هل تنال دعوات الحظر من شهرة "تيك توك" ورواجه العالمي؟
١٧ أبريل ٢٠٢٤تنتشر أخبار مشككة في أمان تطبيق "تيك توك" وتعالت الدعوات بحظره، وهو ما تم تطبيقه في عدد من دول العالم، فقد حظرت الهند التطبيق كليا، بعدما تصاعدت التوترات مع الصين في يونيو/ حزيران 2020، وأعلنت نيبال حظرا على "تيك توك" في أواخر العام الماضي، بدعوى أن التطبيق يهدد "الانسجام الاجتماعي"، كما وافق مجلس النواب الأمريكي، منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، بأغلبية ساحقة على مشروع قانون يجبر "تيك توك" على الانفصال عن الشركة الأصلية أو حظره على مستوى البلاد.
وتختلف الدوافع والمحاذير التي جعلت الدول أو المؤسسات تدعو أو تقرر حظر الـ"تيك توك"، لكنها في أغلب النقاشات ارتبطت بالهاجس الأمني أو الأخلاقي. ففي أمريكا وأوروبا، يُعتقد أن التطبيق الصيني يسهل على بكين التجسس، بينما نفت الشركة المالكة له مراراً نقلها لأي معلومات إلى السلطات الصينية، وأكدت أنها سترفض أي طلب محتمل من هذا النوع.
تحذيرات امتثلت لها دول مثل بلجيكا والدنمارك وهولندا وأيضا كندا وبريطانيا وأستراليا وتايوان ونيوزيلندا وألمانيا أيضا، حيث حذرت الاستخبارات الداخلية الألمانية من مواجهة مخاطر كبيرة عند استخدام تطبيق "تيك توك" خصوصاً لموظفي الحكومة الألمانية.
وفي المقابل، سيطر على نقاش المخاوف من تطبيق "تيك توك" في العالم العربي والإسلامي، هاجس الأمن النفسي والأخلاقي على المراهقين. فالدعوات لحظره انطلقت في دول مثل باكستان وأفغانستان وإندونيسيا والصومال وبنغلاديش، التي ربطت النقاش حول الحظر بالترويج المكثف لمحتوى إباحي في الغالب.
أما في السعودية فكان الانزعاج شعبيا من فرض المنصة قيودا على المحتوى السعودي، لتتفاعل شركات الاتصالات السعودية الأشهر في البلد بحظر تطبيق "تيك توك" من باقات الانترنت. وقد أحدث تصعيد من المستخدمين السعوديين رد فعل من جانب شركة "تيك توك"، التي سارعت إلى الرد عبر منشور توضح اللبس وتحاول استعادة ثقة المستخدمين، حيث نفت أن يكون هناك توجه ضد محتوى المؤثرين السعوديين.
العراق هو من البلدان العربية التي اتخذت قرار حجب تطبيق "تيك توك"، إذ أعلنت وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري تقديم طلب لمجلس الوزراء لحجب تطبيق "تيك توك" في البلاد. ويأتي هذا القرار في وقت بلغ عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" بالعراق، نحو 31.9 مليون مستخدم، من 36.2 مليون مستخدم للإنترنت بالبلاد، ما يعني أن 88% من مستخدمي الإنترنت لديهم حساب على "تيك توك".
وفي المغرب، وصل النقاش حول تطبيق "تيك توك" إلى مجلس النواب، إذ ناقشت لجنة التعليم والثقافة والاتصال اقتراحا بشأن حظر التطبيقات التي لا تتوافر لديها سياسات ومعايير سلامة الاستخدام، خصوصا "تيك توك" بسبب تأثيره على المراهقين. ورافق هذا النقاش السياسي حملة مجتمعية استشهد الناشطون خلالها بنجاح السعوديين في دفع المنصة إلى الخروج ببيان توضيحي.
هذا الاختلاف الظاهري في التخوف من تطبيق "تيك توك" بين العالمين الغربي والشرقي، يفسره الدكتور مصطفى شكدالي، الأستاذ الجامعي المتخصص في علم النفس الاجتماعي وصاحب الإصدار الجديد "سيكولوجيا الإنسان المرقمن"، بالقول: "يبدو النقاش في الغرب والشرق ظاهريا مختلفا، ولكن في العمق، حينما نتحدث عن الأخلاق فإننا نتحدث عن الأمن، فمجتمع بدون أخلاق، مجتمع غير آمن".
ويضيف المتحدث قائلاً: "الإشكال الأكبراليوم هو أن المجتمع المرقمن، أصبح مجتمعا كونياً، لأن التنشئة الاجتماعية التي كانت تحدث داخل الأسرة وداخل المدرسة ورفقة الأصدقاء، أصبحت تتم عن طريق التنشئة الخوارزمية، وصار هناك إعادة تشكيل للثقافة المحلية وإعطائها بعدا مرقمنا عن طريق التكنولوجيا، وبذلك صار المجتمع الكوني مرقمنا".
واعتبر شكدالي، الذي فصل في الموضوع عن طريق كتابه الذي يتناول إشكالية التنشئة الخوارزمية وبناء الهوية في عصر الثورة الرقمية، أن "التحكمية الخوارزمية تريد أن تجعل الإنسان يتنصل من أخلاقه وقيمه".
ويوضح المتحدث في حوار مع DW عربية أن "الأخلاق تختلف من مجتمع لآخر، لكن المجتمع الكوني أصبح واحداً، لدرجة أن نفس السلوكيات يقوم بها الشباب سواء في أمريكا وأوروبا، كما في المغرب أو مصر، فصار القاسم المشترك، وهو القاسم التكنولوجي، الذي يتم خلاله إعادة خلق الذات عبر الصور المفلترة"، التي يعتبرها الباحث "جراحة تجميلية رقمية في حياة موازية، هي الحياة الرقمية".
من جهته، اعتبر حسام السكري، وهو مستشار تواصل إعلامي، محاضر في الجامعة الأمريكية في بالقاهرة، أن "الأسباب الأمنية التي يتخذها الغرب حجة ترتبط بالتجسس الإلكتروني أوالتلاعب بالمعلومات، أو حتى في التأثير على قرارات الجموع في الانتخابات مثلا، عن طريق دعم محتوى قد يتسبب في تأثير على القرارات".
لكن السكري لا يستبعد أبدا احتمال وجود دوافع أخرى بعضها تجاري، إذ يرى أنه "من الناحية التجارية يشكل تيك توك اختراقا لمجال، طالما احتكرته شركات الغرب، احتكر اليوم من قبل قوة من خارج هذا المحور وبعيدا عن سيطرته".
ويقول السكري إنه "في عالمنا العربي تبدو الصورة مختلفة، إذ يتردد دائما أن المخاوف تتعلق بنوعية المحتوى المنشور، والذي اعتبرته بعض السلطات ضارًا من النواحي الأخلاقيًة أو الاجتماعية أو حتى الدينية. لكن الواقع أن التطبيق قدم لحكومات كثيرة في المنطقة مبررا سائغا لتنمق صورتها أمام جماهيرها المطحونة من غلاء الأسعار وتدني الخدمات، لتظهر من جديد في صورتها الأبوية كحامية للمجتمع وراعية لأخلاقه".
لماذا تستمر شعبية التطبيق عالميا رغم التحذيرات والتخوفات؟
هذا السؤال، يرد عليه الأستاذ الجامعي مصطفى شكدالي بالقول إن "أغلبية مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي لا يفهمون الخلفية التي تحرك العالم السيبراني بصفة عامة، ويعتقدون أنهم هم من يستعملون هذه الوسائط، لكن العكس هو الصحيح. فهناك من يتحكم في كل الوسائط الرقمية وفي الفضاء السيبراني وهو ما أسميه التحكمية الخوارزمية".
ويوضح المتحدث أن "البيانات الضخمة أي الـBig Data، تعرف ما سيغري مستعملها"، مشيرا إلى أن "إعدادات المنصات التفاعلية الرقمية توهمك بأنك فرد كامل الحرية، وتوهمك بالفردانية وبالتخلص من مراقبة المجتمع، ولكن ما إن تطأ قدمك هذه المواقع حتى تصبح متشابها مع الآخرين".
تشابهت السلوكيات على مستوى الفضاء السيبراني، حسب شكدالي، وأبرزت ظواهر نفسية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، كما أن "التحكمية الخوارزمية"، تساهم في الانتشار الواسع لأن ما يهمها هو الحشود، وكلما اجتمعت الحشود، كان الوضع أنسب للترويج لاستهلاك معين؛ حتى وإن كان المحتوى ليس ذا قيمة، فما يهم هو عدد المشاهدات وعدد المتابعين، لأن المسألة فيها تحفيز مادي".
هذه التطبيقات ينتشر فيها، حسب شكدالي، كل ما هو فضائحي ويثير رغبة التلصص، لأن هناك دراية مسبقة من طرف التحكمية الخوارزمية تدفع نحو كل ما هو فضائحي في كل المجتمعات بما فيها المجتمعات الغربية.
أمّا خطاف الخطاف، المتخصص في التسويق الإلكتروني والحائز على جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز في المعرفة الرقمية، فقال خلال استضافته في برنامج "يا هلا" بقناة روتانا خليجية، إن الوصول المقيد، يعني الطريقة الأمريكية سابقا لانتشار المحتوى على التطبيقات، يخالف المنطق الذي ظهر به تيك توك، الذي جاء بسياسة الوصول غير المقيد.
الخبير، اعتبر أن مفهوم القيمة في المجتمع يرتبط بما يتوافق مع العادات والتقاليد والدين، لكن برمجيا هناك قيمة معاكسة، مرتبطة بالمحتوى عالي القيمة إلكترونيا، ولو كان تافهاً. وقال: "المشاهدات المرتفعة على تيك توك سببت ضجة، لكن ليست كلها حقيقية، فحتى البث المباشر لا يكون كل الموجودين به حقيقيين، بل هناك برامج معينة تستخدم من خلالها الحسابات الوهمية لرفع نسب المشاهدة، ويقوم بهذه الأعمال مبرمجين في الغالب ليسوا عربا".
أما عن الأرباح المهولة التي ينتشر الحديث عنها فأكد الخبير أنه "ليست كل الأرباح من نصيب صاحب الحساب المشهور، بل إن 70 بالمئة يتسلمها التطبيق و30 بالمئة لصانع المحتوى، وهذا سبب نمو التطبيق بشكل مخيف".
من جانبه، يرى حسام السكري، أن شعبية "تيك توك" لها أسباب عديدة، منها الخوارزميات التي صممت خصيصًا لتدفعنا لإدمان المشاهدة مقطعا بعد مقطع من خلال فهم عميق لتفضيلاتنا كمستخدمين. فـ"تيك توك" يمطرنا بمحتوى يعرف من خلال تحليل أنماط استهلاكنا مدى قابليتنا لمشاهدته ومشاركته.
إضافة إلى ذلك يقدم "تيك توك"، حسب المتحدث، فرصا لبناء جمهور واسع، والحصول على مقابل مالي كلما انتشر المحتوى وكلما زادت المشاهدات. وهناك وعد مبطن شديد الجاذبية، بتحقيق النجومية والثراء السريع لمن يفهمون كيفية الاستفادة من التطبيق وطريقة استمالة الناس لمشاهدة ما يقدمونه.
تيك توك .. بين الحرية والتحذيرات؟
يعتبر الباحث في علم النفس مصطفى شكدالي أن ما تقوم به هذه التطبيقات تلاعب بمستعمليها ولا تقدم لهم الحرية على طبق من ذهب، فالحرية بالنسبة له شيء آخر، ويوضح: "الناس تبحث عن الشهرة ويسقطون في التشهير بذواتهم، ليست هناك حرية سيبرانية، إنه وهم فقط بينما أنت متحكم فيك، تمشي في الاتجاه الذي تريده الخوارزميات، التي توهم المستخدم بأنه سيخرج من سلطة المجتمع والمراقبة الاجتماعية".
ويقول المتحدث إن المعرفة والكشف عن الآليات التي تحرك "تحكمية الخوارزمية" هي الكفيلة بوضع نقطة النهاية لهذا الإدمان السيبراني، داعيا إلى التركيز في هذا النقاش على الاهتمام بالتربية والتكوين في هذا المجال، وقال: "نحن في مرحلة مفصلية، فالأبناء أصبحوا آباء آبائهم. الآباء لا يعرفون التكنولوجيا والأبناء متعلمون تقنيا. فالمسؤولية على عاتق المثقف اليوم، هي الكشف والبحث عن حلول جديدة لمواجهة الأزمة دون تهويل أو خوف".
من جهته، قال حسام السكري إن الوصول لمعادلة "متزنة" مناسبة لمجتمعات تبحث عن مساحة "وسطية" بين أقطاب متناقضة غير ممكن. فبالنسبة للمتحدث "هناك طيف واسع من الجماهير وأطياف وأنماط من الاستخدام. وفي عصر فضاءات الإنترنت المفتوحة، لا توجد إمكانية لرسم حدود يلتزم بها للجميع".
وأضاف المتحدث قائلا" "وسّع تيك توك من مساحات المشاركة كما لم يفعل تطبيق آخر، وضمن لفئات عمرية شابة ولطبقات أكثر شعبية بمراحل، الاستمتاع بمنصة تشاركية عالمية أعطتهم صوتا، طالما كانوا محرومين منه".
وأكد السكري: "كما هو الحال دوما سنسمع من خلال هذه المنصات العالمية مزيجا متباينا من الأصوات، بعضها ربما يكون مبتذلا، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن البعض الآخر يتألق بتفرد محتواه، وبمواهب دفعتها منصات تيك توك وغيرها لتظهر إلى الوجود".