مدن ألمانية تخشى "هجرة الفقر" من أوروبا الشرقية
١٧ مارس ٢٠١٣تفيد دراسة لهيئة البلديات الألمانية أن عدد من تطلق عليهم تسمية "مهاجرو الفقر" من رومانيا وبلغاريا الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفع من 64.000 إلى 147.000 .وتخشى البلديات الألمانية أن يزداد الوضع تفاقما عندما يحصل مواطنو هذين البلدين في شرق أوروبا ابتداءا من عام 2014 على حق حرية التنقل والعمل في مجال الاتحاد الأوروبي.
وكان مواطنو رومانيا وبلغاريا يفضلون إلى حد الآن الهجرة إلى إسبانيا وإيطاليا بحثا عن سبل عيش أفضل. غير أن الأزمة الاقتصادية الحادة في كل من إسبانيا وإيطاليا وارتفاع عدد العاطلين عن العمل فيهما بشكل مذهل لم يترك المجال للمهاجرين من رومانيا وبلغاريا لإيجاد فرص عمل. وعلى هذا الأساس فإنهم يفضلون مؤخرا القدوم إلى ألمانيا. لكن البروفيسور هريبيرت بروكير من معهد البحوث حول سوق العمل والوظائف في نورنبيرغ يشير إلى أنه ليس هناك ما يدعو إلى الفزع انطلاقا من التجارب المحصلة في إسبانيا وإيطاليا، وقال "هناك شاهدنا أن البلغار والرومانيين اندمجوا بشكل رائع في سوق العمل، مثلا في قطاعات الصحة والفندقة والبناء". وقال إن أنظمة الرعاية الاجتماعية لم تتأثر بسبب تلك الهجرة.
وقد تأخر انضمام بلغاريا ورومانيا إلى منطقة التأشيرة الأوروبية الموحدة "شينغن" في ال 7 مارس/ آذار الجاري بعد أن أعلنت ألمانيا أنها لا تزال ترفض خطوة الانضمام نظرا لمخاوفها من الفساد والجريمة. ورغم وفاء رومانيا وبلغاريا بجميع المتطلبات الفنية للانضمام لمنطقة شنغن منذ عام 2011، جرى تأجيل انضمامهما بشكل متكرر نظرا لمخاوف من أن يتسبب إخفاقهما في القضاء على الفساد والجريمة المنظمة في مخاطر لأعضاء شنغن البالغ عددهم 26 دولة.
وأعربت ألمانيا عن قلقها من احتمالات لجوء الأشخاص إلى استخدام الرشوة لشق طريقهم إلى منطقة شنغن. وقال وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش:" الوقت ليس مناسبا".
وتضم مجموعة شنغن التي تم توقيع الاتفاقية الخاصة بها عام 1985 جميع دول الاتحاد الأوروبي ما عدا بريطانيا وقبرص وأيرلندا ورومانيا وبلغاريا، كما تضم دولا غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي ايسلندا وليشتينشتاين.
وتفيد بلديات المدن الألمانية أن الوافدين من رومانيا وبلغاريا من ذوي المؤهلات المهنية العالية لا يبحثون عن فرص عمل في كبريات المدن الألمانية التي تستقطب أفراد أقلية الغجر التي تعاني من التهميش في بلدان أوروبا الشرقية، ولا يستفيد أفرادها من نظام الرعاية الصحية والتعليم. ولدى وصولهم إلى بعض المدن الألمانية مثل دويسبورغ التي تعاني من توقف عدد من الشركات الصناعية عن العمل، فإنهم لا يجدون أي فرصة للعمل أو دورا للسكن ليلجئوا إلى بعض المنازل المهجورة. وعلى هذا الأساس فإن اندماج هؤلاء الوافدين من رومانيا وبلغاريا يكون شبه مستحيل، لاسيما وأن البلديات المعنية لا تتوفر على الأموال الكافية وليس لها برامج اجتماعية ملموسة. وقد طالبت هيئة البلديات الألمانية خلال مؤتمرها الأخير بتوفير رعاية صحية بإنشاء صندوق لهذا الغرض لصالح المهاجرين من رومانيا وبلغاريا، معتبرة أنه يجب تمويل دور السكن والعاملين في الحقل الاجتماعي للعناية بهؤلاء المهاجرين من الصندوق الاجتماعي الأوروبي.
وتضع هذه الهجرة المكثفة من بلغاريا ورومانيا المجتمع الألماني أمام تحديات كبيرة. ويحذر بعض الخبراء من الانزلاق في إثارة الأحكام المسبقة والتمييز بين مختلف المهاجرين إلى ألمانيا، والقول بأن هناك مهاجرين مرغوب فيهم وآخرين مرفوضين.
وقد طالبت المعارضة الألمانية بإنشاء صندوق مساعدات للمدن الألمانية الأكثر تضررا من فتح سوق العمل أمام الهجرات القادمة من دول أوروبا الشرقية، ولاسيما رومانيا وبلغاريا. وفي مقابلة مع مجلة "فوكوس" الألمانية، قال زيغمار غابريل زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض في وقت سابق إن البلديات في هذه المدن تتحمل أكثر من طاقتها، مطالبا بتعيين مفوض خاص "وكيل وزارة مثلا" لتنسيق التعاون بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية في الولايات والبلديات للتعامل مع هذه القضية.
واتهم زعيم أكبر حزب معارض بألمانيا حكومة المستشارة انغيلا ميركل بأنها لم تحرك ساكنا في التعامل مع هذه الأزمة، مشيرا إلى أن ما يسمى "هجرة الفقر المتزايدة" أدت في مدن مثل مانهايم ودورتموند ودويسبورغ إلى أزمات ثقافية واجتماعية كبيرة.
وحذر غابريل من تفاقم الأزمة مع حصول هؤلاء العمال على الحق الكامل في التنقل في كل دول الاتحاد الأوروبي اعتبارا من مطلع 2014. وأعرب غابريل عن اعتقاده بأن تعامل الحكومة مع هذه المشكلة يتسم حتى الآن باللامبالاة.
وكانت بلغاريا ورومانيا انضمتا إلى الاتحاد الأوروبي في 2007، ومنذ ذلك الحين تشهد ألمانيا ارتفاعا مطردا في العمالة الوافدة إليها من هاتين الدولتين.