مليون شجرة لتحصين عاصمة بلد المليون شاعر
٢٦ أغسطس ٢٠١٠أعلنت الحكومة الموريتانية عن اطلاق أكبر مشروع بيئي لحماية العاصمة نواكشوط من خطر فيضانات مياه المحيط الأطلسي التي تهددها من الغرب، وكثبان الرمال الزاحفة التي تحاصرها من الشرق والشمال.
ويشمل المشروع الجديد الذي أشرف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيزعلى اطلاقه اقامة حزام أخضر حول مدينة نواكشوط مؤلف من مليون شجرة يلتف حول العاصمة من الشرق والشمال والغرب على شكل حصن يقيها من أن تدفن تحت الرمال، أو تطمر تحت فيضانات المحيط، وقد كلف المشروع غلافا ماليا يناهز 13 مليون أورو.
وتقول الوزارة الموريتانية المكلفة بالبيئة إن هذا المشروع سيتم تنفيذه على مدى السنوات الأربع المقبلة، وعلى مساحة تقدر ب 2000 هكتار، وقد تم اطلاق الجزء الأول منه يوم السبت الماضي، ويشمل غرس 200 ألف شجرة من عشرة أنواع من الشجر، ثمانية منها أشجار محلية واثنتان تم استيرادهما بعد التأكد من قدرتهما على النمو في البيئة الصحراوية والساحلية التي تميز منطقة مدينة نواكشوط، كما تقول الوزارة المكلفة بالبيئة.
ورغم أهمية المشروع وضخامته فإن الخبراء يعتقدون أن العاصمة الموريتانية ستظل عرضة للمخاطر البيئية بسبب موقعها الجغرافي وضعف الإهتمام بحمايتها من الكوارث الطبيعية طيلة العقود الماضية.
مخاطر تهدد نواكشوط
ويقول الخبير البيئي جاكتي با مودي وهو أحد المشرفين على المشروع إن هذا البرنامج يهدف في شقه الأول إلى تثبيت الرمال الزاحفة ميكانيكيا وبيولوجيا عن الأحياء الشمالية والشرقية للعاصمة وهي أحياء "توجنين" و"دار النعيم"، و"تيارت" و"تفرغ زينة"، مضيفا أن هذا المشروع الذي وصفه بالعملاق مؤلف من جزئين أولهما عبارة عن حزام أخضر، والغاية منه تثبيت الرمال التي تزحف على العاصمة، أما الجزء الثاني من المشروع فيستهدف حماية العاصمة من الفيضانات التي تهددها على طول شاطئ المحيط الأطلسي.
ويقول الخبراء إن العاصمة الموريتانية تتعرض لخطر زحف الرمال المتحركة والتي تزحف نحوها بسرعة 6 كلم سنويا، وهو ما يعني أن أحياء كبيرة منها معرضة للدفن تحت الرمال في العقدين المقبلين. ويذكر أن التصحر وزحف الرمال يجتاح معظم الأراضي الموريتانية بشكل كبير، حيث تبلغ نسبة الأراضي القاحلة التي ضربها التصحر حوالي 80 في المائة من مجموع الأراضي الموريتانية، لذلك تقرر أن يكون للمدن والقرى الداخلية في البلاد قسط من هذا المشروع، حيث سيتم تزويدها سنويا بحوالي 50 ألف شجرة، بغية مساعدة السكان على البقاء في أمكانهم التي تزحف الرمال عليها وتكاد تبتلعها.
موجة جفاف عاتية
وقد عرفت موريتانيا منذ سبعينات القرن الماضي موجات جفاف حادة قضت على معظم الغطاء النباتي في البلاد، واختفت بسببها نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية، وتحولت البلاد في جزئها الأكبر إلى صحاري قاحلة ورمال زاحفة لا تثبت ولا تستقر، مما قلص فرص العيش في معظم مناطقها الداخلية، وأدى إلى نزوج كبير نحو العاصمة والمدن الكبرى هروبا من التصحر وزحف الرمال:
لكن هذه الرمال بدأت تغزو العاصمة أيضا وتهددها من الشرق والشمال، تاركة خطر التهديد من الغرب للمحيط الأطلسي الذي يتربص بها في أي لحظة لينقض عليها كما يقول الخبراء.
نواكشوط في مواجهة تسونامي
حيث تواجه العاصمة نواكشوط خطر فيضان المحيط الأطلسي الذي أقيمت على شاطئه خلال خمسينيات القرن الماضي وفي موقع منخفض عن مستوى البحر.
وتقول دراسة أعدها عدد من الخبراء الموريتانيين إن المحيط الأطلسي قد يفيض على مدينة نواكشوط خلال العشرين سنة المقبلة، في ظاهرة تسونامي جديدة، بسبب ما أسموه تظافر عوامل التخريب التي يتعرض لها المجال الطبيعي.
ومن أهم مظاهر هشاشة المجال الطبيعي للعاصمة الموريتانية، هشاشة الحاجز الرملي الذي يحول بين المدينة وشاطئ المحيط، وذلك بعد أن ظل هذا الحاجز الرملي عرضة للنهب والنقل من أجل الاستخدام في ورشات البناء خلال العقود الماضية، هذا فضلا عن عوامل أخرى من أهمها عامل الاحتباس الحراري الناتج عن التغيرات المناخية والذي أسفر عن اجتياح الفيضانات لمناطق واسعة في العالم.
وحسب الدراسة فإن عشر سنوات فقط كفيلة بغمر مياه المحيط لأجزاء كبيرة من مدينة نواكشوط، وأن عام 2020 سيكون نهاية الأحياء المهددة، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية العاجلة.
الخبراء يدقون ناقوس الخطر
وقد سبق لمسؤولين موريتانيين أن أكدوا أن نتائج تلك الدراسات تتمتع بقدر من المصداقية، وأن العاصمة نواكشوط تواجه خطرا حقيقيا إذا لم يتم تلافيها، وتقول الحكومة إنها شرعت في اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، والهادفة إلى حماية الحاجز الرملي الذي يفصل بين المدينة والشاطئ.
وأشارت الحكومة إلى أنها رصدت أزيد من عشرة مناطق في الحاجز الرملي وصفتها بالثغرات الهشة التي يمكن أن تتدفق منها مياه المحيط الأطلسي باتجاه العاصمة، لذلك أصدرت قرارات بمنع أصحاب ورش البناء من نقل أتربة الحاجز الرملي للمحيط، فضلا عن خطط أخرى لتقوية الشاطئ وسد الفجوات الملاحظة فيه، تفاديا لما يمكن أن يسمى بركانا مائيا يهدد مدينة نواكشوط في كل حين.
ويتحدث بعض علماء البيئة عن ثلاثة احتمالات لو توفرت فستكون كفيلة بتحويل مدينة نواكشوط إلى فريسة لمد بحري جارف على غرار تسونامي:
وأول تلك الإحتمالات استمرار انهيار الحاجز الرملي الفاصل بين المدينة والمحيط الأطلسي، وعدم تعزيزه وتقويته، وارتفاع درجات الحرارة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري مما يؤدي إلى إذابة كميات كبيرة من الجليد تؤدي بدورها إلى فيضانات في البحار والمحيطات، فضلا عن وجود مد بحري قد يصادف هبوب رياح قادمة من الغرب حيث المحيط باتجاه الشرق حيث أحياء المدينة، هذه العوامل لو توفرت في لحظة واحدة فستكون مدينة نواكشوط في مواجهة خطر الاختفاء.
جهود لتفادي الخطر
وتسعى الحكومة الموريتانية إلى تفادي هذا الخطر عبر تعزيز حماية العاصمة بالوسائل الطبيعية، معتبرة أن ذلك يبقى أفضل من الوسائل الصناعية المكلفة، كإقامة جدار صلب بين المدينة والمحيط، أو أي إجراءات اصطناعية أخرى.
ويأتي مشروع المليون شجرة في اطار ما يسميه الخبراء خطة الوقاية الطبيعية للعاصمة، كما يتوقع أن يُشفع هذا المشروع في جانبه المحاذي للمحيط الأطلسي بعملية تعزيز للحاجز الرملي عبر رفعه بما يتراوح بين مترين ونصف وثلاثة أمتار.
الكاتب: محمد محمود أبو المعالي - نواكشوط
مراجعة: منصف السليمي