ماذا تحقق من الوعود الوردية لشرق ألمانيا؟
٦ نوفمبر ٢٠١٤"فظيع منظر هذه البنايات التي تشبه الصناديق وتشوه هذه المنطقة". هذا التعليق، الذي يحمل في طياته لمحة من خيبة الأمل، صادر عن مجموعة سياحية قدمت خصيصاً من غرب ألمانيا للتعرف على الجزء الشرقي من البلاد، بعد مرور 25 عاماً على سقوط جدار برلين. هذه المجموعة اختارت زيارة المناطق الريفية والمدن الصغرى في شرق ألمانيا.
كانت جميع محطات القطار التي مرت منها المجموعة السياحية في حالة بائسة، فكل محطة أسوأ من الأخرى. وهي المحطات نفسها التي كانت في فترة سابقة بنايات عصرية تضم قاعة للوصول وقاعة للاستراحة ومكتب خاص بمراقبي التذاكر، بالإضافة إلى شقق فسيحة كانت تحت تصرف موظفي قطاع السكك الحديدية. حالة محطات القطار المتردية دفعت أحد السياح إلى التعليق قائلا: "جئنا لنرى أين تذهب أموال الضريبة التضامنية (المخصصة لشرق ألمانيا) التي تُقتطع من أجورنا كل شهر". لتجيبه مرافقته متهكمة "بالتأكيد لم تصل هذه الأموال إلى هنا".
ويقدر الخبراء حجم المساعدات المالية التي صرفت خلال الـ25 سنة الماضية في إعادة بناء وتأهيل "ألمانيا الشرقية" السابقة بحوالي ألفي مليار يورو. أموال هائلة صُرفت في بناء الطرق وتنفيذ المشاريع الضخمة التي استفادت منها مدن برلين ولايبزيغ ودريسدن وبراندبورغ وربما أيضاً مدينتا يينا وإيرفورت. لكن يبدو أن المناطق الريفية في الشرق دخلت طي النسيان ولم تحصل على نصيبها في إعادة التأهيل.
الهجرة إلى غرب البلاد
تكمن مشكلة ولايات "ألمانيا الشرقية" السابقة في هجرة شبابها إلى الولايات الغربية للبلاد، حيث بإمكانهم الحصول على فرص عمل. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي مليوني شخص هاجروا من شرق ألمانيا منذ عام 1990. ويتوقع معهد الاقتصاد الألماني أن تفقد الولايات الشرقية ثلث سكانها مع حلول عام 2030.
ويقول الباحث الاقتصادي أكسل ليندنر، من معهد الأبحاث الاقتصادية في مدينة هاله، إن شرق ألمانيا يتأثر بشكل أكبر بضعف النمو الاقتصادي في العالم مقارنة بولايات غرب ألمانيا. ويرجع ذلك إلى سيادة صناعة في الشرق تعتمد بالأساس على إنتاج وتصدير مواد تستخدم في صناعات أخرى. وإذا ما تراجع الإنتاج بسبب قلة الطلب، كما هو الحال في الوقت الراهن، حيث تعاني الدول المستوردة من بعض الصعوبات، فإن ذلك يؤثر بشكل عام ومباشر على الولايات الشرقية الألمانية. ويرى الباحث الاقتصادي ليندنر أن سبب ذلك يرجع إلى سياسة دعم الاقتصاد المتبعة في شرق ألمانيا.
غياب صناعة قوية
ويقول ليندنر إن "القاعدة الصناعية في شرق ألمانيا انهارت بعد الوحدة"، حيث لم تكن الصناعات في الشرق قادرة على المنافسة. كما يرى ليندنر أن ارتفاع الأجور بشكل كبير في سنوات التسعينات كان خطأً فادحا ساهم في تكريس هذا الوضع في المناطق الريفية لشرق ألمانيا. لكن، ورغم كل ذلك فإن الوضع الصناعي في شرق ألمانيا ليس بالسيئ إذا ما قورن بدول أوروبية أخرى. فمستوى التصنيع في شرق ألمانيا أعلى بكثير مما هو موجود في فرنسا أو إنكلترا.
وعلاوة على ذلك، توجد بعض المناطق في غرب ألمانيا التي تعاني هي الأخرى من ضعف النمو الاقتصادي. وهذا ما دفع الباحث الاقتصادي أكسل ليندنر إلى "اعتبار مشكل ضعف النمو الاقتصادي مشكلا يعاني منه الريف الألماني بشكل عام وليس في شرق ألمانيا فقط". ويقول ليندنر إن "هناك مناطق في غرب ألمانيا مثل منطقة الرور التي تتميز بضعف نموها الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة فيها".
انهيار أسعار العقارات
وللوضع الاقتصادي تأثير جانبي على سوق العقار. ففيما ترتفع أسعار العقار بشكل كبير في التجمعات الحضرية، تنخفض في المناطق الريفية لشرق ألمانيا. وقد بيعت بعض القطع الأرضية والمنازل في مزادات الخريف بمائة يورو فقط للمتر المربع الواحد.
ورغم السعر الزهيد الذي يحصلون عليه مقابل بيع بناياتهم، إلا أن مالكي العقارات لا يشعرون بخيبة الأمل بسبب ذلك، حسبما يؤكد رالف كارهاوزن الذي يشرف على أحد دور المزاد العلني. ويقول كارهاوزن "كثير من أصحاب العقار فقدوا الأمل في الحصول على مبالغ معقولة مقابل بيع عقاراتهم، كما أن بعضهم لا يريد القيام بالترميمات اللازمة". ويتابع كارهاوزن: "كثير من البنايات لا تزال تتوفر على المعايير التي كانت معتمدة في ألمانيا الشرقية السابقة".
وفي نفس الإطار، قامت شركة "دويتشه بان"للسكك الحديدية ببيع الكثير من محطات القطارات في شرق ألمانيا مقابل مبالغ زهيدة. فالشركة لا تحتاج في هذه المحطات سوى لقاعة صغيرة إلى جانب استخدامها لخط السكك الحديدية. لذلك تكتري الشركة الألمانية العملاقة هذه المحطات من مالكيها الجدد مقابل سعر محدد سلفاً. وبذلك تتفادى القيام بأعمال الترميم والصيانة التي تصبح من واجبات المالك الجديد.