منع ورق القات في ألمانيا لا يزيد من جاذبيتها
١٥ يوليو ٢٠١٠في غرفة خلفية بأحد مباني مدينة كولونيا تجلس مجموعة تتكون من عشرة رجال، ينحدر معظمهم من دول شرق أفريقيا. ويحمل كل منهم حفنة من أوراق الشجر الخضراء، يضعها بهدوء في فمه لمضغها، ورقة بعد ورقة، ويبقيها مخزنة في أحد خديه، والذي ينتفخ بعد مضغ جميع الأوراق مثل الكيس.
قات في كولونيا
هذه الغرفة اتخذها مدمنو نبتة القات المخدرة مقراً لهم للتجمع وممارسة مضغ القات، وهي عادة شائعة بشكل كبير في دول جنوب شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا. وتنظر مجتمعات تلك الدول إلى مضغ القات كمناسبة اجتماعية، فعادة ما يقدم المضيف لضيوفه أوراق القات بعد وجبة الطعام من أجل مضغه سوياً.
وللتغلب على المذاق المر الذي يتركه القات في الفم، يرتشف الرجال بين حين وآخر من زجاجات المياه الغازية الموزعة أمامهم، بينما يدخن معظمهم السجائر مع القات ، ذلك أن مادة النيكوتين في السجائر تقوي مفعول القات. ومع سرية استهلاك القات في ألمانيا تبدو بعض المظاهر الاجتماعية الى العيان ، فالمشاركون يتجاذبون أطراف الحديث بصوت عال، والضحك يسود الجلسة.
إ
لا أن مزاج الماضغين بدأ بالتغير عند الطلب منهم إعطاء مقابلة صحفية، لدرجة أن بعضهم بدأ بمغادرة المكان رويدا رويدا. انعدام الثقة لدى ماضغي القات في ألمانيا مبرر، فهذه النبتة المخدرة ممنوعة في ألمانيا قانونياً منذ عام 1998. لكن الحاضرين أشاروا إلى أن أحد المواطنين الآلمان الذي يستهلك النبتة أيضاً، وهو مستعد لأعطاء مقابلة.
تجربة ألمانية مع القات
وبالفعل، فإن يوخن (تم تغيير الاسم) يقول بأنه تعرف على نبتة القات في إثيوبيا قبل عامين، والتي عمل فيها آنذاك في أحد المشاريع التنموية: "من الطبيعي جداً أن يتم تقديم القات للضيف إنها تشير إلى كرم الضيافة. في البداية كنت متردداً، لأنني لم أعرف ماذا أفعل بهذه الأوراق، وما هو القات بالضبط. لكن خلال الزيارة الثانية والثالثة قمت بتجريبه. كان مذاقه في البداية مراً، لكن بعد حوالي الساعة بدأت أشعر باليقظة وبالرغبة في الحديث. لقد شعرت بشعور جيد يمكن مقارنته بالقهوة إذا أردت".
لكن القات ليس بنفس براءة القهوة، إذ تفيد دراسات طبية بأن استهلاكه لفترة طويلة قد يسبب اضطرابات في النوم، واعياء، وأضرار في الغشاء المخاطي للفم أو حتى عجزاً جنسياً. إضافة إلى ذلك تولد المادتان المؤثرتان في نبتة القات، الكاثينون والكاثين، لدى المستهلك إدماناً نفسياً متزايدا. لهذا السبب تحظر القوانين الألمانية استهلاك القات.
إلا أن هذا الحظر لا يشكل عائقاً لمن اعتادوا مضغ القات في بلدانهم، فعادة ما يتم تهريب القات من الأراضي الهولندية المجاورة، والتي تجيز استهلاك النبتة. ويتم استيراد القات بالطائرة من كينيا وتحويله للاستهلاك بسرعة، إذ أن أوراق القات تفقد مفعولها المخدر بعد وقت وجيز من قطفها.
ألمانيا لا تشكل سوقاً للقات
وبحسب معطيات مكتب الشرطة الاتحادي الألماني فإن مهربي القات الذين يتم القبض عليهم عادة ما ينحدرون من الصومال، وفي السنوات الأخيرة زاد حجم شحنات القات التي يتم ضبطها، والتي وصلت إلى حوالي 30 طناً سنوياً. ويتجه معظم هذا القات إلى الدول الاسكندنافية، حيث تعيش جالية كبيرة هناك من شرق أفريقيا. ولا تعتقد الشرطة الألمانية بوجود سوق كبير للقات في ألمانيا ، وهو ما يؤكده المستهلك الألماني يوخن: "كمواطن ألماني يصعب علي الحصول على القات هنا، فهو غالباً بحوزة مواطني دول شرق أفريقيا. لكن عندما أسألهم عما إذا كان بإمكانهم تزويدي بأوراق القات، فإنهم يرفضون بيع أي شيء منه، إما حذراً أو خوفاً من أن يوصموا بأنهم تجار مخدرات".
هذا وتعتبر النساء في شرق أفريقيا من أشد خصوم القات، مثل أمينة من الصومال التي تقول: "إن القات لا يجلب أي شيء سوى الدمار: دمار الصحة والعائلة، فالأب لا يعرف إطلاقاً ماذا يفعل أطفاله، لأنه يقضي يومه كله في مضغ القات أو في التفكير في مضغه. لقد كان والدي يمضغ القات قبل عشرة سنوات، وكان يشعر بالفرحة لقدوم يوم الجمعة، لأنه اليوم الذي يأتي فيه القات. وكان من عادته أن يبدأ مع أصدقائه بمضغ القات مساء في السادسة، ويفرغ في صباح اليوم المقبل في السادسة. لقد كانوا يمضون كل هذا الوقت في الجلوس والثرثرة. آمل أن ينتهي هذا الأمر في يوم ما ويتم منع القات بشكل كامل".
الكاتب: بشير عمرون/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبدالحي العلمي