Bundestagsgebüde: Zeuge auf die Gesichte der Deutschen
٢٩ أبريل ٢٠٠٨يفخر الألمان بديمقراطيتهم البرلمانية المبنية على الشفافية والانفتاح. وهذه الشفافية لا تجعل من مبنى البرلمان حكراً على الساسة فحسب، بل أن أبوابه مشرعة أمام المواطنين الألمان والسياح الذين يتوافدون على زيارة العاصمة برلين على اختلاف قومياتهم وأصولهم. ووفق إحصائيات البرلمان المنشورة في صفحته على شبكة الانترنت، فقد زار المبنى خلال العام الماضي قرابة ثلاثة ملايين زائر. وتشير تلك البيانات كذلك إلى أن عدد زوار المبنى يبلغ ثلاثة الآلاف زائر يومياً.
وبهذا ينتمي البرلمان الألماني إلى مجموعة قليلة من برلمانات العالم التي تفتح أبوابها أمام مواطنيها وغيرهم للتجوال في أروقتها، تعزيزاً لمبدأ الشفافية المطلوبة. ولا يحتاج الأمر إلى موافقة مسبقة للدخول إلى القبة الزجاجية، أما التجوال في أروقة المبنى فيتم بالحجز في قسم الزائرين. ويمكن للأشخاص الذين يحصلون على هذه الموافقة التجوال في الأجزاء الجديدة والأخرى القديمة من المبنى، حيث تكتسي بعض الجدران ببقايا كتابات الجنود السوفيت التي تعود إلى عام 1954.
شاهد على التقلبات السياسية
يعود تاريخ المبنى إلى عام 1884، حين بدأ المعماري الألماني باول فالوت بالإشراف على تشييد المبنى، الذي انتهى العمل فيه عام 1894، وبعد أن اتسعت المدينة الضخمة بات المبنى اليوم يقع في قلبها. وقد تم تشييده على طراز البناء المعروف بعصر النهضة الجديد (Neorenaissance)، حيث تتداخل فيه العناصر الفنية لعصري النهضة والباروك. وحتى عام 1918 كان المبنى مقراً للرايخستاغ في زمن الإمبراطورية الألمانية، التي قامت عام 1871 بعد انتصار الألمان على الفرنسيين في الحرب السبعينية 1870-1871. وعلى الرغم من أنها كانت مكونة من اتحاد مجموعة من الإمارات الألمانية تحت قيادة عائلة هوهنتسوليرن البروسية، كانت هذه الإمبراطورية أول دولة قومية في ألمانيا. وبعد ذلك بأعوام أصبح المبنى مقراً لبرلمان جمهورية فايمار.
حرق المبنى ونكسة الديمقراطية
بعد أربعة أسابيع من تسمية هتلر مستشاراً للرايخ الألماني التهمت النيران قبة المبنى في ليلة الثامن والعشرين شباط/ فبراير 1933. وانتشرت النيران لتلتهم قاعة الاجتماعات الرئيسية وبعض الغرف الأخرى. وعلى الرغم من أن الكثير من المؤرخين يذهبون إلى أن الحريق كان متعمداً، إلا أنه لم يتم تحديد المتورطين حتى اليوم. وكانت هذه الحادثة إشارة بارزة في تاريخ ألمانيا على انتكاسة الديمقراطية ومصادرتها والبدء بسنوات طويلة مظلمة ومثقلة بالقتل وبالمطاردة وبالعنف.
ففي الليلة نفسها قام النازيون بالتنكيل بخصومهم السياسيين، وأجبروا في اليوم التالي رئيس البرلمان باول فون هيندينبورغ على توقيع ما يسمى بـ"مرسوم حرق الرايخستاغ"، متذرعين بحماية الشعب والدولة. والفقرة الأولى من هذا المرسوم ألغت الحقوق الأساسية، أما الفقرة الخامسة فقد مكنت النازيين من إنزال عقوبة الإعدام بكل من يُدان بتهمة "الخيانة العظمى". وكان الحزب الشيوعي من أول ضحايا هذا القانون، فبعد ثلاثة أشهر فقط تمت محاكمة مارينوس فان دير لوبه وأعضاء بارزين آخرين في الحزب بتهمة حرق البرلمان والتخطيط للقيام بانقلاب. وبعد محاكمة شكلية سريعة أُعدم فان دير لوبه في مطلع عام 1934.
وبعد حرق المبنى بدأ البرلمان، الذي اقتصر منذ تموز/ يوليو على النازيين، في عقد جلساته في دار أوبرا كرول القريب من بوابة براندنبورغ في قلب العاصمة برلين. ولكنه كان أثناء ترميم قبته، قاعة لمعارض تتوافق مع الفكر النازي كمعرض "اليهودي الأبدي" و"البلشفية من دون قناع".
مقر الديمقراطية صالة للولادة
خلال الحرب العالمية الثانية وغياب الديمقراطية في ظل الحكم النازي تم تغييب المبنى تماماً فأُغلقت نوافذه بالطابوق. بل أن الأمر تجاوز ذلك إلى قيام شركة أيه أي جي AEG الألمانية للصناعات الالكترونية باستغلال المبنى لصناعة مكونات أجهزة المذياع. ومن الطريف في تاريخ المبنى انه تحول بعد ذلك من صالة لصناعة القرار السياسي إلى صالة للولادة بعد أن قامت مستشفى الشاريتيه القريبة منه بنقل قسم النسائية والتوليد إلى المستشفى العسكري الذي أُقيم في المبنى، الذي أصبح مكاناً لولادة مئات البرلينيين.
الرايخستاغ وأعظم لحظات الدولة السوفيتية
أتت الرياح بما لا يشتهي النازيون وانكسر جيشهم في الجبهة الشرقية وتقدمت قوات الجيش السوفيتي الأحمر، الذي رأى في المبنى رمزاً هاماً من رموز النازية. وبعد معارك طاحنة في قلب برلين احتلت المبنى طلائع القوة الضاربة للجيش الأحمر. ومن أجل إعلان الانتصار التام على النازية في الحرب الطاحنة، التي كانت أوروبا مسرحها الرئيس، نقلت تسعة أعلام كبيرة من موسكو إلى برلين جواً على وجه السرعة. لترفع "كرايات للنصر" في أعظم لحظات الدولة السوفيتية على المدخل الرئيسي للمبنى وعلى قبته، في الوقت الذي كانت تدور فيه المعارك في أقبية المبنى.
وبعد انتهاء الحرب الطاحنة بات المبنى أطلالا خاوية، يقصدها البرلينيون لزراعة البطاطا والخضروات في جواره في السنوات العجاف التي تلت تلك الحرب. وفي عام 1954 تم نسف القبة التي سيدها النازيون للحيلولة دون انهيار المبنى المتداعي. وبعد عام من ذلك قرر البرلمان الألماني "البوندستاغ" إعادة اعمار المبنى، ولكن التكهنات باتت تلف طريقة استغلاله في ظل ألمانيا مقسمة. ويبدو أن الآمال في إعادة توحيد شطريها كانت حاضرة في تصميم المهندس المعماري باول باومغارتن، فقد ضاعف مساحة قاعة الجلسات الكبيرة لتتسع لكل نواب ألمانيا الموحدة.
إعادة توحيد شطري ألمانيا
بعد إعادة توحيد شطري ألمانيا قرر البرلمان الألماني بأغلبية ضئيلة في 20 حزيران/ يونيو 1991 أن تكون العاصمة الموحدة برلين مقراً له. وقبل انتقال الحكومة والبرلمان الألمانيين إلى برلين تم الإعلان عن مناقصة لاعمار المبنى، بشكل يقوم على إظهار الشفافية ومبدأ ترشيد الطاقة على الشكل الأمثل. وفي عام 1995 تمت الموافقة على مقترح للمهندس المعماري البريطاني نورمان فورستر لإقامة القبة الزجاجية، التي لا تتيح لزائرين المبنى مشاهدة جلسات البرلمان الألماني فحسب، بل ومشاهدة معالم العاصمة برلين. كما أن القبة الجديدة تعد صرحاً لأحدث تقنيات ترشيد استخدام الطاقة بواسطة الجمع بين تقنية ألواح الطاقة الشمسية ونظام التهوية الآلية، إضافة إلى استخدام الأرضية كخزان للحرارة والبرودة.