ماذا بيد سوريا المنهكة والعرب المنقسمين في قضية الجولان؟
٢٣ مارس ٢٠١٩خطوة جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخلق جدلا كما جرت عليه العادة مع معظم قراراته. فبعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، أعلن ترامب من منصته المفضلة تويتر أنه حان الوقت للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان التي يحتلها الإسرائيليون منذ عام 1967.
وكما دأب الرئيس الأمريكي على تنفيذ كل ما يتعهد به في تغريداته أو أمام الإعلام كالانسحاب من الاتفاق النووي الإسرائيلي أو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو الانسحاب من اتفاقية المناخ، بدأ فعليا بتطبيق محتوى تغريدته الأخيرة، فقد صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أنه يجري حاليا الإعداد لوثيقة رسمية لاعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان ومن المرجح أن يوقعها الأسبوع المقبل.
فماذا وراء هذه السياسية التي يتبعها ترامب في ملفات الشرق الأوسط الحساسة وإلى أين يمكن أن تصل؟ وما هي الأوراق الموجودة بيد الدول العربية وسوريا المنهكة من حربها لمواجهة توجه ترامب في قضية الجولان؟
ما هي دوافع ترامب؟
موضوع السيادة الإسرائيلية على مناطق تحتلها إسرائيل منذ 1967 كقطاع غزة والضفة الغربية والجولان عاد إلى السطح مؤخرا مع صدور التقرير الأمريكي السنوي لحقوق الإنسان قبل حوالي أسبوع والذي أسقط صفة الاحتلال على مرتفعات الجولان وغزة والضفة الغربية خلافا لما ينص عليه القانون الدولي. وبعد توالي ردود الأفعال الرافضة لهذا التغيير رد وقتها مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية بأن "السياسة الأمريكية بشأن وضع هذه الأراضي لم تتغير، وبأن التقرير ركز على قضايا حقوقية وليس على المصطلحات القانونية"، لكن الواقع، كما تبين الآن، هو أن ذلك يندرج ضمن التمهيد للاعتراف بالجولان رسميا جزءا من إسرائيل وهكذا جاءت تغريدة ترامب بعد أسبوع من التقرير المذكور و بعد يوم واحد من دعوة جديدة من قبل نتنياهو للاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان.
وحسب المحلل السياسي كمال طربيه فإن ترامب سيمضي في قراره حتى تحقيقه، أما عن أبرز دوافعه في اتخاذ نهج خاص في الشرق الأوسط يُعتبر تحولا جذريا في السياسة الأمريكية، فيقول المحلل السياسي لـ DW عربية إن ترامب "معروف بانحيازه التام للإسرائيليين وخاصة الجناح اليميني بقيادة نتنياهو، كما أنه ينفذ تعليمات جماعات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا إضافة إلى اللوبي المسيحي اليهودي الذي يعتبر إسرائيل فضيلة من فضائل المسيحية وينبغي الحفاظ عليها". هذا على الصعيد الأيديولوجي أما على الصعيد السياسي فإن أبرز دوافع ترامب بحسب الخبير، تتجلي فيما يلي: القرار يأتي في إطار المعركة الشاملة التي تخوضها الإدارة الأمريكية ضد إيران تحديدا وبشكل عام ضد ما يسمى "محور المقاومة بما في ذلك حزب الله والنظام السوري"، وبالتالي فإن ترامب يفعل كل ما من شأنه أن يزعج هذا المحور وما يجعل الولايات المتحدة تبدو معه أنها تحاربه اعتقادا منه أنه يقوم من خلال ذلك بعزل الأسد وداعميه خاصة إيران وحزب الله ومن خلالهم روسيا كذلك. ويضيف طربيه أن خطوة ترامب تدخل أيضا في إطار التمهيد لما يسمى بصفقة القرن التي كان يفترض أن يتم الإعلان عن تفاصيلها في الربيع لكن الأمر تأجل على ما يبدو إلى نهاية الصيف.
دعم متواصل لنتنياهو
وبما أن الضفة الغربية وقطاع غزة أُسقطت عنهما كذلك صفة الاحتلال الإسرائيلي على غرار الجولان في التقرير الأمريكي المذكور، يطرح السؤال التالي نفسه: هل من الوارد أن يذهب ترامب أبعد مما ذهب حتى الآن، ويعلن السيادة الإسرائيلية أيضا على الضفة والقطاع المحتلين؟ طربيه لا يستبعد ذلك. ويقول إن "كل شيء وارد مع ترامب فهو يتعامل بمنطق آخر: الربح والخسارة وكأن بلاده شركة حتى أن الحديث في الولايات المتحدة بات عن قرارات الإدارة الأمريكية وليس الحكومة الأمريكية".
وكان ترامب قد قال في تغريدة على تويتر أمس الخميس (21 مارس / آذار): "بعد 52 عاما، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل وللاستقرار الإقليمي!". نتنياهو الذي يحاول الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من ولاية ترامب لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، رحب كثيرا بخطوة ترامب وشكره عليها معتبرا أنه "يصنع تاريخا".
ويعتبر مراقبون أن خطوة ترامب، المتزامنة مع جولة يجريها وزير خارجيته بومبيو في الشرق الأوسط، تدخل ضمن مساعي الإدارة الأمريكية لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي على تحقيق إنجازات تحسب له خلال حملته للانتخابات التشريعية التي ستشهدها إسرائيل في التاسع من أبريل/ نيسان المقبل.
ويرى طربيه أن خطوة ترامب ستشكل بالفعل مكسبا لنتنياهو خاصة أن الذين أوصلوه إلى الحكم في كل مرة هم الفئات اليمينية والمحافظون. ويضيف "المجتمع الإسرائيلي يهيمن عليه هاجس الخوف والشعور بالخطر خاصة مع ما يروج حول إيران كتهديد لأمن إسرائيل، بالتالي فكل دعم أمريكي لما يسمى أمن إسرائيل سيكون مصدر ترحيب من الفئات الدينية المتشددة في إسرائيل". يضاف إلى ذلك، كما يقول الخبير، "ضعف المعارضة في إسرائيل".
كيف يمكن أن يرد العرب وسوريا؟
وبينما رفض الاتحاد الأوروبي دعوة ترامب متمسكا بموقفه من الجولان، اعتبرت طهران، الخطوة غير مقبولة وغير مشروعة، وقالت موسكو إن مثل هذه الدعوات تهدد بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وتضر جهود التوصل إلى تسوية سلمية في المنطقة. كما نددت أنقرة كذلك بالخطوة الأمريكية.
أما جامعة الدول العربية فرفضت تصريحات ترامب على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط وكذلك فعل الأزهر ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. ويرى طبريه أن المواقف العربية حتى الآن "ضعيفة". ويضيف "في حالة كهذه كان من المنتظر على أقل تقدير أن تتم الدعوة إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية لبحث الموضوع أو استدعاء سفراء واشنطن في هذه الدول. وعلى مستوى أعلى التهديد بأوراق أخرى كالنفط والغاز لكن ذلك لم ولن يحدث".
وعن أسباب هذه الردود المحتشمة رغم أن الدور قد يأتي مستقبلا على غزة والضفة الغربية، يقول المحلل السياسي "للأسف عدد من الدول العربية خاصة الخليجية باتت تعتبر إسرائيل خطرا من الدرجة الثانية بعد إيران وباتت تبحث عن حماية أمريكية، وحتى إسرائيلية في السر، من العدو الأكبر إيران". لهذا يُحمل الخبير إيران أيضا جزءا من المسؤولية فيما يحدث، ويشرح ذلك قائلا: "إيران بتحركاتها في عدد من الدول العربية وتزايد نفوذها فيها تعطي لترامب ورقة لابتزاز الدول العربية والخليجية وإسرائيل تستغل هذه الورقة لتمرير قرارات لصالحها".
أما دمشق، المعنية الأولى بخطوة ترامب، فقد أدانت تصريحاته واعتبرت بأنها "غير مسؤولة وتؤكد انحياز الولايات المتحدة الأعلى لإسرائيل" ومؤكدة على أنها ستسترجع مرتفعات الجولان. ويرى طربيه أن سوريا ليس بوسعها أن تفعل أكثر من ذلك. ويشرح ذلك قائلا: "الدور السوري لا يمكن أن يكون إلا من خلال الدور العربي، والأخير غائب حاليا بسبب الانقسام. الحرب السورية خلفت شرخا كبيرا لن يلتئم قريبا، وهناك فراغ سياسي عربي في المنطقة ملأته الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا، ومع هذا الواقع فإن الدول العربية لن تفعل شيئا وستكتفي بالبيانات والمواقف الرافضة".
سهام أشطو