مأوى زيغبورغ للاجئين - مصائر مختلفة وأمنية واحدة
٢ مايو ٢٠١٥من يزور مركز إيواء اللاجئين الجديد الواقع في شارع لويزن بمدينة زيغبورغ الألمانية، يصعب عليه تمييزه عن المباني الأخرى المحيطة به. فهو عبارة عن مبنى سكني يتكون من ثلاثة طوابق مصبوغ باللون الأبيض ومحاط بحديقة خضراء صغيرة، لكن داخل هذا المبنى، الذي يبدو من الخارج عادياً، أناس يحملون معهم قصصاً غير عادية.
في هذا المأوى الجديد، الذي تم افتتاحه قبل حوالي أسبوع، يعيش ستة وعشرون شخصاً هربوا من بلدانهم بدوافع الحرب والاضطهاد للبحث عن الأمان في ألمانيا. لدى دخول المأوى، صادفنا شاب في مقتبل العمر، طويل القامة أزرق العينين. وعند سؤاله عن جنسيته، أجاب بأنه سوري من درعا، وقصة وصوله إلى ألمانيا أغرب من الخيال.
(ع.أ) هو اختصار لاسم هذا الشاب السوري، الذي وجد نفسه عند بلوغه سن الثامنة عشر، بين مطرقة الانضمام إلى الجيش السوري وسندان الهروب بعيدا ً. ويضيف الشاب: "بعد الثورة، أصبح لزاماً على كل شخص، سواء كان يدرس أو يعمل، أن يلحتق بالجيش. رفضت ذلك لأنني لم أكن أرغب في قتل إخواني السوريين". لذلك، كان الفرار هو الحل الذي اختاره (ع.أ)، الذي يبلغ الآن التاسعة عشر من العمر.
مغامرة عبر خمس دول
مضى على تواجد ابن درعا في ألمانيا حوالي ثمانية أشهر. لكن قبل ذلك، كان عليه أن يتنقل بين مجموعة من الدول حتى وصل إلى ألمانيا. البداية كانت من سوريا، ومنها إلى الأردن عن طريق مهربين، ثم إلى الجزائر بالطائرة، باعتبار أن الجزائر لا تفرض تأشيرة دخول على السوريين. بعد ذلك انتقل (ع.أ) إلى ليبيا، التي كانت المحطة الأخيرة قبل العبور إلى أوروبا. ويتابع الشاب السوري بالقول: "في مدينة زوارة الليبية، التقينا بأناس كثيرين يريدون العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط. تعرفت على مهربين ودفعت لهم 1300 دولار لتأمين مركب ينقلنا من ليبيا إلى إيطاليا ... كنا 700 شخص على متن القارب، أغلبنا سوريون والبقية من دول إفريقية جنوب الصحراء".
استغرقت الرحلة 20 ساعة حتى وصل القارب إلى جزيرة صقلية، كما يروي (ع.أ)، وهناك احتجزتهم قوات خفر السواحل الإيطالية ونقلتهم إلى مركز استقبال اللاجئين. حول ذلك يتذكر (ع.أ): "رفضنا إعطاء بصماتنا في المركز وقررنا الهروب. وعندما علمت السلطات الإيطالية أننا لا نريد البقاء هناك تركتنا نواصل رحلتنا". من ميلانو، أخذ (ع.أ) القطار حتى وصل إلى ميونخ، مضيفاً: "في محطة قطار ميونخ أوقفتني الشرطة، فسلمت لهم جواز سفري السوري. وبعد استجواب قصير أخذوني إلى مركز للاجئين في ميونخ".
أقام (ع.أ) في أربعة مراكز لجوء، قبل أن يحط الرحال في زيغبورغ. وعن الفرق بين المأوى الجديد والمراكز الأخرى التي عاش فيها، يقول الشاب السوري من درعا: "هذا المأوى نظيف وهادئ مقارنة بغيره. الكثير من مراكز الإيواء التي مررت بها كان متسخاً والمراحيض فيها قذرة. أما هنا فكل شيء نظيف، ربما لأن المركز لا يزال جديداً".
ويتقاسم سكان الطابق الواحد في هذا المأى مطبخاً وحماماً مع بعضهم البعض. ولتجنب الازدحام، يحتوي المطبخ على ثلاثة أفران، بالإضافة إلى طاولة طعام وكراس.
عائلة من خمسة أفراد في غرفة واحدة
سوري آخر يسكن في الطابق الأعلى، هو الكردي شيخموس. أمام غرفته مجموعة من الأحذية مختلفة المقاسات، وهو ما يدل على أن الغرفة يسكنها أكثر من شخص. وبالفعل، ففي هذه الغرفة الصغيرة تعيش عائلة مكونة من خمسة أشخاص.
أول ما قالته روجين زوجة شيخموس، بعد سؤالها عن حالها: "انظر. أنا وزوجي وبناتي الثلاث نعيش هنا!" . وأضافت الزوجة الحامل في شهرها السادس: "ابنتي الكبيرة عمرها عشر سنوات، ولذلك نشعر بالحرج أن نعيش أنا وأبوها وأخواتها في غرفة واحدة".
تنحدر عائلة شيخموس من القامشلي، وهي مدينة تقطنها غالبية كردية في سوريا. ويقول رب الأسرة، الممتلىء ومتوسط الطول ويبدو في منتصف الأربعين من عمره: "لأننا أكراد، كنا مهددين بالقتل من تنظيم ’الدولة الإسلامية’ (داعش)، لذلك قررنا الهروب إلى أوروبا". بداية رحلة أبو موس مع عائلته إلى ألمانيا كانت من اسطنبول، إذ يوضح بالقول: "كلفتني الرحلة وعائلتي إجمالاً 24 ألف يورو، وُزعت على مجموعة من المهربين. كان كل واحد منهم يسلمنا إلى الآخر حتى وصلنا إلى ألمانيا".
وبعد إقامة قصيرة في مركز بيليفيد للاجئين غرب ألمانيا، تم نقل عائلة أبو موس إلى المأوى الجديد في زيغبورغ، حيث تعيش منذ حوالي أسبوع. حول ذلك يقول شيخموس: "الحمد لله، هنا لم نعد نشعر بالخوف مثل سوريا وأصبحنا نعيش في أمان. لكن ما يشغل بالي حالياً هو الانتقال إلى سكن أوسع وتسجيل بناتي في المدرسة".
"رفض الطبيب استقبالي لأنني لا أتحدث الألمانية"
الزيارة إلى المأوى تزامنت أيضاً مع زيارة النائبة البرلمانية إليزابيت فينكلماير-بيكر وعمدة مدينة زيغبورغ، الدكتور فرانس هون. وقد دعا إلى هذه الزيارة الفنان العراقي وسفير السلام في منظمة اليونيسكو مصطفى العمار، الذي يقود حملة في ألمانيا تحت شعار "نعم للسلام ومعاً من أجل مستقبل أفضل للاجئين في ألمانيا". وعن الهدف من هذه الزيارة، يقول مصطفى العمار لـDW عربية: "أريد من خلال هذه الزيارات الميدانية التي تشمل مدن ألمانية مختلفة أن أطلع السياسيين على الوضع الحقيقي للاجئين وعلى مطالبهم. فهذا أفضل في نظري من أن يناقشوا من بعيد مصير اللاجئين دون أن يكونوا قد اطلعوا عن كثب على مشاكلهم".
كما قام الوفد بزيارة مرافق المأوى، وأطلعتهم المسؤولة عن المركز على المرافق التي ما تزال قيد البناء، ومن بينها صالة للرياضة وقاعة لتعلم اللغة الألمانية.
بعد ذلك، انتقل الوفد البرلماني لتفقد عائلة شيخموس، التي كانت مجتمعة على وجبة الفطور، تتناولها على الأرض لغياب مائدة في الغرفة. وبعد السؤال عن أحوالها، اشتكت زوجة شيخموس من معاملتها خارج المأوى، إذ قالت: "أنا حامل ولا أتمكن لحد الآن من زيارة الطبيب. ذهبنا مؤخراً إلى طبيب فرفض استقبالنا بحجة أننا لا نتكلم الألمانية ولا بد لنا من مترجم يرافقنا"، مضيفة أن كلما سألت السيدة المسؤولة عن المأوى عن توفير مترجم، تطلب منها الانتظار.
كما طلبت روجين زوجة شيخموس من المسؤولين أن يوفروا لها سكناً مستقلاً لا تتقاسم فيه الحمام مع الجيران، وتابعت بالقول: "ابنتي عمرها عشر سنوات وتخاف أن تذهب إلى الحمام لكثرة الرجال الذين يتناوبون عليه ... أنا حامل وأحتاج باستمرار للذهاب إلى الحمام، وهذا الأمر يسبب لي الإحراج لأنني لا أريد أن أتقابل في كل مرة مع رجال غرباء هناك". أما زوجها فكان يشدد على ضرورة تسجيل بناته في المدرسة.
هشام الدريوش ــ زيغبورغ
"أحلم بإكمال دراستي في ألمانيا"
وبينما واصل الوفد زيارته لعائلات أخرى، أخرج سفير السلام السيد العمار ملفاً للاجئين عراقيين لم تسوى أوضاعهم بعد، وطالب النائبة البرلمانية بتوضيح سبب تأخير ذلك مقارنة مع طلبات اللجوء التي يقدمها السوريون، فأجابت: "الوضع في سوريا مختلف بسبب الحرب الدائرة هناك. لذلك يتم التسريع في البت في طلبات اللجوء". غير أن العمار أكد لها بأن الوضع في بعض مناطق العراق لا يختلف عما يجري في سوريا.
وبعد انتهاء الزيارة، سلمت النائبة فينكلماير-بيكر لعائلة شيخموس هدية عبارة عن كرة قدم ومضربين للتنس - هدية أفرحت الأطفال الصغار. أما الأب والأم، فبقيت فرحتهما معلقة بمدى استجابة المسؤولين لطلباتهما. وتضيف روجين لـDW عربية: "أتمنى أن تأتي هذه الزيارة بنتائج ونحصل قريباً على سكن لائق وتتمكن بناتي من زيارة المدرسة". أما (ع.أ)، فلخص كل أمنياته في جملة واحدة: "أحلم بإكمال دراستي في ألمانيا والحصول على شهادة جامعية".
وفي اتصال لاحق مع عائلة شيخموس، أكدت لنا الأم بأن لجنة زارتها في اليوم التالي لزيارة الوفد وقامت بتسجيل بناتها فعلاً في المدرسة.
هشام الدريوش ــ زيغبورغ