مبادرة أوروبية للحوار حول دور الإعلام في النزاعات
٢٩ ديسمبر ٢٠١٣اقترح النائب الاشتراكي الفرنسي في البرلمان الأوروبي، جيلز بارنيو، عقد لقاء إعلامي في البرلمان الأوروبي في بروكسل، خلال السنة الجديدة (2014)، يشارك فيه إعلاميون من العالمين الغربي والإسلامي بهدف الحوار حول نبذ الصورة النمطية المتبادلة في وسائل الإعلام بين الجانبين.
النائب الأوروبي عرض اقتراحه أمام ملتقى للخبراء في مجال الإعلام احتضنته أخيرا مدينة ليل الفرنسية بتنظيم مشترك بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) ومعهد ابن سينا للعلوم الإنسانية في ليل. ولقي الاقتراح ترحيبا من المشاركين في الملتقى الذي أوصى بتنظيم اللقاء والعمل على إنجاحه. وأوضح النائب الفرنسي لـDW أن اللقاء الإعلامي الذي اقترحه، سيكون فرصة للحوار بين خبراء وإعلاميين وصناع قرار من دول أوروبية وإسلامية، بهدف تجاوز الأحكام المسبقة والصور النمطية المتبادلة والمنتشرة على نطاق واسع في وسائل الإعلام.
أرضية للحوار
يقترح خبراء أن ينطلق الملتقى المزمع عقده برعاية البرلمان الأوروبي، بمناقشة وثيقة اعتمدت في اجتماع مدينة ليل بعد سلسلة مناقشات ومشاورات نظمت برعاية ايسيسكو ومؤسسات أكاديمية وإعلامية أوروبية في مدن أوروبية وعربية، وهي بمثابة منهاج لتكوين الصحافيين من العالمين الغربي والإسلامي، وأعد الوثيقة فريق من الخبراء على رأسه الأكاديمي المغربي عبد الوهاب الرامي.
ويهدف المنهاج إلى مساعدة الصحافيين في معالجة القضايا الإعلامية الشائكة المتصلة بقضايا العلاقات بين الأديان والثقافات والاثنيات، وغالبا ما تتسبب في اشتباكات ونزاعات، على غرار الرسوم المسيئة للنبي محمد وفيلم "براءة المسلمين" الذي أنتج في أميركا وأثار ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي، كما تسبب في مقتل السفير الأميركي في ليبيا.
ويعتقد الخبير محجوب بنسعيد مدير الاتصال في ايسيسكو أن تجاوز الأحكام السلبية والصور النمطية المتبادلة، يتطلب حوارا معمقا حول"المفاهيم والخلفيات الثقافية والأرضية الاجتماعية المختلفة التي يعمل في إطارها الإعلاميون" وينتج عنها معالجة متباينة للقضايا المطروحة. فما يعتبره إعلاميون في العالم الإسلامي "مسا بالمقدسات" يتعامل معه إعلاميون آخرون في دول أوروبية باعتبارها قضايا تتعلق بـ"حرية التعبير والفن".
ودعا بنسعيد الإعلاميين في الدول الغربية لمراعاة ظروف الانتقال التي تعيشها بلدان الجنوب، حيث ما تزال بصدد بناء وتطوير قواعدها القانونية والمؤسساتية التي تنظم ممارسة حرية التعبير، بما يلائم المواثيق العالمية لحرية الإعلام.
وبرأي الخبير الفرنسي، ايف رونار، مدير تنمية التعاون الدولي في معهد الصحافة بليل (شمال فرنسا)، فان أنجع السبل لإقامة جسور تعاون بين الإعلاميين في العالمين الغربي والإسلامي، تكمن في التركيز على"الجانب العلمي والواقع اليومي لحياة الناس التي يعالجها الإعلاميون".
وأوضح رونار أن أداء الإعلامي هو إلى حد كبير انعكاس لمجتمعه أو فئات من المجتمع. إذ لا يمكن للصحافي أو وسيلة الإعلام أن يكون ضد جمهوره. لكن يتعين الاجتهاد من أجل البحث عن المشترك مع الثقافات الأخرى من خلال بلورة نماذج عملية وواقعية تشجع الحوار والتفاهم.
قضايا خلافية
ورغم إقرار الجانبين من إعلاميي العالمين الغربي والإسلامي بوجود مبالغات وأحكام مسبقة وتصورات سلبية عن الآخر، فأن الخلاف قائم في النظرة لدى الجانبين، وحتى في داخل المؤسسات الإعلامية نفسها، حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه حرية التعبير وتناول القضايا الحساسة في الأديان والثقافات الأخرى.
وبرأي الخبير المغربي في القانون الدولي، علي كريمي، فان المؤسسات الدولية بدءا من الأمم المتحدة ووصولا إلى المنظمات الإقليمية في أوروبا والعالم الإسلامي، باتت متفقة حول قواعد ومواثيق ترفض الإساءة للأديان والأنبياء، وتذهب بعض تلك القواعد القانونية إلى حد فرض عقوبات على من ينتهك المقدسات الدينية.
بيد ان هذه المسألة تثير الخلاف، لدى الأوساط الإعلامية، فبالنسبة لدومينيك برادالييه أمينة النقابة الوطنية للصحافة الفرنسية( سي ان جي)، فأن معالجة الإشكالات المتعلقة بسوء التفاهم أو النزاعات الثقافية في الإعلام، لا يمكن أن يتم عبر اجراءات قانونية عقابية، بل من خلال هيئات الصحافيين أنفسهم.
وهي ترى أن الاحتكام للمواثيق المهنية والقواعد التي تنظم عمل الصحافيين، كفيل بمعالجة المشاكل الناجمة عن الإساءات للأديان أو الثقافات الأخرى. وبرأيها فأن "وضع قيود قانونية جزائية من شأنها التضييق على حرية الصحافة والتعبير". ودعت الإعلامية الفرنسية إلى وضع قوانين تحمي مصادر الصحافيين وتجنبهم الضغوط التي يتعرضون لها أثناء أداء عملهم.
ويعتقد خبراء شاركوا في ملتقى مدينة ليل أنه بالإضافة إلى وثيقة منهاج تكوين الإعلاميين، سيكون لإحداث مركز أوروبي لتكوين الصحافيين من العالمين الإسلامي والغربي على مبادئ التسامح ونبذ الصور النمطية المتبادلة في وسائل الإعلام المختلفة، الذي أقره الملتقى، دور ايجابي في تفعيل الحوار وتقليص الفجوة بشأن القضايا الخلافية.