جاذبية باتجاه التطرف وشباب منزلق في خدمة الإرهاب
١ يوليو ٢٠١٥كان سيف الدين رزقي المسؤول عن اعتداء تونس،الذي استهدف فيه فندقا سياحيا بسوسة، يتجول بكل حرية وهو يحمل سلاحا رشاشا، قبل أن ينفذ عمله الإرهابي، الذي راح ضحيته العشرات. عمره 24 سنة، متخرج من المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بالقيروان. كما إنه من مشجعي فريق ريال مدريد وكان يهوى رقص " البريكدانس".
من الرقص إلى الإرهاب
عن النشاط الاجتماعي لسيف الدين زريقي منفذ عملية سوسة، يقول صديقه حاتم العبيدي، في حواره مع DW/ عربية: "سيف الدين لم يبد عليه أي مظهر خارجي من مظاهر التطرف، فلقد كان شخصا حليق اللحية ويعمل في مقهى ويرتدي الثياب العادية والقصيرة كذلك." ولهذا فإن نقطة التحول في حياة سيف الدين لا تزال مجهولة كما يضيف حاتم، كما أن ما قام به هو بكل المقاييس عمل "صادم وخارج عن مألوف سيرته الذاتية."
وأما بخصوص اعتداء الكويت فقد كشفت وزارة الداخلية الكويتية أن الانتحاري الذي نفذ الهجوم في مسجد للشيعة بمدينة الكويت هو شاب سعودي الجنسية ويدعى فهد سليمان عبد المحسن القباع.
العمليات الإرهابية، التي ينفذها هؤلاء الشباب تطال كل المرافق الحيوية: من دور العبادة إلى منتجعات سياحية مرورا بأماكن العمل كما حدث في فرنسا في نفس اليوم. هذا الوضع خلق انطباعا و شعورا عاما بانه لم يعد هناك احد في مأمن من الارهاب، أينما كان، سواء في المسجد أوعلى الشاطئ أو غيرها من الأماكن. كل ذلك يدعو إلى التساؤل: كيف نجح الفكر المتطرف في اجتذاب الشباب وتجنيدهم لخدمة مخططات إرهابية وما الذي يدفع شباب مسلم للإنجرار خلف الأفكار المتطرفة؟
معركة من أجل كسب عقول الشباب وأعماقهم
منابع الفكر الإرهابي متعددة، حسب الإعلامي الكويتي عبدالله بوفتين، الذي قال في حور مع DW/عربية: "وسائل التواصل الاجتماعي، مشايخ الفتنة، قنوات الفتنة، بعض دور العلم والعبادة." كلها عوامل تساهم في نشر الفكر الإرهابي المتطرف. ولهذا يرى الكاتب الخليجي الشاب أن هناك حاجة لوضع خطط وبرامج طويلة الأمد من قبل مختلف الدول. هذا بالإضافة إلى ضرورة الكشف عن من يقف وراء هذه التنظيمات الإرهابية ويمولها ويسمح لها بالتغلل داخل المجتمعات والتأثير بها على الشباب. وأضاف عبد الله بوفتين أن " داعش لا تتوقف عند حدود دولة واحدة أو خلف حدود بعينها ولكنها تتوسع و تضرب كل مكان. ومن هذا المنطلق بالذات أضاف الإعلامي الشاب بأن حل هذه المشكلة لا يقع فقط على عاتق دول الخليج فقط، حيث يصل تهديدها برلين، و قد يضرب غدا الولايات المتحدة. كما يشير إلى أن هذا التنظيم الإرهابي يشكل خطرا على الإنسانية جمعاء. ويحمل الإعلامي الكويتي المسؤولية في انتشار الإرهاب للمجتمع الدولي بشكل عام وللدول التي تسمح لهذه التنظيمات الإرهابية بالتحرك بحرية. كل هذه المعطيات تعتبر أرضية خصبة للتنظيمات الإرهابية في طريقها لكسب عقول الشباب وأعماقهم.
الشباب المهمش اجتماعيا عرضة لغسيل الدماغ
من جهتها تقول لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في لندن، في حوراها مع DW/عربية عن أسباب التطرف في تونس مثلا، وتقول " لا يمكن حصرها في البطالة أو غيرها من الأسباب الاجتماعية، بل هناك أيضا مشاكل في المؤسسات الدينية، التي تم تهميشها خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي. وهذا التهميش هو الذي فتح باب المساجد بعد الثورة لتصبح مجالا للسلفية الجهادية ولاستقطاب الشباب." وتضيف لينا الخطيب:" عندما يتردد الشباب المهمش اجتماعيا على المساجد التي يسيطر عليها السلفيون، يصبح عرضة لغسل الدماغ وقد يقتنعون بأفكار متطرفة". علاوة على ذلك تنتقد لينا الخطيب الاستراتيجية المتبعة من قبل التحالف الدولي ضد "داعش" وتعتبرها " استراتيجية شاذة." كما تشير الخبيرة إلى مسؤولية الدول العربية في تفاقم الأزمة وانتشار الإرهاب، إذ لم تعترف هذه الدول لوقت طويل بوجود " أزمة طائفية، خاصة في الخليج العربي ولبنان وسوريا والعراق". ولهذا ترى لينا الخطيب أن مكافحة الإرهاب لا يجب أن تتم فقط عبر الإجراءات الأمنية، بل عبر اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية لحماية الشباب من التطرف.
مسؤولية المساجد
من جهتها اتخذت السلطات الكويتية إجراءات صارمة تجاه بعض المساجد ودورالعبادة، التي تنشط في نشر الخطاب الطائفي. وفي هذا الصدد يقول الدكتور شملان العيسى في حواره مع DW/عربية: " هناك بعض المساجد التي تعتبر وكرا للسلفيين والجهاديين، الذي يصعدون المنابر لنشر رسائل الكراهية ضد الشيعة، وغير ذلك من الأفكار". ويحمل العيسى الخطاب السياسي الإسلامي مسؤولية ما يحدث، حيث ينتشر ذلك في بعض المساجد وعبر وسائل الإعلام أيضا. وقد قامت وزارة الإعلام الكويتية بوقف بث قناة "وصال" في الكويت، وذلك بعد ساعات فقط من تفجير مسجد الإمام الصادق، إذ وجهت الكويت للقناة تهمة تأجيج الصراع الطائفي وتهديد التعايش السلمي بين السنة والشيعة في البلاد.
بعد هجوم سوسة أمرت السلطات باغلاق المساجد. كما أن الرئيس التونسي تعهد باجراءات وتشديدات الأمنية صارمة. وهو نفس المنحى الذي نهجته فرنسا إثر الهجوم الأخير. غير أن المقاربة الامنية أثبتت فشلها في التصدي للإرهاب والأفكار الإرهابية، المنتشرة عادة على شبكة الإنترنت.
الإنترنت - طعم داعش لاصطياد الشباب
وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي من بين أهم الوسائل التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية لاستقاطاب الشباب وتحريضهم على الإرهاب، كما يقول الإعلامي والكاتب الكويتي عبدالله صبيح بوفتين. فعدد حسابات داعش في مواقع التواصل الاجتماعي تبلغ 46 الفا. وعدد التغريديات المبعوثة منها تصل إلى 200 ألف أسبوعيا. بالإضافة إلى ذلك فإن إدارة موقع تويتر تزيل اسبوعيا 2000 حساب يشتبه أن له صلة بالتنظيم، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
بالإضافة إلى ذلك فإن التنظيم يعمل بشكل ممنهج على نشر الدعايات الإرهابية عبر الفيديوهات والخطابات، التي يحاول بها التأثير على عقول الشباب وتشجيعهم على الانضمام للقتال وتنفيذ العلميات الإرهابية.
الخروج من دائرة التطرف
وفي سبيل مواجهة تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية على أرض الواقع، فإن التحدي الأكبر أمام المجتمعات العربية والإسلامية يتجلى في كيفية إصلاح الخطاب التعليمي والديني والإعلامي، الذي يحرض على الطائفية، كما تستخلص لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط. كما يعني ذلك أن الانتصار على الإرهاب هي معركة من أجل كسب عقول الشباب وأعماقه، حيث إن الفكر المتطرف يسعى الى اجتذاب هؤلاء لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية.