موقف شيخ الأزهر من تعدد الزوجات بعيون المصريات
٨ مارس ٢٠١٩جدل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر واهتمام إعلامي أثارته تصريحات شيخ الأزهر، أحمد الطيب، التي أطلقها على الفضائية المصرية الرسمية يوم الجمعة الماضية (الأول من آذار/مارس 2019). الإمام الأكبر قال في برنامج "حديث شيخ الأزهر" إن تعدد الزوجات "ظلم للمرأة" وليس "الأصل" في الإسلام وأنه مشروط بـ"العدل" و"حق مقيد" و"رخصة" تحتاج إلى سبب.
ومع أنها ليست المرة الأولى التي يثير الشيخ أحمد الطيب، الذي تولى مشيخة الأزهر عام 2010، المسألة، إلا أنه لأول مرة يصف فيها التعدد (غير المشروط) بـ"الظلم"، ومما جاء في سياق كلامه بالحرف "مسألة تعدد الزوجات (...) شهدت تشويهاً للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية".
اجتهاد "جرئ" يتبعه "تراجع"
الباحثة بشؤون المرأة فيما يتعلق بقضايا الفقر والعمالة والتمكين في مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتورة هانيا شلقامي، ترى في تصريح خاص بـ DW عربية أن كلام الشيخ اجتهاد "مهم وجرئ" من رأس مؤسسة دينية تتمتع بمكانة وازنة ضمن الأوساط المجتهدة الإسلامية.
أما وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية (يساري) والناشطة نسوية، إلهام عيداروس، فترى أن الكلام فيه "قدر" من الإيجابية من زاوية أن الشيخ يحاول إقناع الرجال على المستوى الشخصي، إلا أنها نوهت إلى "تراجع" الأزهر جزئياً عن ما صرح به الشيخ.
وكان الأزهر قد سارع إلى إصدار بيان على موقعه الرسمي، قبل أن تمضي أربع وعشرون ساعة على تصريحات الشيخ، أكد فيه أن الشيخ لم يتطرق مطلقاً إلى تحريم أو حظر تعدد الزوجات، مشدداً أنه سبق للشيخ أن قال في مؤتمر الإفتاء العالمي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016 ما نصه: "لا أدعو إلى تشريعات تلغي حق التعدد، بل أرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن أو السنة المطهرة، أو يمسّها من قريب أو بعيد؛ وذلك كي أقطع الطريق على المزايدين والمتصيدين كلمة هنا أو هناك، يقطعونها عن سياقها، ليتربحوا بها ويتكسبوا من ورائها".
تيارات "تتجاذب" النفوذ
بيان الأزهر طرح علامة استفهام حول وجود تيارات تتجاذب النفوذ داخل مؤسسة الأزهر. تعتقد هانيا شلقامي، المنسقة الإقليمية العامة سابقاً لمشروع "مسارات" في أجل العدالة للأسرة والمرأة، أن "هناك تيارات شديدة المحافظة داخل الأزهر إلى حد بعيد، سلفية وربما إخوانية" مؤكدة أن حجم التيار الذي يقوده الشيخ أحمد الطيب لـ"إنصاف" المرأة ضئيل جداً. إلهام عيداروس، التي تدعو إلى إصدار تشريعات تقيد التعدد، كما هو الحال في المغرب وماليزيا، تمهيداً لإلغائه، لم ترغب في تصريحها لـ DW عربية بالتعليق على قضية التيارات: "لا أستطيع تحديد حجم التيار الذي يمثله شيخ الأزهر فيما يخص قضية المرأة".
وقد اتصلت DW عربية بمكتب الشيخ للاستفسار أكثر عن مقاصده والتعليق على الجدل المثار، إلا أن مكتبه أفاد أن الشيخ لا يعطي أي تصريح صحفي منذ ثلاث سنوات، ما عدا برنامجه الأسبوعي على الفضائية المصرية.
حجرة "عثرة"
هانيا شلقامي، صاحبة المؤلفات العديدة باللغتين الإنكليزية والعربية، "تقدّر" باعتبارها امرأة دور شيخ الأزهر في الاجتهاد لإنصاف المرأة، على حد تعبيرها، وتعتقد أن الأزهر سيمضي بموضوع "إنصاف" المرأة إلى حد بعيد، ولكن بوتيرته وسرعته ولغته وأسلوبه، حسب رأيها. وتتساءل: "ما جدوى أن يغرد الشيخ خارج سرب الأزهر والسرب الإسلامي بما يرضي النسويات والسلطة، ولكن يفقده المصداقية ودعم القواعد له وبالتالي يفقده القدرة على التغيير والمزيد من الإنصاف للمرأة؟"، مقتنعة أن التغيير يجب أن يكون "تدريجياً ومن داخل المؤسسة وعن قناعة، لا عن طريق الضغط"، على حد تعبيرها.
لكنّ إلهام عيداروس تثير نقطة أنّ الأزهر "يُبقي الأمر في إطار النصح والإرشاد للأفراد ولن يذهب إلى حد دعم رؤية تشريعية قانونية وفقهية جديدة". واستشهدت بقضية "الطلاق الشفهي". وكان الأزهر رفض دعوة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة ألقاها في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، بمناسبة الاحتفال السنوي بعيد الشرطة، لإصدار قانون يقضي "بألا يتم الطلاق إلا أمام مأذون" أي حظر الطلاق شفوياً.
كما ساقت الناشطة السياسية والنسوية مثالاً آخر للبرهنة على ما تقول: "الأزهر لم يدفع في اتجاه إصدار تشريع يبيح الإجهاض للمغتصبات، على الرغم من إفتاء شيخه آنذاك، محمد سعيد طنطاوي، بهذا المعنى". وتؤكد إلهام عيداروس أن الأزهر عندما يريد إصدار أو منع إصدار تشريع قانوني وفق رؤيته فإنه قادر على ذلك، وليس "عاجزاً".
بين السلطتين الدينية والسياسية
طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد توليه الرئاسة في عام 2014 بتجديد الخطاب الديني. وهذا قد يفسر جزئياً الترحيب الذي لقيته تصريحات شيخ الأزهر من "المجلس القومي للمرأة" الحكومي الذي أعربت رئيسته مايا مرسي في بيان السبت الماضي عن "عميق تقديرها وشكرها للشيخ الجليل إمام الأزهر الشريف عن مقولة الحق الصادرة منه ليس لأي غرض ولكنه بدافع تنوير العقول وإظهار الحق، وتأكيده الدائم على أن الدين الإسلامي الحنيف كرّم المرأة وأنصفها وأعطاها حقوقاً عديدة لم تكن موجودة من قبل".
وترى هانيا شلقامي أن السلطة السياسية أكثر تقدمية في حقوق النساء: "السلطة داعمة للمرأة من ناحية التمثيل في مؤسسات الدولة وتغيير بعض القوانين". وتوصّف الفرق بين موقف الأزهر والسلطة بأنّه "فرق سرعات"، ذاهبة إلى أن الدولة أكثر سرعة، وفي نفس الاتجاه. وترجع هذا الفرق في السرعات إلى اختلاف الآليات وطريقة التفكير واختلاف الجمهور والقواعد.
أما إلهام عيداروس فتعتقد أن السلطة تستخدم أحياناً قضية المرأة لكي تبدو "أكثر" انفتاحاً وتنويراً من الأزهر، جازمة بأنها ليست أولوية عند السلطة السياسية: "كل ما في الأمر أن الرئيس يتغنى ويتغزل بين الحين والآخر بالمرأة، لكن دون وجود إرادة سياسية حقيقية لتحويل الكلام إلى مكتسبات فعلية للمرأة المصرية". وتذهب إلى أبعد من ذلك إلى القول إنه عند حدوث أي صدام حقيقي مع المؤسسات الدينية تتراجع السلطة وتترك الأمر بأكمله لتلك المؤسسات وتستشهد بقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين: "النقاش محصور الآن بين الكنائس فقط، ولا دور للمجلس القومي للمرأة أو وزارة التضامن الاجتماعي ولا أي جهة حكومية أخرى". كما تسوق مثال طرح الأزهر مشروع للأحوال الشخصية للمسلمين.
مزايدة أم تقاعس؟
يخشى البعض، ومنهم الباحثة هانيا شلقامي من "إضعاف" الأزهر، ما قد ينتج عنه من "استغلال" الإخوان والسلفيون لموقفه للمزايدة عليه وبالتالي "فقدان" الصوت المعتدل. أما إلهام عيداروس فترى أن ذلك "حجة من الأزهر للتقاعس عن تحقيق مطالب المرأة". وتعود مرة أخرى للتاريخ القريب: "في 2008 ذهبت السلطة والأزهر لإصدار تشريع يحرّم ختان الإناث، على الرغم من معارضة نواب الإخوان في البرلمان. أي أن ما يأتي على هواهم يمضوا فيه، وما يخالفه يعارضوه".
وتتهم إلهام عيداروس السلطتين الدينية والسياسية بالوقوع تحت هيمنة "التفكير الأبوي-الذكوري". وتنصح المرأة المصرية بالتعويل على ساعديها وكفاحها فحسب.
خالد سلامة