من يركب حصان طروادة السلفيين في تونس؟
١٥ أكتوبر ٢٠١١أثارت التحركات المكثفة والمتعددة الجبهات التي تقوم بها في الآونة الأخيرة جماعات من السلفيين في تونس تساؤلات حول توقيتها والأهداف التي ترمي إليها، لاسيما أنها تأتي قبيا انتخابات مصيرية في تاريخ البلاد، وهي الأولى تنظم في إطار الحرية والتعددية بعد ثورة الرابع عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، وكانت مهدا للربيع العربي.
ويعتبر أحدث تحرك للجماعات السلفية قيامهم مساء أمس الجمعة(14 اكتوبر/تشرين الأول) بمهاجمة منزل مدير قناة نسمة التونسية الخاصة في العاصمة تونس، من قبل حوالى مئة شخص، وجاء الهجوم بعد يوم من التظاهرات في تونس، التي شارك فيها سلفيون احتجاجا على بث القناة فيلم برسيبوليس الذي يتضمن مشهدا يظهر فيه رجل عجوز ملتح فسر على انه يمثل الله.
ويتساءل مراقبون في تونس إن كان السلفيون "يستعرضون عضلاتهم" قبل موعد الانتخابات أم أن هناك جهات تحرّكهم أو تستغلّ تحركاتهم لغايات معيّنة. وجدير بالملاحظة أن السلفيين لم يكونوا يجرؤون على التظاهر أو الاحتجاج في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي خشية من بطش أجهزة الأمن.
ويقول المحامي سمير بن عمر المتخصص في قضايا الإرهاب في حوار مع دويتشه فيله إن بن علي زجّ بحوالي 2000 تونسي معظمهم من الشبان المتأثرين بالفكر "الجهادي السلفي" في السجون بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي استصدرته تونس سنة 2003. وقد أفرجت السلطات التونسية (بعد سقوط نظام بن علي) عن كل هؤلاء المساجين. ويقدّر الإسلامي المعتدل عبد الفتاح مورو القيادي السابق في "حركة النهضة" الإسلامية عدد السلفيين في تونس بنحو 20 % من مرتادي دور العبادة في البلاد التي يوجد فيها اليوم حوالي 5 آلاف مسجد وجامع.
أهم تحركات السلفيين بعد الإطاحة ببن علي
يشبه سلفيو تونس الأفغان في لحاهم الطويلة وملابسهم. ويعود أوّل تحرّك لهم في تونس (بعد الإطاحة ببن علي) إلى يوم 18 فبراير 2011 عندما تصدّت الشرطة وقوات من الجيش لحوالي 400 سلفي حاولوا اقتحام أقدم بيت دعارة (مرخّص له) في العاصمة تونس من أجل غلقه و"تطهير المدينة من الدنس". وفي 26 يونيو/حزيران 2011 هاجم العشرات من الملتحين قاعة سينما "أفريكا آرت" وسط العاصمة تونس ومنعوا بثّ شريط "لا الله لا سيدي" الذي جاهرت فيه المخرجة التونسية نادية الفاني المقيمة بفرنسا بإلحادها. وفي شهر رمضان الماضي هاجم عشرات السلفيين مطاعم خاصة بالمفطرين في مدينة جندوبة (شمال غرب) وأتلفوا محتوياتها وأحرقوا بعضها.
وأحدث تلك التحركات، اقتحام عشرات الملتحين يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2011 كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة (جنوب العاصمة) وتهديدهم بـ"ذبح" موظّف بعد رفضه تسجيل طالبة منقبة ثم عادوا في اليوم الموالي (06 أكتوبر) واعتدوا عليه بالعنف الشديد بعد أن تمسّك برفض تسجيل الطالبة ما لم تكشف عن وجهها حتى يتأكد من هويتها.
وفي يوم 09 أكتوبر 2011 استعملت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات من السلفيين حاولوا مهاجمة مقر تلفزيون "نسمة تي في" الخاص (وسط العاصمة تونس) احتجاجا على بثّه فيلم رسوم متحركة تضمّن "تجسيدا للذات الإلهية". كما تظاهر في نفس اليوم مئات من السلفيين أمام أكبر حرم جامعي في العاصمة تونس مطالبين بالسماح للطالبات بدخول الجامعة بالنقاب.
أكبر فصيلين إسلاميين ينأيان عن السلفيين
وقد نأت "حركة النهضة" وهي أبرز تنظيم إسلامي معترف به في تونس و"حزب التحرير" (غير معترف به) الذي يدعو إلى إقامة "دولة خلافة" إسلامية (في تونس) بنفسيهما عن كل التحركات التي قام بها السلفيون منذ الإطاحة بنظام بن علي. المحامي سمير ديلو عضو المكتب السياسي لحركة النّهضة أعلن يوم 09 أكتوبر 2011 عن "إدانة" الحركة لمحاولة اقتحام تلفزيون "نسمة تي في" وقال إنه على من يريد انتقاد القناة أن "يعبر عن ذلك في الصحافة وألا يستخدم العنف".
ونفى رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير أن يكون حزبه "سلفيا" وقال في تصريح صحافي نشرته (يوم 12 أكتوبر 2011) جريدة الشروق اليومية:"حزب التحرير ليس حزبا سلفيا لأن مرجعنا ليس السلف من أي جيل من الأجيال...إن مرجعنا الأول هو القرآن والسنة نجتهد كما اجتهدوا". وفي ظل نفي أهم فصيلين إسلاميين في البلاد علاقتهما بالسلفيين اتهم تونسيون جهات داخلية وأخرى أجنبية بتحريك السلفيين.
السلفيون من يقف وراءهم؟
نائلة السليني الأستاذة الجامعية بكلية العلوم الإنسانية في العاصمة تونس تتهم "الحركة الوهّابية" السعودية "بدفع" و"دعم" سلفيي تونس اللذين شبهتهم بجماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" المنتشرة في السعودية. وتقول السليني إن سلفيي تونس ومصر "يتلقون التعليمات من الوهّابيين الذين يريدون على حد قولها "إجهاض" الثورة التونسية والمصرية حتى لا تمتد عدوى الثورات إلى السعودية.
وبحسب الأستاذ الجامعي التونسي علية العلاني الباحث في التاريخ السياسي والحركات الإسلامية المغاربية، فإن الصراع بين المؤسسة الدينية في تونس والحركة الوهابية يعود لفترة طويلة، فقد رفض علماء جامع الزيتونة التونسي دعوة بالانضمام إلى الوهّابية، وجّهها آل سعود سنة 1803 إلى باي تونس.
أما المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أحد أبرز الوجوه المعارضة لنظام بن علي، فهو لا يستبعد أن تكون بقايا نظام الرئيس المخلوع بن علي هم من يحرّك السلفيين لتوريطهم في أعمال عنف من أجل إرباك العملية الانتخابية.
ومن جهته، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة حذّر في وقت سابق السلفيين من الوقوع في فخ الاستفزاز والانجرار وراء أعمال عنف قد تستغلها أطراف لتشويه صورة الإسلاميين في تونس مثلما كان يفعل نظام بن علي. وأشار الغنوشي إلى أن البوليس السياسي نجح في استدراج سلفيين "متحمسين" هاجموا (يوم 26 يونيو/حزيران 2011) قاعة سينما "أفريكا آرت" ولفت إلى أن كثيرا من المشاركين في هذا الهجوم كانوا يحملون لحى مركّبة (مصطنعة) سقط بعضها على الأرض.
وفي المقابل اتهم بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، الحكومة بالتخطيط لتشويه صورة حركة النهضة التي رشحتها كل استطلاعات الرأي إلى الفوز بأعلى نسبة تصويت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (23 بالمائة من الأصوات). ولم يستبعد هؤلاء أن تكون الحكومة الحالية تطبّق "أجندة أمريكية أو أوروبية لتحجيم الإسلاميين قبل الانتخابات" فيما يرى آخرون أن تحركات السلفيين لا تعدو أن تكون استعراضا للعضلات وحبا للظهور قبل موعد الانتخابات.
منير السويسي- تونس
مراجعة: منصف السليمي