مؤشرات على تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق
٢٩ أبريل ٢٠١١وقعت الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية على اتفاقية أمنية عام 2008 تم بموجبها الاتفاق بين الطرفين على انسحاب القوات الأمريكية المتبقية في العراق والبالغ عددها 50 ألف جندي، حتى نهاية العام الحالي 2011. وقد أثارت الاتفاقية حينها نقاشاً وجدلاً حاداً في العراق وخاصة بين الكتل السياسية المختلفة، وبعد أخذ ورد في البرلمان حازت الاتفاقية على موافقة جميع الكتل، باستثناء الصدريين الذين لم يصوتوا لصالحها.
ومع اقتراب موعد الانسحاب واستحقاقات الاتفاقية، تظهر صعوبات يمكن أن تحول دون الالتزام بدقة الموعد المحدد. إذ أن الجيش العراقي لم يكتمل بناؤه بعد وليس قادرا على مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها البلاد، وبحاجة إلى المساعدة؛ حسب ما صرح به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤخراً، ما أثار حفيظة أطراف سياسية عدة سارعت إلى رفض أي تمديد لبقاء القوات الأمريكية في العراق بعد الموعد المتفق عليه لانسحابها.
ولكن إثارة المالكي لمسألة انسحاب القوات الأمريكية يثير التساؤل حول اختياره للتوقيت، إذ أنه يترافق مع احتجاجات واعتصامات في بعض مناطق العراق تأتي بعد اضطرابات سابقة طلب على إثرها المالكي إمهال حكومته 100 يوم لتحقيق مطالب المحتجين التي تركزت حينها على الفساد وتأمين الخدمات. وهو ما دفع البعض إلى القول إنه اختار هذا التوقيت للفت الأنظار عما تشهده البلاد، وتهرباً من وعد المائة يوم. لكن الكاتب والمحلل السياسي العراقي عبد الخالق حسين، ينفي ذلك ويقول في حديثه مع دويتشه فيله إن السبب في إثارة الموضوع في هذا الموعد "يعود إلى أن القوات الأمريكية تهيئ نفسها للرحيل حسب الاتفاقية الأمنية وفي الموعد المحدد للانسحاب."
أزمة ثقة بين المالكي وشركائه السياسيين
هذا وكان الرفض المباشر والفوري من كتل وأطراف سياسية لتصريحات المالكي التي فسروها على أنها تلميح وتمهيد لتمديد البقاء، يشير إلى تفاجئها بالموقف وأن المالكي لم يناقش الموضوع معها من قبل، ويرجع الإعلامي العراقي عبد الله الجبوري، رئيس تحرير موقع العراق برس، ذلك إلى وجود "أزمة ثقة بين السياسيين العراقيين والحكومة". ويشكك الجبوري في حديثه مع دويتشه فيله باختيار المالكي التوقيت وعدم طرح الموضوع قبل عام للنقاش " بشكل هادئ ومنطقي وبما يخدم العراق" الذي يمر بأزمة سياسية واقتصادية وعدم استقرار و"خلافات بين الشركاء السياسيين".
هذا ورغم تأكيد المالكي وجود نقص لدى قواته لحماية البلاد من اعتداءات خارجية ممكنة، إلا أنه لم يحدد الجهات التي يمكن أن تشكل مصدر خطر على العراق، بل سارع إلى الطمأنة بعدم وجود خطر يهدد البلاد من الدول المجاورة بعد انسحاب القوات الأمريكية. وهذا ما يراه المحلل السياسي الألماني ميشائيل لودرز، إذ قال في حديثه مع دويتشه فيله بأنه لا يرى تهديدات خارجية مباشرة للعراق وأضاف بأن "المشكلة الحقيقية هي ضعف الحكومة المركزية وضعف ثقة المواطنين بها".
ولكن حسين يختلف مع لودرز بشأن تهديد جيران العراق له، إذ جاء في حواره مع دويتشه فيله أن ايران تشكل تهديداً للعراق، إذ أنها احتلت قبل عامين آباراً نفطية عراقية بالقرب من حدودها في حقل الفكة و"الكويت تضايق الموانيء العراقية" وسوريا تريد قطع المياه عن العراق من خلال بناء سدود على الأنهار التي تمر بأراضيها، ويضيف بأن الدولة إذا لم يكن لديها " جيش قوي فإنها لا تحترم من جيرانها، لذا لا بد من أن يكون للعراق جيش قوي".
وإزاء ذلك يطرح تساؤل عما يضر بالعراق إذا بقت القوات الأمريكية فترة أطول، عاماً إضافياً على سبيل المثال، حتى يكتمل بناء الجيش الوطني ويكتسب الخبرة ويشتد عوده فيصبح قادراً على القيام بحماية البلاد والدفاع عن سيادتها، بدل المغامرة بالإصرارً على رحيل القوات الأمريكية بنهاية العام الجاري، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عواقب. ولكن الجبوري يبرر في حواره مع دويتشه فيله التمسك برحيل القوات الأمريكية في الموعد المحدد بعدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها الدولية والقانونية "كقوة احتلال"، ومن الناحية الداخلية أعطى الوجود الأمريكي "شبه شرعية للفساد في العراق".
ولكنه يحذر في الوقت نفسه من أن خروج الأمريكان سيخلف "التفكك الداخلي وسيكون هناك اقتتال بين الأحزاب والجماعات وسيعود الإرهاب".
وبدوره يحذر لودرز أيضاً من رحيل القوات الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تبقى القوات الأمريكية "لسنوات طويلة لا نهاية لها، وعلى العراقيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم".
الفساد وعرقلة بناء الجيش
ولكن الجيش العراقي يواجه أيضاً مشكلة الفساد المستشري في الإدارات والوزارات العراقية، بما فيها وزارة الدفاع المسؤولة عن بناء الجيش وتأهيله وتسليحه، مما يعرقل عملية البناء ويحول دون إتمامها قريباً بما يمكن الجيش من مواجهة التحديات التي يمكن أن تواجه البلاد مستقبلاً، وقد أكد حسين على هذا الرأي في حواره مع دويتشه فيله، ولهذا يرى بأنه من الأفضل للعراق أن تبقى القوات الأمريكية خاصة وأن وجودها لا يمس بالسيادة الوطنية، وأشار إلى أن هناك قوات أمريكية في ألمانيا واليابان وغيرها من دول الناتو دون أن يشكل ذلك مساساً أو انتقاصاً لسيادة تلك الدول.
أما الجبوري فقد أشار إلى أن الشعب لا يريد بقاء القوات الأمريكية، ولكنه يعرف في الوقت نفسه بأن "الجندي الأمريكي في بعض الأحيان يشكل صمام أمان يحول دون حدوث فتنة أو خلل في الداخل" وبهذا فهو كالمستجير بالرمضاء من النار. هذا وفي حال اتخاذ الحكومة العراقية قراراً بتمديد بقاء القوات الأمريكية إلى ما بعد نهاية العام الجاري، فلا بد لها من عرض الأمر على البرلمان والحصول على موافقته، ومن ثم مناقشة الأمر مع الإدارة الأمريكية. إذ لا بد من موافقة الطرفين على أي تعديل للاتفاقية الأمنية حسب ما تنص عليه.
ولكن واشنطن ستوافق على تمديد بقاء قواتها " بشروط محددة، ولفترة محددة وليس لمدة مفتوحة"، ولو كان الخيار لأمريكا فإنها تفضل "الانسحاب من العراق بسبب الظروف الجديدة في المنطقة، حيث هناك حرب في ليبيا وفي أفغانستان بالإضافة إلى الانتخابات الأمريكية" حسب رأي لودرز.
ويتفق الخبراء الذين حاورتهم دويتشه فيله، على أن الدلائل تشير إلى توجه الحكومة العراقية إلى طلب تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق إلى ما بعد موعد الانسحاب المحدد بنهاية العام الحالي، وواشنطن بدورها ستوافق على ذلك.
عارف جابو
مراجعة: منى صالح