لا للتطرف الديني: لقاء في لبنان بين شباب مسلمين ومسيحيين
٧ يوليو ٢٠١٠خدم جيك ديليبيرتو ضمن القوات الأمريكية التي غزت أفغانستان في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. لكنه، وبعد تسريحه من الخدمة العسكرية، قام بإنشاء منظمة "إعادة التفكير بأفغانستان" بالتعاون مع عدد من الجنود الأمريكيين الآخرين. ويهدف ديليبيرتو، الذي يعتنق الديانة المسيحية، من خلال هذه المنظمة لإقناع الساسة في بلاده بتبني حلول غير عسكرية لحل النزاعات حول العالم.
من جندي إلى داعية سلام
ويقول الجندي الأمريكي السابق أن ما دفعه إلى تأسيس هذه المنظمة هو اعتقاده بأن "ممثلي الشعب المنتخبين في الولايات المتحدة قد برهنوا على عدم قدرتهم على إنهاء الحرب الأفغانية، بل هم تسببوا في ازدياد العنف هناك. لقد قمنا بانتقاد إدارة بوش وإدارة أوباما أيضاً بسبب سياساتها في أفغانستان. إن جيلنا لا يريد الحرب، ويجب علينا السعي لجعل عالمنا أفضل". وفي هذا الإطار سافر جيك ديليبيرتو إلى العاصمة اللبنانية بيروت من أجل التحاور مع عدد من الشباب المسلم المشاركين في ندوة تنظمها كلية اللاهوت المعمدانية العربية تستمر لعدة أيام ويحضرها شباب مسلمون ومسيحيون من جميع أنحاء العالم.
أما بشار لاكيس المنتمي للمذهب الشيعي والبالغ من العمر 25 عاماً، فيحاول تنظيم حلقة نقاش للمهتمين من المسلمين والمسيحيين، بهدف إعطاء الفرصة لهؤلاء الشباب للحوار ومناقشة الجوانب اللاهوتية من دينهم، "إن أول مشكلة يواجهها الشباب المؤمن في يومنا هذا هي اللغة. نرى حالياً أن الإسلام قد تحول من نظام أخلاقي وإيماني إلى دين يعتمد على المظاهر كاللحية مثلاً، ففي حياتنا اليومية تنقصنا القيم وهذه هي أكبر التحديات. لقد فقدنا القدرة على أخذ من يؤمن بدين آخر على محمل الجد أو تحمل تعدد الآراء في مجتمعنا. من يفكر بشكل آخر نعتبره غير مؤمن ونلعنه".
من جانبه لا يتصور آرا بادليان، طالب علم اللاهوت البروتستانتي من بغداد، إمكانية إطلاق مبادرة متعددة الأديان لمناقشة المسائل الدينية والمجتمعية. ورغم ارتباطه بصداقات مع مسلمين وتبادلهم الزيارات في الأعياد المختلفة، إلا أن بادليان الناشط في الكنيسة البروتستانتية في العراق لا يتخيل إقامة نشاطات مشتركة معهم في العراق، ذلك أن "الحوار بين الأديان في العراق غير ممكن". وهو يرجع السبب إلى الوضع الأمني الصعب هناك، "فالمتطرفون يعيقون إمكانية الحوار. ولا يتعلق الأمر بالحوار بين المسلمين والمسيحيين فقط، بل يتعداه إلى الحوار بين الطوائف الإسلامية أيضاً، مثل السنة والشيعة. هذا حدا بكل مجموعة إلى عزل نفسها عن الأخرى، حتى في الطائفة التي أنتمي إليها ألاحظ نفس النزعات".
أول العلامات التقوقع والانعزال
في ذات السياق يقول إكرام لامي، وهو قس بروتستانتي من القاهرة وأستاذ في علم الأديان المقارن، بأنه قد درس نزعات التطرف في عدد من الأديان ولاحظ بأنه يبدأ الانسحاب من المجتمع والتقوقع بعيداً عن جميع عوامل التأثير الخارجية. ويشرح لامي الأسباب: "الخوف، وانعدام الأمان أو الفهم الخاطئ للنصوص الدينية. جميعها أسباب تدفع أتباع دين ما للابتعاد عن أتباع الدين الآخر، والحديث عنهم بسوء. المسلمون أو المسيحيون يمارسون التمييز ضد بعضهم البعض في الحياة العملية أو يقومون بتعقيد حياتهم في الحي الذي يعيشون فيه. أنماط السلوك هذه هي أول خطوات التطرف الديني، والتي قد تصل إلى درجة العنف أو الإرهاب، وهذا لا علاقة له بالأشخاص وحدهم، بل بحالة المجتمع أيضاً. والسؤال هنا يدور حول دور الدولة أو قدرتها على التدخل".
ومن خلال عمله في حي شبرا بمدينة القاهرة، والذي يشكل المسيحيون 40 بالمائة من سكانه، يواظب القس لامي على إقحام الجيران المسلمين في النشاطات المختلفة، فمرة في الشهر تقوم الكنيسة التي يخدم فيها القس البروتستانتي والمسجد المجاور لها بعقد لقاء مشترك. وبالرغم من تفاؤل إكرامي لامي، إلا أنه لا يحاول تجميل العلاقات الإسلامية والمسيحية المتوترة في مصر، إذ يقول: "نحن نعاني من التطرف الديني، لكن من جهة أخرى ألاحظ انفتاحاً كبيراً وفضولاً لدى الجيل الجديد فيما يتعلق بأتباع الديانات الأخرى. وسائل الاتصال المتطورة حالياً تدعم هذا الفضول، فالشباب الأرثوذكسي، والبروتستانتي والكاثوليكي يتحدث مع نظرائه من الشباب المسلم عن طريق الإنترنت. هذا منتشر للغاية في يومنا هذا، ففكرة الذهاب إلى مسجد أو كنيسة من أجل التعرف على الدين الآخر لا تزال غير ممكنة للكثيرين، أما شبكة الإنترنت فتسهل هذا الأمر كثيراً".
الكاتبة: منى النجار/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبدالرحمن عثمان