عقد كامل على اختطاف أول رهينة أجنبي في العراق
٢ فبراير ٢٠١٥يرفض الفرنسي جورج مالبرونو بشدة العودة إلى العاصمة العراقية بغداد، مضيفاً: "لا أريد أن يُقطع رأسي". فقد أخاف قطع رؤوس صحفيين أمريكيين وعامل إغاثة بريطاني ورحالة فرنسي في الجزائر، ومؤخراً إحدى الرهينتين اليابانيين من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف إعلامياً بـ"داعش"، أخاف كبير مراسي صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية. ولكن رغم ذلك، ما زال مالبرونو مفتوناً بالعراق، ويحرص دوماً على مراقبة أوضاع هذا البلد ومتابعة أخباره.
في عام 2004، اختطف جورج مالبرونو، البالغ من العمر 52 عاماً، وزميله العامل في الراديو كريستيان شيسنو، من قبل مجموعة سنية متطرفة. لقد كانا أول صحفيين أجنبيين يُختطفان في العراق، وقد قضيا نحو أربعة شهور في قبضة خاطفيهم، إلى أن تم تحريرهما قبيل عيد الميلاد من نفس العام. لكن ما أعقب ذلك كانت موجة من الاختطافات، التي عمت العراق بأكمله.
وبعد تحريرهما وعودتهما إلى فرنسا، أسديت إلى مالبرونو وشيسنو نصيحة بأن يحرصا على مشاعر الرهائن الآخرين. لذلك، لم يرو أي منهما تفاصيل حول ظروف احتجازهما، سوى أنهما عوملا بعدل. وبعد أسبوعين من ذلك، تم اختطاف الصحفية الفرنسية فلورنس أوبينا. واليوم، يقول جورج مالبرونو إن خاطفيه لم يعاملوه بشكل سيء إجمالاً، إلا أنهم هددوه بالقتل على مدى أسبوع بأكمله.
اختطاف بالصدفة المحضة
ويضيف مالبرونو: "مواجهة الموت بشكل مستمر ليس مريحاً على الإطلاق"، ولا يرغب في تذكر ذلك أبداً، إذ تدهورت حالته النفسية لمدة ستة شهور كاملة بعد الإفراج عنه، إلى أن عاد إلى العمل بشكل كامل ولم يفكر في ذلك كثيراً. ويتابع بالقول: "لقد كنا محظوظين أننا لم نختطف من تنظيم القاعدة مباشرة"، ذلك لأن الرهائن آنذاك كانت تقطع رؤوسها، وهو منهج ما زال تنظيم "داعش" يسير عليه اليوم".
لقد كان اختطاف الصحفيين الفرنسيين آنذاك صدفة محضة، إذ كانا في طريقهما من بغداد إلى مدينة النجف، التي تبعد 140 كيلومتراً عن العاصمة، لعمل تقرير هناك، عندما أوقفتهما مجموعة سلفية تدعى "الجيش الإسلامي". وعندما رأى مقاتلوا هذه المجموعة أن هناك أوروبيان في السيارة، قاموا باحتجازهما. في ما بعد، سميت المنطقة التي اختطف فيها مالبرونو وشيسنو باسم "مثلث الموت"، لأن أي أجنبي لم ينجح في عبورها سالماً.
وعلى مدى الـ124 يوماً التي قضاها الرهينتان في الأسر، غيّر الخاطفون مكان احتجازهما أربع مرات، وبعد مرور شهرين، قال لهما الخاطفون إنهما لن يُعدما، وإنما سيتم التفاوض على مصيرهما. ويفترض جورج مالبرونو أن الخاطفين كانوا منذ البداية يريدون فدية مالية. وفي ما بعد، علم مالبرونو أن الولايات المتحدة أفرجت عن معتقلين من "الجيش الإسلامي" مقابل رهائن، بينما كشفت صحف بريطانية عن دفع الحكومة الفرنسية 15 مليون دولار فدية مالبرونو وشيسنو، وهو ما تنكره باريس حتى اليوم.
السياسة والمال جنباً إلى جنب
في ما بعد، اكتشف الصحفي الفرنسي أن "الجيش الإسلامي" انحلّ وانضم بعض أعضائه إلى تنظيم القاعدة، بينما ذهب آخرون إلى "الصحوات" التي أنشأتها عشائر سنية عراقية وقاتلت ضد القوات الأمريكية إلى جانب القاعدة. وبالعودة إلى الوقت الراهن وإلى الدراما المحيطة بقتل "داعش" لرهينة ياباني واحتجاز ياباني آخر وأردني، فإن الأمر أيضاً يتعلق – بالنسبة لليابانيين – بفدية مالية وبتبادل للأسرى بالنسبة للأردني، في إشارة إلى تماشي السياسة مع المال.
ولكن رغم أن تبادل الأسرى عرفٌ متفق عليه دولياً، إلا أن دفع فدية مالية في حالات احتجاز رهائن ما زال أمراً مثيراً للجدل والنقاش. فبينما ترفض الولايات المتحدة ذلك رفضاً قاطعاً، تعلن دول أوروبية واليابان أيضاً استعدادها للتفاوض.
الدفع أم عدم الدفع؟
ويقول مالبرونو إن فرنسا عانت في السنوات الماضية من حالات اختطاف عديدة لمواطنيها، وذلك لأنها باتت ذات سمعة حول العالم بأنها مستعدة لدفع فدية مالية، ولأن اختطاف الصحفيين بشكل عام أصبح يخلق ضجة إعلامية كبيرة يمكن للخاطفين استغلالها لصالحهم.
لكن في الوقت الحالي، بات من المعروف للجميع أن فرنسا، ورغم رفضها رسمياً دفع أية فدية مالية لتحرير رهائنها، إلا أن دولاً أخرى صديقة لها، مثل قطر، تقوم بذلك نيابة عنها. أما بالنسبة لمالبرونو، صحفي جريدة "لو فيغارو" والرهينة السابق، فرأيه منقسم إزاء مسألة دفع الفدية المالية. فمن الطبيعي ألا يدفع أحد فدية كي لا يملأ خزائن التنظيمات الإرهابية، ولكن هل هذا ممكن دائماً؟
وعلى أية حال، فإن جورج مالبرونو وكريستيان شيسنو ربما لم يكونا على قيد الحياة اليوم لو لم تدفع حكومة بلادهما آنذاك فدية تحريرهما.