لاجئون في فريق إطفاء الحريق البرليني
٢٦ مايو ٢٠١٨إلتقينا محمد في ساحة شاسعة في مبنى الحماية المدنية، المطافئ، حيث يقوم بمرحلة تأهيلية يسعى من ورائها إتقان هذه المهنة الإنسانية المتميزة ليصبح واحدا من رجال المطافىء في طاقم الحالي، وحول اختياره لهذه المهنة دون غيرها،
يقول الشاب الحلبي :" لقد تعرفت على هذه المهنة في عين المكان في يوم الباب المفتوح، حينها قدمت بمعية ثلة من الشباب السوربين بزيارة هذه المؤسسة للتعرف على الدور الانساني الذي يضطلع به رجال المطافئ في مدينة برلين والذين نراهم دوما بصافراتهم العالية في شوارع المدينة." ويضيف محمد يقول بأن الدور الإنساني كان الدافع الاساسي بالنسبة له وهو القادم من مدينة حلب التي يعاني فيها ابناء مدينته الامرين غالبا بدون مساعدات رجال المطافئ التي اختفت كمؤسسة ،ويضيف حول العامل الانساني الذي يعد العامل الرئيس الذي حرك أحاسيسه:" أود أن أكون منقذا ومساعدا لكل إمرء يستحق المساعدة كيف ما كانت، أن هذا العمل يوافق تماما تصوراتي المهنية." يبتسم الشاب الوسيم محمد بقوة بنيته وبدماثة اخلاقه.
إضافة إلى قناعته بالقيام بمثل هذا العمل الانساني فإنّ شروطا أساسية يجب ان تتوفر لدى كل رجل مطافىء. وتطرق محمد في مجرى حديثه إلى التجهيزات والآلات العصرية التي لم يرها قط في حياته فمضى يقول:" لقد تمكنت هنا في إطار تكويني من التعرف على أجهزة عصرية لا حصر لها لكل منها وظيفتها الخاصة..." لقد كان الوافد السوري يذكر لنا اسماء التجهيزات وخراطيم المياه المتنوعة في حجمها المعلقة على جدار إحدى قاعات المبنى واصفا وظيفتها تارة باللغة الالمانية وتارة أخرى بالعربية.
بينما كنا نتجاذب أطراف الحديث متنقلين ببطىء هنا وهناك في فضاء القاعة الرئيسية حيث تجلس ثلة من رجال المطافىء ببذلاتهم المتميزة على أهبة الاستعداد، وإذ بأحدهم يخاطبنا وبيده فنجان القهوة مبتسما :" لقد تعلم محمد الكثير هنا، وبات اليوم واحدا منا، هل قال لكم بأنه يعشق العمل بخراطيم المياه..." ثم ألقى الحلبي بنظرات وديعة نحونا وقد بدت على محياه الابتسامة قائلا:" ما قاله داريوس صحيح، نعم أنا احب العمل بخراطيم المياه لإخماد النيران، لقد باتت هذه المهمة اليوم من إختصاصي في طاقم العمل."
السيد داريوس اولر الأربعيني في العمر ورئيس طاقم العمل المكلف بالسهر على تكوين محمد كرجل مطافئ ضمن طاقم من رجال المطافىء مكلفون هم أيضا بتكوين هذا الاخير في مختلف الاختصاصات في هذا المجال. " محمد شاب مهذب وذكي كما أنه يولي واجبه المهني اهتماما كبيرا، يباشر عمله بانظباط يحترم الأوقات ويطبق الأوامر برحابة الصدر..." هكذا نعت السيد داريوس محمد ثم أضاف بأن محمد يريد أن يكون رجل مطافئ، رغبته في ذلك واتقانه للمهنة كافيتان للخوض في هذا المعترك، ثم مضى يتكلم مداعبا نظارته الشمسية التي كان يحملها طول الوقت بأن، محمد أظهر تمكنه من هذه المهنة الصعبة خلال مرحلته التكوينية التي هو بصدد القيام بها ، ثم اضاف :" محمد يمتلك خاصية لا يمتلكها أحد منا، إنها اللغة العربية." لا شك أن اللغة تضطلع بدور هام في مثل هذه الحالات، الحرائق الإسعافات التي يقوم بها رجال المطافئ تطال أيضا للأسف الأقلية العربية في المدينة. لقد كان لنا عونا في بعض مهامها لدى العائلات العربية."
لم يثمن السيد اولر لوحده انضباط والتزام واتقان محمد لمهنته المستقبلية بل هذا ما سمعناه ولمسناه ايضا من لدن زملائه الذين يرون فيه إضافة ايجابية لطاقمهم كما أنهم يودون أن يظل بينهم.
اللغة والغوص في مختلف المجالات الحياتية هما مفتاح التأقلم والنجاح
"نجاحي في عملي والإعجاب الذي جنيته من قبل زملائي يعود بالدرجة الأولى إلى اللغة الالمانية التي منحتها وقتا طويلا ناهيك عن البرامج الاندماجية التي شاركت فيها بكثافة واخذتها بعين الاعتبار." هكذا وصف محمد سبب النجاحات التي حققها في حياته الجديدة في ألمانيا. تعلم اللغة الألمانية بالرغم من صعوباتها والمثابرة و النشاط في برامج اندماجية التي تعج بها الحاضرة برلين لمدينة جعلته يدخل الحياة اليومية في برلين من بابها العريض. ومن بين المهام التي قام بها قبل أن يدخل ميدان الحماية المدنية يقول الحلبي:
" عملت متطوعا في إحدى مبيتات الأطفال القصر، مهمتي تضمنت الترجمة والقيام بأنشطة تربوية في المبيت على غرار تنظيم رحلات في العطل الصيفية وزيارة المتاحف وحديقة الحيوانات وغيرها من الأنشطة..." وذكر لنا الشاب المتحمس أنه شارك فاعلا في برامج أخرى مثل مصاحبة المسنين ومرافقتهم في أوقات الفراغ وتنظيم جلسات للحوار، ومقاهي اللغة، بين الوافدين الجدد ومواطنين ألمان من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية للتعرف على الحياة الالمانية والمحادثة باللغة الألمانية.
وبهذه العبارات أراد محمد تقديم النصح لأبناء وطنه من الوافدين الجدد على ضرورة تعلم اللغة والمشاركة الفعلية في البرامج الاندماجية المتنوعة من أجل الفوز بتجارب تمكنهم من التأقلم في المجتمع الجديد وحمل تجاربهم إلى وطنهم يوما ما إن أرادوا يوما ما العودة النهائية.
بالرغم من أن محمد قد جال في مختلف القطاعات سيما منه الاجتماعية وتعرف على خفاياها الا أن مهنته المستقبلية كما قال لنا مرارا وتكرارا تظل مهنة رجل المطافئ نظرا لبعدهاالانساني، ثم توج كلامه قائلا " حلمي أن أحمل تجاربي كرجل مطافىئ يوما ما إلى أبناء وطني في سوريا حتى ينتفع وطني بما اكتسبته في برلين من مهارة في هذا المجال."
شكري الشابي / برلين