ما هي مصالح الدول الوسيطة في مفاوضات جنوب السودان؟
٩ يناير ٢٠١٤يعتبر جنوب السودان، الدولة الأحدث في العالم، بعد انفصالها عن الخرطوم في يوليو/ تموز 2011، بعد سنوات من الكفاح المسلح مع الجزء الشمالي. ولكن هذا البلد سرعان ما تحول مجددا إلى مسرح للنزاع السياسي بصبغة إثنية، بين أتباع الرئيس الحالي سلفا كير والرئيس السابق رياك مشار، خلف مئات الضحايا وآلاف النازحين. وتسعى دول عدة، سواء من الجوار أو من قوى دولية أخرى، التدخل لحث الأطراف على وقف النار وإيجاد حل للأزمة.
السودان: يريد الاستقرار من أجل النفط والحدود
رغم أن رئيس جمهورية السودان عمر البشير خاض معارك دامية مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، ورغم أن الصراع على الحدود لا يزال متواصلا بين الشمال والجنوب، إلا أن عمر البشير، المدان من طرف محكمة العدل الدولية بجرائم الحرب، لا يتحمل المسؤوليةَ عن الأزمة الدائرة حاليا في جنوب السودان، كما ترى آنيته فيبر من مؤسسة السياسة الدولية والأمن في برلين. ورغم التاريخ الدموي بين جنوب وشمال السودان إلا أن البشير تجمعه بطرفي الصراع في الجنوب علاقة جيدة. وقد شارك الرئيس السوداني في مفاوضات السلام في أديس أبابا. وهو "يحتاج إلى استقرار في البلد الجار من أجل إعادة إنتاج النفط إلى سابق عهده، ولحل المشاكل الحدودية المفتوحة"، كما تؤكد الباحثة فيبر.
أوغندا: انحياز للحكومة الحالية
خلافا للسودان وغالبية البلدان المجاورة لجنوب السودان، فإن الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وجيشه يدعمان بشكل واضح الحكومة الحالية بقيادة سلفا كير. ويقوم الجيش الأوغندي بمراقبة مطار جوبا الدولي. كما أكدت بعض المصادر وجود عملية نقل للأسلحة الثقيلة في جنوب السودان يقوم بها الجيش الأوغندي.
الصين: اهتمام بنفط الجنوب
يرى البروفسور في جامعة بودابست دانييل لارغه، الخبير في الشؤون السودانية والباحث في العلاقات الإفريقية الصينية، أن الصين تتدخل الآن وبقوة في الشؤون الداخلية لجنوب السودان، رغم أن سياستها الخارجية تقوم على مبدأ عدم التدخل في السياسات الخارجية للدول. ويعود السبب في ذلك إلى اهتمام بكين جزئيا بالبترول في الدولة الإفريقية الحديثة، علما أن أهمية نفط جنوب السودان للصين بدأت تتراجع، حسب الباحث لارغه. فحتى قبل استقلال جنوب السودان نسج الحزب الشيوعي الصيني علاقات جيدة بالحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، كما تربط الصينيين علاقات شخصية جيدة مع نائب الرئيس السابق مشار، وكذلك مع باغان أموم، الأمين العام السابق لحركة تحرير جنوب السودان، الذي يُحسب على المتمردين ويوجد حاليا رهن الاعتقال.
إثيوبيا: حياد تجاه أطراف الصراع
تحتضن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مفاوضات مباشرة بين ممثلي أطراف النزاع في جنوب السودان باعتبارها الرئيسة الحالية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية لدول شرق إفريقيا "إيغاد". احتضان أديس أبابا للمفاوضات يعتبر مؤشرا إيجابيا، كما يرى كاسي كوبلاند من مؤسسة "مجموعة البحث في الأزمات الدولية". وخلافا لأوغندا فإن أديس أبابا تلتزم الحياد في الصراع الحالي وتتمتع بثقة الأطراف المتنازعة. وحتى العلاقات الاقتصادية فهي عميقة بحكم هجرة آلاف الإثيوبيين للعمل في جنوب السودان في السنوات الماضية. ووجد العديد منهم أنفسهم وسط الصراع العرقي الدامي الذي تشهده جنوب السودان منذ الأسابيع الماضية.
الولايات المتحدة: حث الحكومة على الانفتاح على المتمردين
دعت واشنطن أطراف النزاع إلى إيجاد حل للصراع الدائر دون أن تتدخل بشكل مباشر. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول العظمى الداعمة لاستقلال جنوب السودان.
ويرى كاسي كوبلاند من مؤسسة "مجموعة البحث في الأزمات الدولية" أن واشنطن اختارت في الوقت الحالي ترك المجال للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية لدول شرق إفريقيا للتوصل إلى حل دبلوماسي. فالولايات المتحدة الأمريكية، حالها حال باقي الدول الغربية، لا تضع شرعية الرئيس الحالي سلفا كير محط تساؤل، لكن واشنطن تحثه في الكواليس على الاستجابة لبعض مطالب المتمردين وفتح الإمكانية أمام حل للصراع. ويتوقع كوبلاند أن لا يتم فرض أي عقوبات اقتصادية على جوبا حاليا، لأن ذلك "سينعكس سلبا على المدنيين".
النرويج: اتهام بانحيازها لكير
النرويج، البلد الاسكندينافي الصغير غير الناشط كثيرا في السياسة الدولية، تعتبر أحد أهم الدول الداعمة ماليا لدولة جنوب السودان منذ تأسيسها. وزيرة التنمية النرويجية السابقة هيلده جونسون كانت تتولى مهمة الوساطة المركزية في التوصل لـ"اتفاق السلام الشامل" بخصوص الحرب الأهلية بين السودان والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، التي انتهت في 2005. منذ ذلك الوقت، صارت النرويج داعمة أساسية لعملية بناء الدولة الحديثة هناك، وتعتبر بمثابة مستشار مقرب من الحكومة في جوبا.
ورغم أن الوزيرة النرويجية السابقة تترأس حاليا بعثة الأمم المتحدة إلى السودان، غير أن "بلدها لا يحظى بثقة الأطراف جميع المتنازعة"، كما يقول الخبير دانييل لارغه. ويوجه الاتهام إلى هيلده جونسون "بانحيازها إلى الرئيس كير بدل العمل على حل الأزمة السياسية في البلاد".