مرحلة جديدة من النزاع بشان البرنامج النووي الإيراني مع تبادل المهل بين طهران والدول الكبرى
٣ يناير ٢٠١٠بعد يومين فقط من انتهاء مدة الانذار الموجه لايران بدأت صحف امريكية مثل نيويورك تايمز تنقل عن مراقبين ومحللين سياسيين لم تذكر أسمائهم قولهم بأن الوقت مناسب الآن تماماً لفرض عقوبات جديدة على ايران وارغامها على الاستجابة للمطالب الدولية بشأن برنامجها النووي. وينطلق الخبراء في تقديراتهم تلك من الاضطرابات التي تشهدها طهران ومدن ايرانية اخرى، بالاضافة إلى المشاكل التقنية التي يعانيها البرنامج النووي الايراني. ويقول المحللون بضرورة أن تطال العقوبات الجديدة بشكل خاص الحرس الثوري الايراني الذي يشكل صفوة القوات الايرانية، إلى جانب إشرافه على تطوير البرنامج النووي وإقامة العلاقات مع الشركات والجهات التي تساعد ايران على تأمين مستلزمات برنامجها النووي. أما هدف العقوبات الجديدة فيجب أن يكون منع ايران من الحصول على السلاح النووي، رغم تكرارها القول بأنه برنامجها النووي يستخدم حصرا لأغراض سلمية، وهو الأمر الذي أكده مجددا الرئيس الإيراني قبيل أعياد الميلاد.
ايران تمهل الغرب شهراً للقبول بمقترحاتها
ومع بداية العام الجديد انتقلت ايران من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم بشأن نزاعها مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. فبعد انتهاء المهلة الممنوحة لها للرد على المقترحات الدولية بشأن تخصيب حاجاتها من اليورانيوم في الخارج، أعلن وزير خارجيتها منوشهر متكي أن بلاده تمهل الدول المعنية شهراً للموافقة على شروطها، وفيما عدا ذلك فإنها ستتصرف.
ويقصد متكي بذلك المقترحات التي حصل اتفاق مبدئي بشأنها في الخريف الماضي. وفي هذا الإطار قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة ودول أخرى أعضاء في مجلس الأمن الدولي، لايران اقتراحاً في وقت سابق من العام الفائت يقضي بنقل نحو 75 بالمائة من مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب والذي يقدر بحدود 1.2 طن إلى روسيا لتقوم برفع نسبة تخصيبه من 3.5 إلى 20 بالمائة، على أن يتم نقله بعد ذلك إلى فرنسا ليتم تحويله هناك إلى وقود نووي.
لكن طهران وبعد دراسة المقترح الدولي، طالبت بتعديله بحيث يتضمن مبادلة مخزونها من اليورانيوم بوقود نووي مباشرة بدلا من الانتظار فترة لتحويله قبل الحصول عليه مجددا، ويمكن أن تتم هذه المبادلة في ايران أو في بلد آخر مثل تركيا التي تحاول أن تلعب دور الوسيط الإقليمي. وجاء الموقف الايراني على لسان وزير الخارجية متكي الذي قال: "ليست لدينا مشكلة سواء أتم الأمر في تركيا أو في بلد آخر، ونحن نستطيع على سبيل المثال نقل 400 كيلو غرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب، ولكن بشرط التعاون المتبادل"، ودعا متكي الغرب إلى تحسين مصداقيته، لأن "بناء الثقة لا يتم بشكل أحادي الجانب".
انزعاج الدول الكبرى من الموقف الايراني
الدول الكبرى من جهتها ابدت انزعاجها من الموقف الايراني، فهذه الدول راهنت وبشكل خلال مفاوضاتها مع ايران على تنازل الأخيرة عن معظم مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب لمدة عام على الأقل، وهو أمر سيقلل بشكل كبير من خطر مواصلة تخصيبها لليورانيوم وإمكانية استخدامه لانتاح أسلحة نووية. غير ان إيران لم تعلن استعدادها لهذا التنازل، لاسيما وان لديها خبرات سلبية مع جهات خارجية تصعب الثقة بها. وهذا ما ينطبق بشكل خاص على فرنسا التي التزمت تزويد إيران بالوقود النووي من خلال شركة ايرانية- فرنسية مشتركة. لكن باريس أخلت بالتزاماتها.
وما زاد المشكلة تعقيداً، هو أن ايران عضو في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي لها الحق بموجب ذلك في طلب المساعدة الدولية للحصول على الطاقة النووية واستخدامها لأغراض سلمية. والوقود النووي الذي يتم التفاوض حوله هو من أجل مفاعل البحث النووي الذي تستخدمه طهران لأغراض طبية. والتهديد بحرمان ايران من ذلك يدفع قطاعاً واسعاً من الرأي العام المحلي إلى الاعتقاد بأن الدول الغربية تريد حرمان ايران من حقها في الحصول على التكنولوجيا النووية.
طهران قد تستغل موقف الشارع من البرنامج النووي للتصعيد مع المجتمع الدولي
تعرف القيادة الإيرانية الموقف الشعبي وشعوره إزاء البرنامج النووي، وعليه فقد يكون من المناسب لها تأجيج نار النزاع مع الدول الكبرى لصرف النظر عن المشاكل السياسية والاضطرابات الداخلية التي تعاني منها البلاد، وحشد التأييد الجماهيري للرئيس أحمدي نجاد في تشدده مع المجتمع الدولي، والذي قال في هذا السياق: "يقولون: لقد أعطينا ايران مهلة حتى آخر العام. وأنا قلت: اللعنة، من هم هؤلاء؟ نحن من يعطيهم مهلة. وإذا لم يغيروا سلوكهم وموقفهم ولهجتهم، سنطالبهم حينها بالحقوق التاريخية للشعب الايراني".
هذا وكررت طهران تهديداتها للمجتمع الدولي، لاسيما لبريطانيا وللولايات المتحدة وحتى لروسيا ، برفع دعاوى ضدها بسبب تدخلها العسكري والاقتصادي والسياسي المتكرر في الشأن الداخلي لايران. وذلك رغم معرفة الرئيس نجاد ذاته بأن هذه التهديدات وهكذا دعوى لن يكتب لها النجاح، فإنه مقتنع بأن ذلك يمكن أن يكسبه المزيد من التأييد الشعبي.
هكذا سيستمر شد الحبل بين طهران والمجتمع الدولي بشأن النزاع حول برنامجها النووي، وسيبقى الخلاف قائماً بين الطرفين خلال الأشهر المقبلة أيضاً، وبالتالي فإن الوصول إلى حل ما يزال بعيد المنال.
الكاتب: بيتر فيليب/ عارف جابو
مراجعة: ابراهيم محمد