أكبر لعلاقة أفضل بين السودان والولايات المتحدة حسب المصدر ذاته.
لماذا السودان؟
بالنسبة لإسرائيل، يأتي اختيار "بدء تعاون" مع السودان في وقت مهم جدا. إذ لا تزال الحكومة الإسرائيلية منتشية بتقديم حليفها الأمريكي لما يعرف بـ"صفقة القرن" ودفاعه المستميت عنها، فضلا عن أن التقارب الإسرائيلي - العربي أخذ دفعة جديدة بعد الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى العاصمة العمانية مسقط، وتعدّد التقارير التي تشير إلى تنسيق إسرائيلي-عربي في ملفات متعددة، وأخيرا الاختراق الذي نجحت فيه إسرائيل داخل القارة الإفريقية وتقويتها لعلاقاتها مع عدة دول هناك، ومن ذلك تطلعها لأن تفتتح أوغندا سفارة لها في القدس.
ويبقى السودان ذا أهمية استراتيجية بالغة لإسرائيل، فهو تقع في منطقة لها علاقات مع الأخيرة، سواء جارته الشمالية مصر، أو دول أخرى جارة في الجنوب كجنوب السودان وأوغندا وإريتريا. ومن شأن إدخال السودان إلى "مجموعة الشركاء" أن يعطي لإسرائيل دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها مزاحمة قوى إقليمية، كتركيا والسعودية، تتسابق لكسب النفوذ في السودان.
ومن أكبر المنافع الاستراتيجية، حسب تحليل نشر في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، هو قطع الروابط التي تجمع السودان مع جبهات معادية لإسرائيل، وبالتالي تخسر القوى التي شنت الحرب على الغرب خلال العقدين الأخيرين واحدة من أهم قواعد عملياتها، خاصة أن الخرطوم، حسب التحليل ذاته، كانت لها روابط مع أسوأ الأزمات التي واجهت إسرائيل والغرب، ومن ذلك احتضان مقاتلين لتنظيمات إسلامية.
وحسب أوجيني كونتوروفيش، أستاذ القانون الدولي في جامعة جورج ماسون الأمريكية، فإن السودان تحوّل من "مكان انطلق العرب منه لرفض إسرائيل، إلى مكان ينطلقون منه للرّد على الرفض"، في إحالة منه إلى تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع كل العلاقات مع إسرائيل.
ويمضي كونتوروفيش في الحديث لـDW إنجليزي قائلا إن الموقف السوداني ذو أهمية خاصة لأنه يأتي بعد تقديم واشنطن لرؤيتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، وأن كل التوقعات برد فعل عربي قوي ضد الإدارة الأمريكية بعد إعلان الصفقة لم تتحقق، بل "صرنا نرى دولا عربية لا تريد أن تكون رهينة عدمية السلطة الفلسطينية" حسب قوله.
عقبات أمام الطموح الإسرائيلي
ولعل أكبر مصلحة بالنسبة للسودان في أيّ تطبيع محتمل مع إسرائيل هو رفع اسمه من قائمة الإرهاب، وهو هدف ركض وراءه الرئيس المخلوع عمر البشير، ودخلت إلى جانبه السعودية التي لا تزال تؤكد دعمها للسودان في هذا الصدد، دون أن تقدم واشنطن ضمانات حقيقية للخرطوم.
غير أن ما يقف في وجه إسرائيل هو الرفض الشعبي القوي داخل السودان لأي تطبيع في العلاقات. وفي هذا الإطار يقول الطيب العباس، الأمين العام لنقابة المحامين السودانيين، والقيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، إن أيّ اتفاق بين نتنياهو والبرهان، سواء أكان مخططا له أو وقع بشكل عرضي، "مرفوض تمامًا بالنسبة للشعب السوداني المتمسك بالقضية الفلسطينية".
ويضيف العباس في حديث هاتفي لـDW عربية أن الوثيقة الدستورية لا تمنح الحق لمجلس السيادة في توقيع مثل هذه الاتفاقيات، وإذا ما تأكد التوقيع فعلا، فـ"سيشهد السودان ثورة عارمة ضد البرهان". ويتهم القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير إسرائيل بأنها "ساهمت في عدم استقرار البلاد، خاصة تدخلها في مناطق الحروب، ودورها الكبير في انفصال جنوب السودان".
وعانى السودان اقتصاديًا لأسباب متعددة منها العقوبات الأمريكية التي منعت عليه الاقتراض الدولي وصعبت على المستثمرين التوجه إليها (رُفعت العقوبات في نهاية 2017)، فهي واحدة من أفقر 20 دولة في العالم، ورغم كل الأموال العربية التي دُست في الخزائن السودانية، إلّا أن واقع الحال لم يتغير كثيرًا، لذلك قد يكون التطبيع مفتاحًا. لكن العباس يرد على ذلك بأن استمرار العقوبات لا يهدف سوى إلى الضغط على السودان وكسر شوكة السودانيين، غير أن الاستجابة لن تأتي لأن الموقف السوداني تجاه رفض إسرائيل ثابت، حسب رأيه.
بيدَ أن إسرائيل تملك ورقة ضغط أخرى، فالجالية اليهودية من أصول سودانية داخل إسرائيل قد تلعب دوراً في هذا الصدد، وهي التي هاجرت هناك بشكل قوي منذ حرب 1967، وخصوصًا في عهد جعفر النميري الذي فرض الشريعة الإسلامية. ويعدّ هذا الموضوع من أكثر المواضيع حساسية في السودان، خاصة عندما دعا وزير الأوقاف نصر الدين مفرح في سبتمبر/أيلول 2019 الجالية اليهودية السودانية في إسرائيل إلى العودة، في وقت لا تخفي فيه هذه الأخيرة أنها تهتم للتطورات في بلدها الأصلي، كما فعلت خلال وقفات نظمتها في تل أبيب دعماً للمتظاهرين في السودان.