معالم ألمانيا تطفئ أنوارها - هكذا يجري توفير الطاقة
٢٢ أغسطس ٢٠٢٢"عندما ينتهي العمل في الكاتدرائية، ستكون نهاية العالم قد حلت"، هذا قول مأثور معروف في مدينة كولونيا العريقة، الواقعة على نهر الراين. ولقد تم الانتهاء من بناء الكاتدرائية الشهيرة في عام 1880؛ ولم تحل نهاية العالم. لكن منذ ذلك الحين، تحيط الكثير من السقالات بجدران الكاتدرائية حتى يومنا هذا. ومنذ بضعة أيام، يمكن أن يخطر على بال سكان كولونيا فكرة أن نهاية العالم وشيكة: فعندما تنظر إلى الكاتدرائية بداية من الساعة 11 ليلا، يمكنك بالكاد رؤية السقالات. فالكاتدرائية، التي هي رمز كولونيا، كانت عادة تظل مضاءة بقوة طوال الليل، لكنها الآن ستبقى مظلمة؛ لتوفير الكهرباء في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا.
"لا يوجد سبب للذعر حتى الآن، ولكن علينا أيضًا الاستعداد لحالة طوارئ فعلية هنا. فمن ناحية، هناك اختناقات في إمدادات الغاز، ولكن بالطبع هناك أيضًا سيناريوهات لانقطاع التيار الكهربائي يجب علينا هنا أن نضعها في الاعتبار"، تقول أندريا بلوم، مديرة مدينة كولونيا، وتضيف: "مسؤوليتنا الرئيسية الآن هي الحفاظ على تشغيل ما يسمى بالبنية التحتية الحيوية، حتى لو كان هناك نقص في الطاقة".
إذا كان هناك شخص يؤتمن على أمن الطاقة في المدينة المليونية، فإن هذا الشخص هو مديرة المدينة. فقبل أيام قليلة، تم تحويل فريق عمل أمن الطاقة إلى فريق لإدارة الأزمات بقيادة بلوم. السيدة التي درست الهندسة المعمارية تتعامل ببراعة حاليًا مع ثلاث أزمات في آن واحد: لأن مسألة أمن الطاقة ليست هي فقط التي تتطلب أحيانًا قرارات صعبة، بل يجب على فريق العمل أيضًا مراقبة قضايا أزمة كورونا وأوكرانيا.
"بالطبع، نحن الآن نوفر خصوصا في استهلاك الكهرباء، لأن التدفئة في الصيف الحار لا حاجة إليها كثيرا. والتوفير ينطبق قبل كل شيء على الإضاءة: وتم إدراج استاد مونغرسدورف والكاتدرائية ومبنى البلدية التاريخي والجسور على نهر الراين في خطة التوفير. وكل هذه المباني ستطفأ أنوارها عند الساعة 11 مساءً، وقبل ذلك بساعة عندما يحل الخريف أي الساعة 10 مساءً"، تقول بلوم.
أضواء الشوارع خافتة، حمامات السباحة أكثر برودة وأجهزة الكمبيوتر مطفأة
المدينة الآن تطفئ الأنوار ليلا عن أكثر من 130 مبنى تمثيلي لها؛ ويتم أيضًا تعتيم أضواء الشوارع بمقدار النصف بدءًا من الساعة 11 مساءً. كولونيا توفر في الإضاءة من أجل تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة، كما هو محدد من قبل الاتحاد الأوروبي.
أجهزة تكييف الهواء في مكاتب المدينة تعمل بشكل مقتصد فيه، وفي فصل الشتاء، ستكون تدفئة المكاتب حتى 19 درجة فقط. أما الماء فسيكون أكثر برودة بشكل ملحوظ في حمامات السباحة والصالات. وتريد بلوم بكل السبل تجنب إغلاق حمامات السباحة، خصوصا من أجل بقاء الدورات المخصصة لتعليم الأطفال السباحة. لكن مدنًا أخرى في ألمانيا فعلت ذلك بالفعل، كما يُطلب من موظفي مدينة كولونيا يوما بعد يوم توفير الطاقة.
"سنقدم ما يسمى بالنشرة إلى موظفينا البالغ عددهم 23000 عامل في إدارة المدينة من أجل زيادة انتباه الموظفين مرة أخرى. على سبيل المثال، مسألة إيقاف تشغيل الكمبيوتر بالفعل عند مغادرة المكتب".
الألمان يشترون رؤوس دش وصنابير موفرة للمياه
قبل شهرين، أعطى وزير الاقتصاد روبرت هابيك إشارة البداية في ألمانيا لتوفير الطاقة وأقسم للسكان بأن فصلي الخريف والشتاء قد يكونان أصعب، ووجه نداء قائلا: تقليل الاستحمام، خفض درجة حرارة التدفئة وعدم استخدام مكيفات الهواء، وأن يكون الاستحمام لمدة خمس دقائق كحد أقصى، ويفضل أن يكون ذلك باستخدام رأس دش موفر للمياه.
ومن يرغب في شراء واحدة منها، عليه بالتوجه إلى متجر متخصص في بيع الأدوات الصحية أو أن يطلبها عبر الإنترنت. وقال ألكسندر زيه، العضو المنتدب لإحدى الشركات الرائدة في السوق، شركة "جروهي" ألمانيا، لـ DW: "لقد زاد الطلب على المنتجات الموفرة للمياه في الأسابيع الأخيرة بنحو 10 بالمائة".
وفقًا للاستطلاعات، فهم الألمان المطلوب، سواء كان ذلك لإرسال إشارة ضد الحرب العدوانية الروسية، أو خصوصا قبل كل شيء حماية لمحافظ نقودهم الخاصة، فوقت الاستحمام الآن صار أقصر أو المياه أكثر برودة، ويفصلون بشكل متزايد هواتفهم المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم ويستبدلون طبق المعكرونة في المساء بوجبة خفيفة.
مستشارو الطاقة مطلوبون بشدة
وأصبح هذا الكلام يتردد كثيرا على ألسنة مستشاري الطاقة، الذين أضحوا من بين الأشخاص المطلوبين بشكل أكبر الآن في ألمانيا، في ظل وجود ما يقرب من 13000 مستشار ومستشارة طاقة. ومن بين هؤلاء سيليا شوتسه التي ساعدت في إنشاء وكالة بون للطاقة قبل عشر سنوات وهي الآن مديرتها الإدارية.
في الربع الأول من العام الجاري، زادت الاستفسارات الموجهة للوكالة بنسبة 70 بالمائة، وبعد ذلك لم تعد لها قدرة على متابعة الأسئلة. ونظرًا للعدد الكبير من الأطراف المهتمة، تحولت وكالة الطاقة منذ فترة طويلة من الاستشارات الفردية إلى الاجتماعات الجماعية التي تعقد مقدما كل شهرين ويجري فيها استعراض أساسيات الخلايا الكهروضوئية (فوتوفولتايغ) وتقديم المشورة بشأن العزل في المباني وشرح كل شيء عن المضخات الحرارية. وتقول شوتسه: "في بعض الأحيان يكون هناك شعور بالعجز. ففي البداية، يكون هناك كثير من الناس، الذين ليس لديهم أي فكرة عن النواحي التي يحتاجون فيها إلى الترشيد ولا يعرفون من أين يبدؤون. لقد كان لدى كثير من الناس لفترة طولية شعور بأنه ما دمت أستخدم التدفئة بالغاز، لذلك فأنا لديّ نظام تدفئة حديث وفعال. لقد شعروا بالدهشة بعض الشيء لأن هذا ليس صحيحًا فكل نظام تسخين بالغاز هو نظام للطاقة الأحفورية أيضًا".
فرص لتوفير الطاقة في كل منزل
تحكي شوتسه، وهي تبتسم، عن رسم كاريكاتوري شاهدته مؤخرًا، يظهر فيه حشد من الناس ينتظرون بقلق أمام أحد الأبواب. ويبدو كما لو أن شخصية مشهورة على وشك الخروج من هذا الباب. لكن بدلاً من ذلك، يظهر مستشار طاقة لا يزال لديه مواعيد متاحة. النكتة لها خلفية خطيرة: في ألمانيا هناك نقص في كل مكان في الخبراء الذين لديهم معلومات متخصصة ونصائح بشأن توفير الطاقة.
"نهجنا الأساسي هو أولا استخدام طاقة أقل، أي معرفة أين استهلك ماذا فعلاً؟ ولا تزال هناك حالات تتواجد فيها وحدات التدفئة في المرآب أو في القبو السفلي غير المدفأ. ولكن ما يمكن للجميع فعله طبعا هو إلقاء نظرة على سلوك المستخدمين. فإذا قام الجميع مثلا بخفض منظم الحرارة بدرجة واحدة، فإنهم يوفرون ستة بالمائة من الطاقة ".
هدف الحياد المناخي يتطلب مزيدًا من التدابير
في جميع استشاراتها، تقول سيليا شوتسه إن الهدف بعيد المدى هو الحياد المناخي. وتريد مدينة بون تحقيق ذلك بحلول عام 2035، تمامًا مثل العديد من المدن الأخرى. هكذا بعيدا عن الفحم، بعيدا عن النفط وبعيدا عن الغاز. هل تستطيع ألمانيا أن تفعل ذلك؟ إذا اتصل بها وزير الاقتصاد روبرت هابيك، فإن مستشارة الطاقة ستوصي بما يلي:
"أتمنى أن يتم إعطاء قيمة أكبر للعزل وكفاءة الطاقة. لسوء الحظ، ساءت شروط التمويل لتجديد المباني. هذا أمر مؤسف. لأن التجديد شرط جيد للغاية لتشغيل المضخات الحرارية بكفاءة. وسيكون كذلك من المفيد إعطاء هذه المراكز الاستشارية ، سواء أكانت وكالات الطاقة الإقليمية أو مراكز المستهلكين، مزيدًا من الدعم المؤسسي".
أوليفر بيبر/ ص.ش