ليست سياسية فقط.. ماذا تحمل زيارة ماكرون المرتقبة لألمانيا؟
٢٦ مايو ٢٠٢٤آخر زيارة دولة قام بها رئيس فرنسي إلى ألمانيا كانت في عام 2000 من قبل الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك. تعد فترة طويلة للغاية بالنسبة لبلدين يشعران بأنهما مترابطان بشكل وثيق. لكن هذا الانقطاع الطويل ليس له أهمية على المستوى السياسي، إذ يجتمع رؤساء الحكومتين والوزراء من كلا البلدين بشكل منتظم كل بضعة أشهر. خلال زيارة الدولة، لا يتم التركيز على السياسة فقط، بل على اللقاءات مع البلاد وشعبها.
المضيف ليس مستشار ألمانيا، وإنما رئيسها فرانك فالتر-شتاينماير. بالإضافة إلى برلين، ستشمل رحلة الرئيس وعقيلته أيضاً مدينتي دريسدن ومونستر، حيث من المقرر أن يحصل ماكرون على جائزة ويستفاليا للسلام الدولي.
كان من المفترض أن يزور إيمانويل ماكرون وعقيلته ألمانيا في يوليو/ تموز الماضي، لكن الرئيس الفرنسي ألغى زيارته بسبب الاضطرابات في فرنسا. لكن الأمور ليست أكثر هدوءاً بالنسبة له الآن: فالانتخابات الأوروبية أصبحت على الأبواب، وفي فرنسا، وفقاً لاستطلاعات الرأي، من المرجح أن يصبح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان هو الحزب الأقوى. كما أظهر استطلاع للرأي أجراه "يوروباروميتر" في فبراير/ شباط الماضي "إرهاقاً واضحاً" من الاتحاد الأوروبي بين المواطنين الفرنسيين. على سبيل المثال، يتمتع البرلمان الأوروبي بأدنى سمعة في فرنسا بين جميع دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين - أي في الدولة التي يقع فيها مقر البرلمان الأوروبي وتعتبر، إلى جانب ألمانيا، القوة الدافعة للاتحاد الأوروبي.
ماكرون: أوروبا قد تموت!
"أوروبا قد تموت" - بهذه الكلمات المثيرة دعا ماكرون إلى المزيد من السيادة والدفاع المشترك عن أوروبا في جامعة السوربون في باريس قبل شهر - تُرجمت في وقت واحد إلى الألمانية. وهذه ليست المرة الأولى التي يرسم فيها ماكرون رؤى سياسية أوروبية كبرى. وقد فعل ذلك من قبل في عام 2017، ودعا على سبيل المثال إلى تعيين وزير مالية أوروبي. قوبلت دعوته هذه آنذاك بالرفض من قبل المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في برلين. لكن هذه المرة، أشاد المستشار الألماني أولاف شولتس على موقع "اكس"، تويتر سابقاً، بـ "الدوافع الطيبة" للخطاب حول أوروبا، لكنه فشل في تقديم إجابات ملموسة.
الأمر يعود أيضاً إلى اختلاف في العقليات، كما يعتقد مارك رينغل، مدير المعهد الألماني الفرنسي بمدينة لودفيغسبورغ الواقعة في باد فورتمبيرغ. الرؤى هي "طريقة فرنسية للغاية من أجل شرح وجهة نظر الأشياء التي لن تجدها في ألمانيا"، كما يقول لـ DW. ويضيف: "قال هيلموت شميت: "من لديه رؤى عليه زيارة الطبيب". أعتقد أن هذه هي القراءة الألمانية الواقعية".
الولاء الألماني للحلف والاستقلال الذاتي الفرنسي
ولكن هناك حالياً اختلافات سياسية واضحة في الرأي بشأن العديد من القضايا الفردية: فمن الواضح أن باريس ملتزمة بالطاقة النووية، في حين أغلقت برلين آخر المفاعلات النووية على الرغم من نقص الطاقة. ولم يستبعد ماكرون مشاركة قوات برية في حرب أوكرانيا، لكن شولتس يرفضها ذلك بشكل قاطع. كما تحرز خطط تصنيع دبابة قتالية ألمانية فرنسية وطائرة مقاتلة تقدماً بطيئاً.
ويريد ماكرون أن تكلف ألمانيا شركات أوروبية، وخاصة فرنسية، بتنفيذ خططها التسلحية، لكن ألمانيا تريد شراء الأسلحة من الأمريكيين. وفي هذا السياق يقول مارك رينغل: "لطالما كان الدفاع قضية صعبة بين ألمانيا وفرنسا، لأن لدينا ثقافات أمنية مختلفة في هذه المرحلة". ويضيف: "على الجانب الألماني، لدينا علاقات وثيقة للغاية مع حلف شمال الأطلسي". ومن ناحية أخرى، هناك "الاستقلال الاستراتيجي الذي تطالب به فرنسا لنفسها".
شولتس بالفرنسية وماكرون بالألمانية
أصبحت العلاقات الألمانية الفرنسية أسوأ مما كانت عليه منذ عقود، كما اشتكى فريدريش ميرتس، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي - حزب المعارضة الرئيسي في ألمانيا، مؤخراً. وتحدث ميرتس أيضاً عن "خلاف" بين شولتس وماكرون بشأن مسألة دعم أوكرانيا. وفي مؤتمر مشترك حول هذا الموضوع في مارس/ آذار الماضي، كانت التوترات واضحة. لكن شولتس وماكرون يريدان على الأقل أن يظهرا للعالم الخارجي أنهما يفهمان بعضهما البعض.
وفي مقطع فيديو قصير، يجربان الآن ذلك بلغتي بعضهما البعض. ماكرون يقرأ سؤالاً على المنصة وبدلا من ماكرون، أجاب شولتس بالفرنسية: "مرحبا أيها الأصدقاء الأعزاء، أؤكد لكم، تحيا الصداقة الفرنسية الألمانية!". ثم قال ماكرون باللغة الألمانية: "شكراً لك أولاف، أنا أتفق معك للغاية".
التبادل الثقافي النشط بين الشباب
ولكن ماذا عن الصداقة الألمانية الفرنسية بين مواطني البلدين، بخلاف رحلات الإجازة والنبيذ الأحمر؟ يستشهد مارك رينغل بدراسة أجراها معهد Infratest في مارس/ آذار الماضي. "وهذا يدل على أن موافقة الألمان على فرنسا كدولة شريكة لا تزال تلقى القبول. ويقول أكثر من 80 في المائة من الألمان إن فرنسا شريك موثوق به، وهي نسبة قبول أكبر بكثير من أي من شركائنا الآخرين. وقد عكسنا الشيء نفسه في فرنسا". غير أن تعلم لغة الجيران آخذ في الانخفاض على جانبي نهر الراين.
ويقال إن الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان قال ذات يوم برضا: "يمكننا الاكتفاء باللغة الإنجليزية". إن اللغة الإنجليزية كلغة مشتركة هي شيء واحد، كما يقول رينغل. لكن التراجع عن تعلم اللغة يمكن أن يمثل أيضاً تطبيعاً للعلاقات: "نحن نقدر بعضنا البعض، لكن الشخص الآخر قد يصبح متطبعاً لدرجة أننا قد نحاول بشكل أقل".
على أية حال، لا يشعر مدير المعهد الألماني الفرنسي بالقلق بشأن التبادل الشبابي: "لا يقتصر الأمر على التبادل المدرسي فحسب. هناك أيضًا إمكانية إجراء تدريب داخلي، على سبيل المثال في الخدمة التطوعية الفرنسية. هناك الكثير من الفرص للقيام بهذا التبادل، وهو ما يتم استغلاله بنشاط كبير".
أعدته للعربية: إيمان ملوك