معرض "تصوير" للفن الإسلامي- جسر بين الماضي بالحاضر
١٦ نوفمبر ٢٠٠٩في إحدى الغرف الأخيرة من معرض "تصوير - عوالم الصور الإسلامية والمعاصرة" تمكنت المسؤولة على المعرض ألموت بروكشتاين كوروه من إثارة عاصفة من تداعيات المعاني، فعلى يمين السيدة النحيفة ذات الشعر الأسود متوسط الطول عُلّقت صورة كبيرة من تصوير سيف الله سامديان تظهر تعليق ملصق لآية الله الخميني، بينما وقف على يمينها تمثال لرأس أميرة سلجوقية رشيقة.
وتشرح بروكشتاين كوروه مستخدمة ذراعيها زوايا النظر لكلا العملين من إيران، إذ تقول: "هنا تنظر هذا المرأة الصغيرة دون غطاء رأس من القرن الثاني عشر بكل ثقة إلى قائد الثورة، وفي نفس الوقت تم أخذ المبدأ الجمالي بعين الاعتبار عند تشكيلها، والذي استمد أصله من وصف جمال النبي محمد". على بعد خطوات من كلا العملين يعرض مصغر كيف يشقّ النبي محمد القمر، والذي قامت كوروه بإدارته خمس وأربعين درجة لتشكيل روابط جديدة بين المعروضات، إذ تضيف قائلة: "إنني أعترف بأن المعاني متعددة، لكنني لا أطالب الزائر بأن يفهم كل شيء هنا. هذا المعرض عبارة عن رحلة استكشاف – عالم صغير بحد ذاته".
ويتنقل الزائر بين أرجاء هذا العالم بصحبة دليل رمادي اللون تشكل التعليقات المختلفة على الأعمال المعروضة طوق النجاة الأخير للزائر إذا ما تكاثرت تداعيات المعاني إلى حد غير محتمل. ويتضمن الدليل أيضاً السؤال المصاحب لكل غرفة في المعرض، وحتى إن لم يتمكن الزائر من معرفة كل الإجابات، فسيكون قادراً على الأقل على مشاهدة عدد من الأعمال الفنية الرائعة.
نسخة مذهبة من القرآن
يستقبل الزائر في بداية المعرض فخامة ذهبية عبارة عن قرآن من القرن الحادي عشر، والذي كتب بخط جميل وسلس على ورق مذهّب، وإلى جانبه قرآن آخر مكتوب بخط فضي على ورق أحمر. ويعتبر فن الكتابة، وعلى الأخص الإنتاج الفخم للقرآن، من أرقى تقاليد الفن الإسلامي. هذا ويتساءل منظمو المعرض حول كيفية ظهور أي شيء من المجهول أو من العدم، ويحاولون من خلال عمل للفنان الألماني فولفغانغ لايب الإجابة على هذا التساؤل. العمل يحمل عنوان "الجبال الخمسة التي لا يمكن تسلقها"، ويحتل ركناً في المعرض دون أي حماية للعمل المتلألئ البالغ حجمه سبع سنتيمترات تقريباً. ويعلق هندريك بوده، القيّم الثاني على المعرض، بحماسة على العمل الفني قائلاً: "العمل عبارة عن لقاح من شجرة بندق تم جمعه على مدى أعوام، وأتمنى أن لا يعطس أي أحد بالقرب منه، إذ إنه يقف دون زجاج حماية".
الخطوط وعدم القدرة على قراءتها
ويهدف منظمو المعرض أيضاً أن يقيموا روابطاً بين مبادئ التكوين الفنية والفلسفية للفن الإسلامي التقليدي والأعمال المعاصرة، وهذا ليس مقصوراً فحسب على الأعمال الشرقية الحديثة، كما توضح "جبال" لايب. فعلى سبيل المثال تلتقي الحواشي النصية الموزونة لبيكاسو بفن الخط العربي الذي ساد الأندلس في العصور الوسطى. ويتمحور كلا العملين حول تطويع النص لتكوين أشكال فنية، وهو أمر لا يتطلب من الزوار معرفة اللغة العربية أو الفارسية، كما تقول بروكشتاين كوروه: "في مجال فن الخط أركز على عدم القدرة على قراءة النص، وهذا يعني أن من يتقن العربية أو الفارسية لن يكون قادراً دائماً على قراءة هذه الأعمال".
عدا عن ذلك تعرض أوراق تحوي تمارين لخطاطين عثمانيين إلى جانب فنون خطية معاصرة، مثل القماش المغطى بأرقام في العمل الفني "اثنا عشر أصبعاً" للفنان الإيراني حسين زنرودي، أو النصوص الضبابية للفنانة مليحة أفنان، والتي يتم فيها إخفاء وتغريب وتصوير محتوى النص.
منظورات جديدة
وتقود رحلة الاستكشاف في المعرض إلى تلاعب بين الزخارف والمصغرات، واللتان تشكلان أهم مناحي الفن الإسلامي، حيث يرى الزائر غطاء علبة مصنوع من العاج يعود لستمائة عام مغطى بشبكة رقيقة من النجوم، إضافة إلى أعمال خشبية على أبواب قديمة من مصر والمغرب وأعمال فنية معاصرة. ويعتبر الدمج بين الحقبتين أمراً شيقاً، لكنه لا يهدف للتعريف بمجال معين بشكل تعليمي، إذ تم إخراج الأعمال الفنية من إطارها الزمني وإعادة إدراجها في قالب جديد، كما توضح بروكشتاين كوروه: "لقد تم دمج الأعمال من منظور شخصي للغاية، لكن هذا الدمج هو نتاج نقاشات دولية دامت سنوات عدة". هذا ويدافع هندريك بوده عن بعض الأعمال الجريئة الموجودة، إذ يعلق بالقول: "يواجه الزائرون هنا استقلالية للأعمال الفنية المعروضة، وهذا ما يثير حفيظة البعض، لكن المرء يتعلم أن يرى". ويستمر معرض "تصوير: عوالم الصور الإسلامية والمعاصرة" حتى الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير من العام المقبل في مبنى مارتين جروبيوس في مدينة برلين.
الكاتب: هاينه كيسلل/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: عماد مبارك غانم