لبنان أمام تحدي معركة إعادة بناء ما دمرته الحرب
١٧ أغسطس ٢٠٠٦بعد أن وضعت الحرب أوزراها في لبنان، ومع افتراض استمرار وقف إطلاق النار وعدم عودة المعارك العسكرية، يبرز الآن التحدي الأكبر الذي خلفته الحرب الضروس والمتمثل في إعادة ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية. حيث أدى القصف الإسرائيلي للبنان إلى إعادة هذا البلد الذي لم يكن قد تعافى من أثار الحرب الأهلية المدمرة عشرات السنين إلى الوراء. ومما لاشك فيه أن لبنان وحده غير قادر بإمكانياته الذاتية الشحيحة على إعادة ما دمرته الحرب وتجاوز أثارها على اقتصاده الهش والمنهك أصلا. ناهيك عن ثقل عبئ الدين الخارجي على الاقتصاد اللبناني الذي يقدر بنحو 40 مليار دولار، وهو ما يشكل حوالي 180 في المائة من صافي الناتج القومي.
تفاوت في تقدير حجم الأضرار
تتفاوت تقديرات الخسائر الناجمة عن الحرب على الاقتصاد اللبناني عموما والأضرار المباشرة للقصف العسكري للبنان وبالتالي في تقدير حجم تكلفة إعادة الإعمار. ففي الوقت الذي تقدر فيه الأمم المتحدة تكلفة الأضرار بحوالي ستة مليار دولار، تتحدث المصادر الحكومية اللبنانية عن حوالي ثلاثة إلى خمسة مليار دولار. من جانبه قدر مجلس التنمية وإعادة الإعمار في لبنان الإضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي بنحو 2،5 مليار دولار حتى نهاية يوليو تموز. ويقدر الخبير الألماني اليكيز ناسان، الممثل الاقتصادي الألماني في لبنان، الخسائر المباشرة وغير المباشرة بنحو عشرة مليار دولار. وبصرف النظر عن هذه الأرقام فإنه من المؤكد ان البنية التحتية اللبنانية قد دمرت بشكل شبة نهائي بما فيها تلك المؤسسات الخدمية المتعلقة بالجوانب الحياتية الضرورية.
وحسب المصادر اللبنانية فإن حوالي 29 من مؤسسات البنية التحتية الضرورية قد دمرت بما فيها مطار بيروت ومؤسسات الطاقة والمياة إضافة إلى حوالي 630 كيلو متر من الطرق و145 من الجسور صارت في خبر كان. كما دمر سبعة ألاف منزل و175 مصنعا، وفقأ للمصادر الحكومية اللبنانية، ناهيك عن الخسائر التي مني بها قطاع السياحة الذي يشكل أحدى أهم ركائز الاقتصاد اللبناني. وقد خفض اقتصاديون لبنانيون من توقعاتهم بخصوص النمو الاقتصادي إلى الصفر أو أقل. ويقول بعض المحللين ان الاقتصاد اللبناني قد ينكمش بما يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة مع تضرر قطاع السياحة بشدة على وجه الخصوص.
استعداد دولي للمساهمة في إعادة الإعمار
وبسرعة غير متوقعة أبدت الأسرة الدولية إستعدادها للمساهمة في إعادة بناء لبنان، حيث رصد الأمم المتحدة حتى الآن حوالي 220 مليون يورو. في هذا الصدد سوف يعقد مؤتمرا دوليا للدول المانحة تنظمه السويد في نهاية الشهر الحالي لبحث موضوع إعادة إعمار لبنان. وحسب بيان لوزارة الخارجية السويدية دعي إلى المؤتمر ممثلون عن 60 حكومة ومنظمة لمناقشة تقديم المساعدة الإنسانية وإعادة إعمار البلاد فورا. وفي هذا الإطار دعا وزير الخارجية السويدي يان الياسن المجموعة الدولية إلى تقديم الدعم لإعادة إعمار لبنان ومساعدة الشعب اللبناني "الذي تضرر كثيرا". وتأمل الوزيرة السويدية المنتدبة للتعاون كارين يامتين في ان يساهم المؤتمر في تدخل دولي سريع ومنسق دعما للشعب اللبناني. "ان لبنان بحاجة لكل مساعدة ممكنة في الفترة الانتقالية الصعبة التي تنتظره".
وفي الوقت الذي رصدت فيه الحكومة الألمانية أكثر من ثمانية مليون يورو كمساعدات إنسانية عاجلة للشعب اللبناني، أعلنت المفوضة الأوروبية المكلفة للعلاقات الخارجية بنيتا فيريرو فالدنرا في بيان عن استعداد الإتحاد الأوروبي لدعم إعادة الإعمار في لبنان. وأشارت المسئولة الأوروبية إلى انه "حان الوقت للتحرك" مشيرة إلى أن أكثر الأمور إلحاحا هو تخفيف معاناة المدنيين الابرياء الذين علقوا في فخ هذا النزاع، حسب تعبيرها. على الصعيد العربي يسود الاعتقاد بأن حجم الدعم العربي للبنان في معركة إعادة الإعمار سيكون سخيا. ويعتقد المراقبون بأن شعور الحكومات العربية بالذنب تجاه ما تعرض له لبنان ووقوفها مكتوفة الأيدي إزاء الهجوم الإسرائيلي قد يدفع هذه الحكومات لتعويض ذلك في شكل مساعدات مادية. ويرجح المراقبون بأن تقدم السعودية وحدها مليار دولار كمساعدة للبنان. يذكر في هذا السياق أن تونس دعت إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث مسألة دعم لبنان.
الشركات العالمية تستعد لأخذ نصيبها من الكعكة
قبل أن يصدر قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعى لوقف إطلاق النار كانت الشركات الأجنبية قد بدأت في التخطيط للمشاركة في حملة إعادة البناء في لبنان. وتأمل الشركات العالمية في أن تحظى بنصيب من المكاسب من وراء إعادة الإعمار. وتتحفز الكثير من الشركات العالمية وفي مقدمتها الأمريكية والبريطانية والفرنسية للدخول في مناقصات إعادة البناء والحصول على المكاسب. ومن الجانب العربي يعد مقاولون سعوديون لتأسيس تحالف لإعادة إعمار لبنان برأسمال يتجاوز ملياري ريال.