ليبيا.. ميليشيات بـ"غطاء سياسي" تنتفع من المتاجرة بالمهاجرين
١٧ نوفمبر ٢٠١٧في تصريح له هذا الأسبوع، استخدم نائب وزير الخارجية الإيطالية، ماريو جيرو، مصطلح "الجحيم" للتعبير عن الانتهاكات التي تحدث للمهاجرين غير النظاميين في ليبيا. مصطلح قد يعبّر عن واقع الحال، فمشاهد بيع المهاجرين والإساءة إليهم صارت متعددة في ليبيا، آخرها الفيديو الذي بثته CNN، إذ يُظهر عمليات نخاسة يُشترى فيها مهاجرون ببضعة مئات من الدولارات. في الأسبوع ذاته الذي نُشر فيه الفيديو، دخل 233 مهاجرا مغربيا في إضراب عن الطعام داخل ليبيا، للضغط على سلطات بلدهم كي تنقذهم وتعيدهم إلى وطنهم بعيدًا عن مقر احتجازهم، وردت الحكومة المغربية بأنها سوف تستجيب لنداءات مواطنيها.
شكّلت ليبيا منذ مدة طويلة منفذا لآلاف المهاجرين، القادمين من دولٍ إفريقية عديدة، والراغبين بالوصول إلى ما يرونه فردوسًا أوروبيًا هربًا من الفقر والحرب. لكن دخول الدولة الليبية في حالة من اللا استقرار منذ سقوط نظام القذافي فاقم من توجه المهاجرين غير النظاميين إلى ترابها، مستغلين ضُعف المراقبة الأمنية وتوسع شبكات تهريب البشر. فمن المسؤول عن هذا "الجحيم" الذي جعل المهاجرين في ليبيا مجرّد بضائع تباع وتشترى؟
مأساة بالأرقام والتفاصيل
أرقام مرعبة نشرتها أكثر من هيئة تبيّن أن ليبيا تحوّلت مؤخرًا إلى بؤرة سوداء للهجرة غير النظامية، خاصة في الساحل الغربي المطل على البحر المتوسط. عام 2016، وصل عدد المهاجرين الذين قضوا في سواحل ليبيا إلى 2250 حسب أرقام منظمة الهجرة الدولية. المنظمة ذاتها أعلنت في أبريل/نيسان الماضي، عن وجود أسواق نخاسة في ليبيا يباع فيها المهاجر بما بين 200 و500 دولار لأجل استغلاله في العمل دون مقابل. كما أكدت المنظمة أن مراكز الإيواء في ليبيا توجد تحت سيطرة جماعات مسلحة.
الأمم المتحدة بدورها قالت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن حوالي 20 ألف مهاجر ولاجئ يوجدون في مراكز احتجاز في صبراتة غرب ليبيا، بينهم ستة آلاف في قبضة مهربي البشر. كما أعلنت خلال سبتمبر/أيلول الماضي أن 77 في المئة من الأطفال والشباب المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط عانوا من الاعتداء والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، جلهم في ليبيا.
وبدورها، قالت منظمة أطباء بلا حدود هذا العام بعد زيارتها سبعة مراكز اعتقال للاجئين في ليبيا إن العنف وسوء المعاملة والابتزاز أبرز ما يميز هذه المراكز. وصرح مدير المنظمة أن المهاجرين غير النظاميين في ليبيا أمام خيارين: إما أن يدفعوا للمهربين لأجل العبور عبر البحر، أو أن يتم بيعهم.
ميليشيات بنفوذ كبير
تعدّ ميليشيا "الشهيد أنس الدباشي" التي يقودها أحمد الدباشي، إحدى أهم التنظيمات المسلحة التي تسيطر على مجال تجارة البشر في صبراتة، وفق ما أكده تقرير للأمم المتحدة صدر هذا العام، نقلته وكالة رويترز. وتمتلك هذه الميليشيا علاقات واسعة في المنطقة، وبسبب طموحها العسكري، دخلت قبل أسابيع في مواجهة مسلحة دامية مع ميليشيا أخرى حول النفوذ في صبراتة، إلّا أن رفاق الدباشي انهزموا وانتقلوا إلى مناطق أخرى.
قوة ميليشيا الدباشي تظهر من خلال لقاءات كانت قد عقدتها مع حكومة الوفاق الوطني هذا العام، حتى تقايض وقف عمليات تهريب البشر بمناصب في الدولة، وفق ما نقله مسؤول من الميليشيا لرويترز. وقد قبلت حكومة الوفاق بالعرض حسب تقارير إعلامية محلية. كما ذكرت صحيفة الغارديان أن إيطاليا قدمت مبالغ كبيرة لأحمد الدباشي حتى يوقف عمليات تهريب البشر، وبالتالي تخفيف العبئ على قواتها البحرية، بيد أن الدباشي نفى بشدة هذا الأمر.
تقرير لصحيفة "العربي الجديد" صدر نهاية أغسطس/آب الماضي، أشار إلى ميليشات أخرى تعمل في تهريب البشر بمناطق غرب ليبيا، واحدة اسمها أبو "مصعب أبو قرين" توجد في منطقة دحمان القريبة من صبراتة. أخرى اسمها " مليشيا محمد البعبيو" تتركز في مصيف تليل السياحي بمدينة صرمان، تتقاسم النفوذ في هذه المنطقة مع مجموعة مسلحة أخرى تحمل اسم "الحسن الدباشي". في نواحي مدينة الزاوية، توجد ميليشيا "محمد القصب" التي ترتبط بجماعات أخرى تؤمن لها الحماية في مناطق جنوب المدينة، فضلًا عن ميليشيا أخرى تراجع نشاطها كثيرًا تعود لشخص ملقب بـ"الكرو" أُعلن مؤخرًا عن مقتله، حسب الصحفية المذكورة,
جمال المبروك، رئيس منظمة التعاون والإغاتة العالمية في ليبيا، يقول لـDW عربية، إن جماعات تهريب البشر في ليبيا تنسق مع مثيلاتها في أكثر من بلد؛ من نقطة انطلاق المهاجرين حتى وصولهم إلى الشواطئ الليبية. ويعطي مبروك المثال بشباب مغاربة التقى بهم، إذ ساعدهم سماسرة في السفر من بلدهم إلى الجزائر جوًا، وبعد ذلك نقلوا إلى الحدود الجزائرية الليبية حيث استقبلهم مهرّبون آخرون نقلوهم عبر سلسلة طويلة من التسليم والتسلّم إلى الغرب الليبي، بمبالغ إجمالية تصل إلى 5 آلاف دولار.
اتهامات لأطراف سياسية بالتورط
في تصريحات لـDW عربية، يقول أحمد حمزة، مقرّر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، إن هناك أطرافًا سياسية تدعم مهرّبي البشر بشكل غير مباشر، بل إن "هناك جماعات وتشكيلات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية وزارة الدفاع وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في حكومة الوفاق، تمتهن تهريب البشر والمهاجرين من منطقة الجنوب ومناطق غرب ليبيا، أو تسهل عمل تجار البشر وتتقاسم معهم الأرباح". ويعطي حمزة المثال بكتيبة أحمد الدباشي و"الصفقة السياسية" بينه وبين حكومة الوفاق المدعومة من لدن الأمم المتحدة.
ووفق حديث حمزة، لا يتوقف دعم هذه الميليشات على أطراف في حكومة الوفاق، ففي مناطق بالجنوب الليبي، هناك تنظيمات مسلحة تمارس تجارة البشر، تدين بالولاء لقوات خليفة حفتر المُسيطرة على المنطقة. وتنشط هذه التنظيمات تحديدًا في الكفرة التي تعدّ من أبرز مناطق عبور المهاجرين، بما أنها قريبة من الحدود التشادية. ويُضيف حمزة أن جميع مراكز احتجاز وإيواء المهاجرين واللاجئين في ليبيا "تسيطر عليها جماعات مسلحة غير نظامية تحصل على دعم من قبل وزارتي الدفاع والداخلية بحكومة الوفاق الوطني، أو من قبل الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا" (غير معترف بها دوليا، وهي مقرّبة من خليفة حفتر).
بيد أن حكومة الوفاق تنفي الاتهامات بدعم الميليشات المتاجرة بالبشر، ومن ذلك ما أعلنته قوات الردع الخاص بها عن اعتقال علي فهي سليم قبل أسابيع، وهو الذي لُقب محليًا بـ"ملك التهريب"، إذ كان يتهم بإدارة عمليات واسعة لبيع البشر في مناطق بغرب ليبيا.
لكن العودة إلى ظروف تشكيل حكومة الوفاق يبين أنها كانت قد استنجدت بالعديد من الميليشيات لأجل تعزيز قوتها العسكرية، خاصة بعد رفض خليفة حفتر المشاركة في المعارك التي أعلنها رئيسها فايز السراج لتحرير سرت من قبضة تنظيم "داعش"، الذي تحدثت تقارير إعلامية متعددة عن قيامه هو الأخر بعمليات تهريب مهاجرين.
يتحدث جمال المبروك عن أن تهريب البشر في ليبيا ليس حكرًا على الميليشيات بل "أضحى أفراد من داخل عدد من القبائل الليبية يقبلون عليه لما يُدرّ عليهم من أموال، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ فيها ليبيا". ويشير المبروك إلى أن ما فاقم هذه الظاهرة هو "ضعف الإجراءات الأمنية"، كما لا يستبعد المتحدث ذاته "قيام أفراد من الأجهزة الأمنية بالتنسيق بين ميليشيات مسلّحة وبين الحكومة الإيطالية حتى يتم التقليل من ظاهرة تهريب البشر مقابل مبالغ مالية"، ممّا يبين النفوذ المتنامي لهذه الجماعات المسلحة.
إسماعيل عزام