"مسيرة الغضب" تدعم السودان في رفضه محاكمة مواطنية في الخارج
تسلمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اليوم الثلاثاء وثائق بشان جرائم حرب في منطقة دارفور من لجنة خاصة في الامم المتحدة. ويأتي هذا الامر في اطار قرار مجلس الامن الدولي في الاسبوع الماضي احالة ملف جرائم ضد الانسانية يزعم ارتكابها خلال فترة الحرب التي زادت عن عامين في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية. وتولى سيرجي برامرتز نائب مدعي المحكمة للتحقيقات مسؤولية تسعة صناديق ضخمة من الوثائق في محكمة لاهاي وهي أول محكمة جنائية عالمية دائمة تأسست عام 2002 للنظر في قضايا الابادة الجماعية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان. وقال برامرتز للصحفيين "سنعمل على تحليل الوثائق واعداد العمل. سنشكل فريقا من المحللين والمحققين.“ وتقول الامم المتحدة ان السودان لم يفعل الكثير لنزع أسلحة ميليشيا عربية متهمة بارتكاب جرائم اغتصاب وقتل وحرق قرى غير عربية في دارفور خلال حرب هناك استمرت عامين، وأدت إلى هرب أكثر من مليونين من الناس من ديارهم وقتل عشرات الالاف في المعارك.
وقال برامرتز انه من السابق لاوانه القول متى قد تصدر المحكمة لائحة التهم أو مذكرات الاعتقال وأضاف انه يأمل في أن تقدم الحكومة السودانية يد العون في التحقيقات. وتابع "نأمل أن يكون هناك تعاون بناء. سنتعاون مع المؤسسات الدولية والحكومات لجمع أقصى ما نستطيع من المعلومات." وسيجتمع لويس مورينو اوكامبو رئيس الادعاء في المحكمة مع كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة اليوم الثلاثاء في نيويورك لتسلم قائمة سرية تضم 51 اسما لشخصيات تتهمهم لجنة الامم المتحدة بالتورط في الجرائم بدارفور. وتضم القائمة أسماء مسؤولين بارزين في الحكومة السودانية ومسؤولين بالجيش وقادة ميليشيا ومتمردين وقادة عسكريين أجانب لكن المحكمة لن تكشف عن محتوى القائمة وستقرر فقط في وقت لاحق من ستوجه اليه التهم.
السودان يرفض الاتهامات ويرد بـ "مسيرة الغضب"
من جهته جدد السودان رفضه تسليم مواطنيه للمحاكمة في الخارج رفضا قاطعا، مؤكدا أنه سيحاكم بنفسه المتهمين المزعومين. وألقت السلطات القبض على 15 مسؤولا من قوات الجيش والامن في الاسبوع الماضي في محاولة منها على ما يبدو لعمل شيء للمثول لمطالب الامم المتحدة. وأعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير يوم السبت الماضي ان السودان لن يسمح بمحاكمة سودانيين امام محاكم خارج البلاد. كما اتخذ زعماء اخرون وجماعات سياسية مقربة للحكومة نفس الموقف. وقد خرج عشرات الألوف من السودانيين في مظاهرة حاشدة في الخرطوم اليوم الثلاثاء استجابة لحملة تنظمها الحكومة احتجاجا على قرار للامم المتحدة يقضي باحالة متهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية. ورفع المشاركون في المظاهرة التي أطلق عليها اسم "مسيرة الغضب" في وسط الخرطوم لافتات تندد بالقرار وتشجب الامم المتحدة ورددوا هتافات بسقوط الولايات المتحدة.
وشارك مسؤولون كبار وممثلو منظمات مدنية في السودان في المظاهرة. ورفع المتظاهرون لافتات حملت شعارات منها //لا للاستكبار// و//لا للقرار 1593 الظالم// في اشارة الى قرار مجلس الامن. وأدان المتظاهرون الرئيسين الامريكي والفرنسي جاك شيراك والامين العام للامم المتحدة ووصفوهم بأنهم //جبناء//.وتوقف المتظاهرون الغاضبون اولا عند مبنى تابع للامم المتحدة ثم عند السفارة البريطانية واخيرا عند السفارة الامريكية. وعند توقفهم امام مبنى الامم المتحدة وصفوا كوفي عنان الامين العام للمنظمة الدولية بانه جبان وعميل للامريكيين. وشاركت "شركة موبيتيل" للهواتف المحمولة المملوكة للدولة في الترويج لمسيرة الغضب بارسال رسائل سريعة للمشاركين مساء امس الاثنين. أما المتمردون السودانيون فقد قالوا انهم مستعدون لتسليم أنفسهم للمحكمة في لاهاي اذا ما وجهت اليهم أية تهم.
قرار مجلس الامن يزيد من تعقيد الامور
تأتي هذه المظاهرات ردا على قرارمجلس الامن الدولي الذي صدر في ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي باغلبية 11 صوتا دون اي اعتراض وامتناع اربعة اعضاء عن التصويت على احالة قائمة مغلقة تضم 51 شخصا من المشتبه بارتكابهم جرائم في حق الانسانية في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية في أول خطوة من نوعها. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع القرار متراجعة عن تهديدها باستخدام حق النقض /الفيتو/ بعد الاصرار لاسابيع على انها سترفض اي خطوة تضفي الشرعية على المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرا لها. وترفض ادارة الرئيس جورج بوش اخضاع الامريكيين للسلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لان الولايات المتحدة ليست طرفا في المعاهدة التي اسست المحكمة وتخشى من احتمال تعرض مواطنيها لمحاكمات ذات دوافع سياسية. والسودان ليس طرفا ايضا في هذه المعاهدة مما يسمح له بابداء نفس الحجة.
وتعد قضية دارفور أول قضية يحيلها مجلس الامن الى المحكمة التي تحقق بالفعل في جرائم يزعم انها ارتكبت في اوغندا والكونجو الديمقراطية. واعتبرت جماعات لحقوق الانسان ان قرار احالة ملف دارفور الى المحكمة بمثابة نصر كبير لانصار المحكمة الدولية وطالبوا الولايات المتحدة باعادة النظر في معارضتها للمحكمة وتسليم ما في حوزتها من أدلة عن الوضع في دارفور.