موجة الغضب الإسلامية تعمق الفجوة بين الشرق والغرب
١٨ سبتمبر ٢٠٠٦لا شك بأنه لا يمكن وصف اقتباسات البابا المثيرة للجدل بالحكمة أو الذكاء. ولكن تصرف أولئك الذين سارعوا لاغتنام هذه الفرصة وجعلها ذريعة من أجل مهاجمة البابا ومطالبته بتقديم اعتذار رسمي كما فعلت بعض الجماعات الإسلامية المتشددة التي وصفت تعبير البابا عن أسفه البالغ لردود الفعل التي أثارتها تصريحاته بغير الكافية، لم يكن حكيما أيضا. المحلل السياسي بيتر فيليب يرى أن ردود الأفعال المتسمة بالعنف يمكنها أن يزيد من غطرسة الغرب تجاه الإسلام. لاسيما وأن الحبر الأعظم لم يترك مهمة إزالة سوء التفاهم هذا لأحد معاونيه من الفاتيكان مثلا، بل قد سارع بنفسه لتولى هذه المهمة، الخطوة التي وصفها الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة مثلا بأنها مؤشرا على عدم وجود سوء نية.
عدم تفهم للغضب الإسلامي
يشعر كثيرون في ألمانيا بتفهم للاعتراضات التي أبداها المسلمون على خطاب البابا، لكنهم لا يستطيعون تفهم ردود الأفعال التي صدرت من البعض واتسمت بالعنف. لودفيغ رينغ آيفل مدير وكالة الأخبار الكاثوليكية قال للقناة الألمانية الأولى (آ إر دي) في برنامجها الإخباري تاغيس شاو إنه لا يعتقد فعلا أن غالبية المسلمين تنظر إلى البابا بينيديكت السادس عشر على أنه شخص يكن الكراهية والاحتقار للمسلمين. وهذا ما يجعل في الحقيقة ردود فعل المسلمين مؤسفة أكثر لاسيما وأن البابا قد أكد غير ما مرة في ذات المحاضرة في ريغينسبورغ بل وفي كل محطة له أثناء زيارته لولاية بافاريا على ضرورة مواصلة الحوار وتفعيله بين الطرفين الإسلامي والغربي وذلك على أساس الاحترام المتبادل، بعبارة أخرى حوار يقوم على احترام الطرف لمقدسات الطرف الآخر.
أما البروفيسور فيرنر إنده، أستاذ العلوم الإسلامية السابق في جامعة فرايبورغ الذي تسنت لموقعنا فرصة إجراء لقاء هاتفي معه، فيعتبر ردود فعل البعض في العالم الإسلامي خطأ، مشيرا إلى أن إحراق دمية تمثل البابا مثلا أو قتل راهبة في صوماليا الذي من الممكن أن يكون ذي صلة بالنزاع حول كلمة البابا، لن تصل بنا إلا إلى تصعيد الأزمة وزيادة حدة النزاع بين الطرفين نظرا إلى أن هذه الصور التي تنقل إلى الغرب على شاشات التلفاز تعزز ولا شك انطباع الغرب الخاطئ عن الإسلام بأنه دين يتسم بالعنف.
أستاذ أم بابا؟
بروفيسور العلوم الإسلامية فيرنر إنده يعتبر إيراد الاقتباس من قبل البابا أمرا عاديا ومشروعا يخلو من السلبية، لا سيما وأن البابا قد تحدث بمحاضرة في سياق أكاديمي. ولكن الأستاذ يشك فيما إذا كان البابا قد تصرف هنا بحنكة وذكاء لإيراده هذا الاقتباس المختصر بالذات من سياق أكبر بكثير دون التطرق إلى تفاصيل أكثر ودون التأكيد مسبقا على أن هذا ليس رأيه الشخص بل مجرد اقتباس فقط. ولربما كان خطأ البابا أنه قد تناسى هنا لبرهة قصيرة من الزمن أنه يمثل كافة الكاثوليكيين في العالم وتحدث بشكل أكاديمي أمام عدد من الحاضرين في قاعة المحاضرات في جامعة ريغينسبورغ التي عمل فيها أستاذا سنوات طويلة ناسيا الملايين الذين يتتبعون كلمته على شاشات التلفاز.
وهذا ما يراه بالمناسبة لودفيغ رينغ آيفل أيضا الذي يقول إن علينا أن نتفهم أولا أن البابا بينيديكت السادس عشر لم يتحدث كبابا وإنما أراد فقط إلقاء محاضرة في سياق أكاديمي مقتبسا بذلك كلمات قيصر بيزنطي من القرن الخامس عشر. ولم يقصد بذلك القول بأن هذا هو رأيه الشخصي أيضا كما صرح البابا نفسه أمس الأحد 17 أيلول سبتمبر من على شرفته في الفاتيكان، غير أن رينغ آيفل قد وصف كلمة البابا بأنها ساذجة لو نظرنا إليها سياسيا، حيث أنه كان بوسعه أن يدرك ما ستسبب به مثل هذه الأقوال بعد ما شاهدناه من ردود فعل إسلامية في سياق النزاع حول الرسوم الكاريكاتورية.
الحوار هو الحل
لربما كان بإمكان الطرفين أن يعيشان جنبا إلى جنب بشكل أفضل لو تحلى كل منهما بقسط أكبر من التفهم وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يلعبون أدورا رئيسية في الصراع ما بين الحضارات والذين لا يبحثون عن الحوار والتفاهم وعن إيجاد حلول وسط، بل عن إخضاع الطرف للطرف الآخر، كما يقول بيتر فيليب في تقريره. ويتابع فيليب قائلا إن تعايش الطرفين من الممكن له أن يتسم بسلمية أكبر لو سعى كل منهما إلى العمل مع بعضهم البعض بدلا من العمل ضد بعضهم البعض. فلا شك أن الأخطاء ترتكب من كلا الطرفين منذ المئات من السنين، كما يظهر لنا هذا الاقتباس. ويرى فيليب أن تعبير "مندوب الله على الأرض"(البابا)، كما يسميه الكاثوليك، عن أسفه أمس الأحد جاء بمثابة رمزا لإنسانيته ولربما كان ذلك إشارة لغيره من أجل التخلي عن عدم التسامح والغطرسة واستبدال ذلك بالإنسانية والتواضع والعقلانية والقيام أيضا بمهمتهم من أجل الحد من تصعيد النزاع بين الطرفين.