"مواقف البطريرك الماروني من النظام السوري مضرة بالمسيحيين"
٢ أكتوبر ٢٠١١ربما هي من المرات النادرة في تاريخ العلاقات اللبنانية الأمريكية أن يقوم بطريرك الموارنة بزيارة للولايات المتحدة دون أن يُحَدد له موعد مسبق للقاء سيد البيت الأبيض. فالبطاركة الموارنة عادة ما يُستقبلون بحرارة في واشنطن نظرا للمكانة التي يحتلها هؤلاء في بلادهم على المستويين السياسي والروحي. ومعروفة زيارات البطريرك السابق مار نصر الله بطرس صفير إلى الولايات المتحدة والاستقبال الحار الذي كان يلقاه من الرؤساء الأمريكان. وربما الاستثناء هذه المرة مع البطريرك الجديد مار بشارة بطرس الراعي الذي وصل إلى الولايات المتحدة في زيارة تستغرق عدة أيام دون أن تكون له أية مواعيد مسبقة مع مسؤولين أمريكيين.
فواشنطن ممتعضة من تصريحات الراعي التي أطلقها منذ فترة في باريس والمتعلقة بمسيحيي الشرق والاحتجاجات الشعبية التي تعم سوريا منذ سبعة أشهر. الراعي فاجأ يومها خصومه وأصدقاءه على السواء حين دافع عن الرئيس السوري بشار الأسد وطالب بإعطائه "المزيد من الفرص لإجراء الحوار الداخلي وتطبيق الإصلاحات السياسية التي بدأها". وحذر البطريرك الماروني مما وصفها "مرحلة انتقالية في سوريا قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرق"، وذلك في إشارة إلى احتمال سقوط النظام السوري تحت ضغط الشارع. كلام البطريرك أثار ردود فعل متباينة مازالت تتواصل حتى الآن. فالكنيسة المارونية معروفة بعلاقاتها الحذرة مع دمشق وسلف الراعي قاد المعارضة المسيحية ضد النظام السوري.
خوف على مستقبل مسيحيي الشرق
الأب عادل تيودور خوري، الأستاذ السابق لعلوم الأديان في كلية اللاهوت الكاثوليكية في جامعة مونستر الألمانية، يستغرب من هذه "الضجة التي أثيرت حول تصريحات البطريرك والتي تصوره كحليف للنظام السوري". ويضيف خوري، في حوار مع دويتشه فيله، أن ما طرحه البطريرك يتعلق بمخاوف وهواجس مسيحيي الشرق خصوصا بعد معاناتهم في العراق، إذ يدرك البطريرك أن للاحتجاجات في سوريا "تأثيرا على وضع المسيحيين هناك لكنه لم يربط مصيرهم بالنظام السوري". ويشدد خوري على أن دعوة البطريرك إعطاء "المزيد من الفرص للرئيس السوري لإجراء الإصلاحات السياسية التي بدأ بها لا تعني إطلاقا أنه يربط مصير المسيحيين ببقائه".
أما هايكو فيمن، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين، فيربط موقف البطريرك من النظام السوري بالوضع اللبناني وتغيير موازين القوى هناك عبر تحول الأغلبية المتمثلة بقوى الرابع عشر من آذار (بزعامة سعد الحريري) إلى أقلية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي القريب من سوريا والمدعوم من حزب الله، القوة الأساسية في الأغلبية الجديدة والتي تعرف بقوى الثامن من آذار. ويضيف فيمن، في حوار مع دويتشه فيله، أن الراعي ينظر إلى وضع الموارنة في لبنان في إطار أوسع من سابقه، أي من خلال ربط مصيرهم بمسيحيي الشرق عموما على نقيض سلفه الذي كان يتصرف كزعيم روحي لبناني.
"الرهان على تحالف الأقليات ضد الأغلبية خاطئ"
ويرى الباحث الألماني أن البطريرك الماروني بشارة الراعي لم ينطلق في مواقفه الجديدة "حرصا على النظام السوري أو تأييدا له، بل خوفا من انهيار الدولة السورية وما يترتب على ذلك من مجهول يشكل خطرا كبيرا على مسيحيي سوريا ولبنان".
لكن الباحث اللبناني المتخصص في شؤون الهجرة ومسيحيي الشرق رالف غضبان يرى أن مواقف البطريرك بشارة الراعي "مضرة جدا بالمسيحيين على المدى البعيد". ويضيف غضبان، الأستاذ في الكلية الإنجيلية في برلين، في حوار مع دويتشه فيله، أن الهواجس والمخاوف على وضع مسيحيي الشرق مبررة ومشروعة لكن "التحالف مع نظام البعث السوري لم يشكل ضمانة لمسيحيي الشرق بل ساهم في هجرة المسيحيين من لبنان وهذا واقع يعرفه الجميع".
ويشدد غضبان على أن "الرهان على تحالف الأقليات ضد الأغلبية السنية في المشرق خاطئ تاريخيا، فالأنظمة الدكتاتورية لن تستمر في ظل الربيع الثوري العربي وبالتالي من مصلحة المسيحيين المراهنة على المستقبل وليس الماضي".
ويؤكد غضبان على أن "الخوف من الثورة السورية غير مشروع، لأنها بدأت بمطالب سياسية وهي مازالت سلمية بعد سبعة أشهر، بينما اعتمد النظام السوري الحل العسكري والأمني". وحسب الباحث اللبناني المقيم في ألمانيا فإن البطريرك بشارة الراعي "يمثل الماضي وأن مواقفه تشكل الخطر الفعلي على مسيحيي الشرق لأنه يضع السنة، الذين يشكلون الأكثرية في المنطقة، في خانة التطرف وهذا خطر جدا. إذا لا يعقل أن نضع السنة كلهم في خانة واحدة مع السلفيين. أرى من الضروري أن يشارك المسيحيون في الحركة الاحتجاجية وأن تصمت الكنائس في هذه الفترة تاركة جمهورها يتصرف بحرية".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي