لماذا يريد معظم المهاجرين أن يدفنوا في الوطن الأم؟
٢٤ نوفمبر ٢٠١٣الحنين إلى الوطن إحساس يلاحق المغتربين في كل مكان في العالم، في ما يبقى حلم العودة دفينا لدى البعض منهم، إما أن يتحقق في حياتهم أو عند مماتهم؛ لذلك يفضل كثيرون منهم أن يدفنوا في بلدانهم الأصلية. حنين هؤلاء، أصبح مصدر رزق راديسا ميهاجلوفيتش درندا، صاحب شركة نقل الموتى المغتربين من الخارج إلى صربيا. وتعد شركته "درندا إنترناشونال"، التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة بوزاريفاتش الصربية، واحدة من أكبر شركات نقل وتجهيز الموتى في بلدان يوغوسلافيا السابقة.
وفي حديث لـDW، يرى راديسا ميهايلوفيتش أن ثمانين في المائة من المتوفين يريدون أن يدفنوا في موطنهم الأصلي، ومنهم من قضى فترات طويلة في ألمانيا. "وعندما لا يؤكد الآباء أو الأجداد صراحة رغبتهم في الدفن في بلدانهم الأصلية، يقوم الأبناء والأحفاد في كثير من الأحيان بدفنهم في ألمانيا لأن هذا هو المكان الأقرب بالنسبة لهم"، يضيف صاحب شركة نقل الموتى.
لا أحد في ألمانيا يعرف عدد الأشخاص الذين يرغبون في أن يدفنوا في بلدانهم الأصلية؛ مع العلم أن ذلك يستلزم استخراج جوازات "سفر الجثث" -كما يطلق عليها- لنقل الجثة إلى الخارج، والتي تقوم البلديات التابعة للولايات الألمانية المختلفة بإصدارها. وحول ذلك، توجهت DW بسؤال إلى مكتب الإحصاء الاتحادي وعدد من الوزارات الاتحادية والوزارات في الولايات الألمانية، عن عدد الحالات المسجلة لترحيل الجثث، لكن تعذر الحصول على أرقام دقيقة، نظرا لعدم وجود مؤسسة مركزية تقوم بتوثيق البيانات من مختلف المؤسسات الألمانية. ويتراوح عدد الجثث التي تنقل خارج ألمانيا بين ثلاثين إلى أربعين ألف جثة سنويا، حسب تقديرات فابيان شاف- ميشتا من موقع bestattungen.de، أكبر موقع إلكتروني ألماني لمقارنة مؤسسات تجهيز ودفن الموتى.
الدفن في غير التابوت
ويقول فابيان شاف- ميشتا: "كثيرا من الناس عاشوا في الواقع في ألمانيا عشرين أو حتى أربعين عاما، عادة دون أسرهم، ولهذا يفضل المغتربون أن يدفنوا في أوطانهم". إلى جانب هذه العوامل، هناك رغبة ملحة في العودة إلى الجذور، كما يوضح هشام الفونتي من مؤسسة الدفن الإسلامي Islam-Bestattungen في مدينة دوسلدورف قائلا: "هذا يدل على الارتباط القوي بالوطن الأم، حيث تكون للشخص رغبة في أن يدفن هناك إلى جانب الأسلاف".
وعندما يتعلق الأمر بالمسلمين، فإن الحنين للوطن ليس السبب الوحيد لاختيارهم الدفن في بلدانهم، حسبما أفاد هشام الفونتي مضيفا، "في الإسلام ، يجب أن يتجه القبر نحو القبلة، وهذا ليس متاحا دائما في ألمانيا". أما الإشكال الكبير بالنسبة لمسلمي ألمانيا فيتمثل في عملية الدفن بدون تابوت، وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية، لكن ذلك يتطلب الحصول على أوراق إدارية كثيرة جدا. عدا أن الدفن في التابوت مسألة إجبارية في العديد من المقابر الألمانية، يقول الفونتي.
ووفقا لوزارة الصحة في ولاية رينانيا وستفاليا شمال الراين (NRW)، فإن قانون الدفن في ألمانيا لا يلزم استخدام التابوت، حسب ما ورد في رد خطي على سؤال DW حول هذه النقطة الخلافية. وأشارت رسالة الوزارة الألمانية أيضا أن "هناك اليوم مقابر عديدة تتيح الدفن وفقا للتعاليم الإسلامية، أي بدون تابوت. مع هذا فليست كل إدارات المدافن مستعدة لتوفير تلك الإمكانية".
بدوره يرى فابيان شاف- ميتشا أن هذا التقليد لم يعد اليوم يتماشى مع مجتمع متعدد الثقافات، مؤكدا، "كان التابوت في الماضي علامة للإحسان إلى الميت. لكنه اليوم لا يناسب العصر لوجود أشكال مختلفة للدفن".
تكاليف الدفن
وفي ولاية رينانيا وستفاليا في غرب ألمانيا، يوجد ما بين ستة إلى ثمانية آلاف مقبرة، كل منها لديها قوانينها الخاصة، كما أن أسعار القبور مرتفعة جدا. ويقول هشام الفونتي إن عملية الدفن، يجب النظر إليها أيضا من زاوية اقتصادية، مشيرا إلى أن استخدام قبر مؤقت في ألمانيا يمكن أن يكلف نحو خمسة آلاف يورو. وفي هذه الحالة فإن القبر يكون مستأجرا فقط، ويجب بعد نحو عشرين عاما أن يقوم أهل الميت بتقديم طلب التمديد والدفع مجددا، "لذلك فإن المسألة تكون أقل تكلفة عند نقل جثة الميت لدفنه في بلده الأم".
يبلغ سعر نقل الجثمان الواحد لدى شركة "درندا انترناشونال" يورو واحدا لكل كيلومتر، أي أن مالك الشركة ميهاجلوفيتكش يحصل على 1500 يورو، إذا ما قطع الرقم ذاته مسافة. وبالنسبة للمسافات الطويلة فإن الشحن الجوي أرخص بكثير من ذلك، ويشير هشام الفونتي إلى أن كل طائرة تضم أماكن مخصصة للنعوش في عنبر الشحن، والأمر مثل تذاكر السفر العادية فأحيانا تكون غالية وأحيانا رخيصة؛ علما بأن نقل النعش هو من حيث المبدأ أغلى على الأقل مرتين من التذكرة العادية في الدرجة الاقتصادية.
وهناك طقوس أخرى يكون فيها نقل الموتى أرخص بكثير من ذلك، فوفقا للعرف الهندوسي يجب در رماد المتوفى فوق مياه نهر الغانج المقدس. ولأن ألمانيا لا يوجد فيها نهر مقدس، فإن أهل الميت من الهندوس يقومون بحرق الجثة، ونقل الرماد إلى الهند سواء على متن الطائرة، في وعاء داخل حقيبة يد، أو بإرساله عبر البريد.