كيف ستكون حياة البابا بنديكت بعد الاستقالة؟
١ مارس ٢٠١٣كيف سيتم مخاطبة الشخص الذي تنحى عن منصب البابا بشكل طوعي؟ هناك من فكر طويلا حول ذلك في الفاتيكان. لم يكن الأمر سهلا، لأنه يجب أن لا ننسى بأنه من الناحية العقائدية الكاثوليكية فإن البابا يتم تنصيبه من الرب. وهذا يعني بأن بنديكت السادس عشر سيبقى يُنادى بـ"الأب المقدس" أو "قداسته". أو كما يؤكد المتحدث الرسمي باسمه الأب فيديريكو لومباردي بأنه سيحمل لقب "البابا الفخري".
المنصب الفخري هو أمر شائع في مناصب كنيسة أخرى، عندما يترك الشخص منصبه. وفي اللقاء الأسبوعي الأخير قال بنديكت السادس عشر: "المرء يبقى بابا إلى الأبد .. ليس هناك عودة إلى الحياة الخاصة. وهذا لا يتناقض مع قراري بالتخلي عن الممارسة النشطة للخدمة. لن أعود إلى الحياة الخاصة، إلى حياة مليئة بالسفر والاجتماعات والاستقبالات والمؤتمرات وغيرها. لن أترك الصليب، أنا باقٍ مع الرب المصلوب ولكن بطريقة جديدة".
اسم بنديكت سيبقى
كما سيحتفظ البابا المتقاعد، الذي سيتم قريبا عامه الـ 86، باسم بنديكت (وهو اسم لاتيني يعني المبارك). لن يرجع إلى اسمه الأصلي يوزيف راتسينغر مرة أخرى. رغم أنه بقي على الدوام ينادى بيوزيف داخل الدائرة الضيقة المقربة منه، فمثلا بقي أخوه الأكبر سنا جورج، يناديه يوزيف. وهذا ما صرح به جورج راتسينغر، الذي يعيش في مدينة ريغينسبورغ الألمانية، في مقابلة قبل بضعة أيام.
ولكن هناك أيضا أصوات ناقدة داخل الفاتيكان، لا ترغب في الإفصاح عن نفسها: "كيف يمكن أن يكون لدينا نائبان للمسيح، بعد أن يُنتخب البابا الجديد؟ أحدهما يمارس صلاحياته والآخر مستقيل ولكنه يدعو نفسه بابا".
البابا سلستين الخامس، الذي استقال من منصب البابوية قبل 719 عاما، تخلى عن لقب البابا وعاد إلى اسمه القديم. ولكن الكنيسة عايشت حالات أخرى مختلفة جدا. في العصور الوسطى كان هناك خلال فترة انقسام الكنيسة ثلاثة باباوات في نفس الوقت، أحدهم حقيقي واثنان مضادين.
الجميل في منصب البابا بالتأكيد هو أن بنديكت السادس عشر غير مضطر للاهتمام بهكذا اعتبارات. لأنه مازال الحاكم المطلق في الفاتيكان. فأصغر دولة في العالم هي – وفق القانون الدولي – ملكية انتخابية مطلقة، يكون فيها البابا رئيسا للحكومة وهو المشرّع وقاضي القضاة. وبعبارة أخرى، فالرئيس الأعلى بنديكت السادس عشر. بإمكانه أن يسنّ بنفسه القواعد التي تنظم أمر استقالته، وما يأتي بعدها.
وداعا للحذاء الأحمر
وفقا لمعلومات من الفاتيكان سيستمر البابا المتقاعد بارتداء ثوبه الكهنوتي الأبيض. واللون الأبيض هو زيّ مخصص للبابوات فقط. أي سيكون لدينا في المستقبل رجلان يرتديان الزي الأبيض في دولة الكنيسة. ولكن ماذا عن الأحذية. وفقا للمتحدث الإعلامي الأب لومباردي فلن يرتدي البابا المستقيل الحذاء الأحمر الشهير. فهو مخصصة للبابا النشط فقط.
الأب لومباردي ذكر بأن بنديكت السادس عشر يحب حذاءه البني، الذي أُهدي له في رحلة إلى المكسيك. "إنه (حذاء) مريح بشكل لا يصدق"، يقولها لومباردي وهو يبتسم. خاتم صياد السمك المصنوع من الذهب، وهو رمز للسلطة البابوية، خلعه بنديكت السادس عشر من إصبعه. وبالمناسبة فإن العصمة الكنسية في المسائل الدينية انتهت أيضا، لأنها مرتبطة وفق القانون الكنسي بمنصب البابا النشط.
المعاش بعد التقاعد مضمون
عندما كان في الخدمة الفعلية كان البابا يحصل على راتب، ولذلك لن يحصل الآن على معاش تقاعدي أو مكافأة نهاية خدمة، لأنه بقي بابا. ولا يحتاج كذلك إلى تأمين صحي. لقد قرر بأن تسير الأمور كما كانت من قبل. وهذا يعني أن "الأم المقدسة (الكنيسة)" ستدفع لتغطية نفقاته في المعيشة والسكن والنفقات الطبية والراهبات الأربعة اللواتي سيبقين في خدمته. وبالإضافة إلى ذلك سيستمر رئيس الأساقفة جورج غينزفاين سكرتيرا له. ربما لن يكون هناك تكاليف سفر. وأعلن في الفاتيكان بأن البابا السابق يريد السكن الآن في الدير الصغير "Mater Ecclesiae" الموجود في حدائق الفاتيكان. وهذا يعني أنه لن يترك المبنى ولن يغادر إلى خارج جدران الفاتيكان إلا نادرا.
سيبقى جورج غينزفاين محافظا للبيت البابوي. وسيستمر بالتالي في تنظيم الأعمال اليومية الجديدة للبابا، وهو من سيقرر من يمكنه الالتقاء بالبابا. كما سيكون غينزفاين صلة الوصل بين البابا بنديكت السادس عشر وخليفته البابا الجديد. وإذا ما كان الرجلان سيلتقيان، يبقى ذلك أمرا غير واضح. القسم التنظيمي في الفاتيكان يدرس حاليا الوضع، ماذا لو قرر الرجلان في ذات الوقت أن يخرجا للتنزه في حدائق الفاتيكان.
الكثير من القراءة وبعض الكتابة
العودة إلى مسقط رأسه في ولاية بافاريا الألمانية يبدو أمرا مستبعدا، كما يقول المتخصص في تاريخ الكنيسة هوبيرت فولف في مقابلة مع صحيفة "فيستدويتشه ألغماينه تسايتونغ". كان بإمكان بنديكت السادس عشر أن يعيش مثلا مع شقيقه في ريغينسبورغ. "ولكن عندها سينشأ مكان للحج هناك، وفي ذلك نوع من التحدي للفاتيكان. "ولهذا السبب فقد فضل البابا على الأرجح العزلة في الفاتيكان"، كما يرى المؤرخ فولف، الذي يتوقع بأن البابا المستقيل سيتجه إلى القراءة الكثيرة والصلاة والكتابة. "سيقوم بما كان يريد فعله منذ سنوات: الانعزال وكتابة الكتب"، وعدم التدخل، كما يضيف فولف.
أفراد الحرس السويسري الشهير بزيهم الملون انسحبوا من قلعة غاندولفو في تمام الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي، من يوم الخميس (28 شباط/ فبراير). لأن أفراد هذا الحرس مخصصون فقط للبابا الموجود في المنصب.
هل سيستمر بالتغريد على تويتر؟
الكاردينال الأسترالي جورج بيل انتقد استقالة البابا، معتبرا ذلك بأنه سابقة مقلقة، كما صرح بذلك لوسائل إعلام أسترالية: "هذا سيفتح المجال مستقبلا للناس الذين لا يتفقوا في الرأي مع البابا الجديد ليطلقوا حملة تدعوه للاستقالة". وماعدا ذلك فهو يرى بأن بنديكت السادس عشر "معلم كبير"، ولكن تولي الحكم لم يكن واحدا من نقاط قوته، كما يرى الكاردينال بيل.
وبالمناسبة فإن بنديكت السادس عشر لن يغلق حسابه على موقع تويتر، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان سيواصل استخدامه أم لا، بحسب ما أعلن الفاتيكان.