هل انقلب الإعلام الألماني على ميركل بسبب اللاجئين؟
٢٠ يناير ٢٠١٦الصفحة الرئيسة لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية قد تكون نغصت على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فطورها الصباحي. فالصحيفة الأكثر مبيعا في ألمانيا خصصت صدر صفحتها الأولى بالكامل لتصوير رأس ميركل على شكل هالة سوداء بعنوان "هل مازالت ميركل الأنسب؟ متسائلة ما إذا كانت ميركل ملائمة لتحكم ألمانيا.
ما بين كلمات هذا السؤال، نقلت الصحيفة ما اعتبرته المشاكل الرئيسة لميركل وهي "عدم الاحترام، الافتقار إلى السلطة، والصراع حول السلطة" – "الإرهاب، الإجرام، السلطات المثقلة بالأعباء" قبل أن تضيف:"سياسة ميركل بخصوص اللاجئين" إلى قائمة أخطاء المستشارة.
إنها بدون شك الهجمة الأشرس والأكثر مباشرة ضد زعيمة لطالما تمتعت بشعبية كبيرة طيلة فترة حكمها لأقوى اقتصاد في أوروبا. وعندما تأتي هذه الهجمة من أكبر دار نشر في ألمانيا "Springer Verlag Axel" التي تصدر عنها الصحيفة السالفة الذكر، فقد يكون ذلك لاذعا أكثر.
الجزء الأكبر من هذه الانتقادات يعود إلى ردود الأفعال المتزايدة والاهتمام الجديد الذي أولته وسائل الإعلام لأزمة اللاجئين على خلفية أحداث التحرش الجماعي والسرقات التي حدثت في محطة القطارات الرئيسية بمدينة كولونيا ليلة رأس السنة. صحيفة " دي فيلت" المملوكة هي الأخرى لدار النشر العملاقة نفسها وجهت أيضا وبلا هوادة وابلا من الانتقادات للسلطات، وقالت إن ميركل ارتكبت أخطاء كبيرة في إدارة أزمة اللاجئين.
انتقادات لا مفر منها
علاوة على ذلك عندما كان مدير مكتب ميركل بيتر ألتماير مجبرا على الإجابة على سؤال لـ"بيلد أم زونتاغ" مباشرة في برنامج على الهواء ليلة الأحد الماضي، وصفت العديد من الصحف أجوبة الوزير الألماني بأنها غير مقنعة، معتبرة أنه ركز فقط على القول بأن الوزراء الألمان ملزمون باحترام الدستور. "ولا كلمة حول دعم في الحزب الديمقراطي المسيحي، ولا كلمة حول الإجماع من طرف السكان"، علقت "دي فيلت".
في الواقع لطالما كانت الفرص أمام ميركل ضئيلة للحصول على دعم من حزبها: الحزب الديمقراطي المسيحي، بل إن أعضاء الحزب أصبحوا حاليا من أكبر منتقديها في الحكومة. "يوجد بالكاد نقاش، هناك نوع من الخوف والإحباط لأن الناس في فريقها البرلماني يسمعون مختلف القصص خلال نهاية الأسبوع في دوائرهم" يقول جوزيف جانينغ، المحلل السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. "إن الأمر لا يمكن تفاديه، أعتقد أنه نتيجة التحديات الكبيرة التي تواجهها ميركل. كانت ستكون معجزة لو لم يوجه لها أي نقد".
جانينغ ينظر بحذر أيضا إلى فرضية أن الصحف الصفراء لديها القدرة على توجيه الرأي العام. "لن أقول حتى أن ميركل تشعر بالخذلان من دار النشر شبرينغر" يقول لـ DW"هذا سلاح ذو حدين، بنشر صفحة كهذه يمكنك أن تقلب الناس إلى صالح ميركل، أو يمكنك أن تشجع معارضيها على رفع أصواتهم".
"لا أعتقد أن حتى أكبر صحيفة ألمانية لديها هذه القوة" يقول، ويضيف "إذا قارنت ألمانيا بالمملكة المتحدة التي لديها صحيفة الصن، أعتقد أنه توجد في المملكة المتحدة نظرة ساخرة للسياسة على نطاق واسع، بينما في ألمانيا، الناس قد لا يكنون الاحترام للسياسيين لكنهم يأخذون السياسة على محمل الجد. لا أعتقد أن ما نشرته شبرينغر على صحيفة لها قد يكون بهدف المساهمة في سقوط ميركل".
ميركل مازالت في أمان
رغم ذلك فإن النقاش الدائر في الرأي العام في ألمانيا حول تدبير ميركل لأزمة اللاجئين قد تأثر بأحداث كولونيا. القناة الثانية الألمانية ZDF بثت استطلاعا للرأي أفاد بأن نسبة الأشخاص المساندين لسياسة اللاجئين في ألمانيا انخفضت من 47 إلى 39 في المائة في الوقت ما بين 15 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي و15 كانون الثاني/ يناير من العام الحالي.
ميركل تلقت انتقادات حتى من شركائها في الائتلاف الحاكم، فالحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي يعتبر أقرب حليف لها لا يقدم دعما حقيقيا. وفي سياق النقاش حول اللاجئين، اقترح وزير المالية فولفغانغ شويبله رفع الضريبة على البنزين لمواجهة نفقات اللاجئين، وهو ما جر عليه انتقادات كبيرة وخلق جدلا كبيرا.
من جهة أخرى ورغم كل شيء، يرى جانينغ أن ميركل في منطقة أمان حتى الآن، لسبب رئيسي هو أنه لا يرى أبدا أن زعيم أي حزب سياسي آخر في ألمانيا مهما كانت توجهاته السياسية، لديه القدرة على تدبير ملف اللاجئين بشكل أفضل مما فعلت ميركل.
"إنها تحت الضغط، والضغط عليها يتصاعد، لكن في الوقت نفسه لا تملك خيارات كثيرة - لا يوجد بديل عقلاني لسياستها" يقول جانينغ ويضيف "الآن الناس يقولون إنها أدخلت البلاد إلى وضع لا يوجد معه بديل آخر ولكن رغم ذلك، موقفها لا تواجهه مواقف وأفكار أخرى أكثر فاعلية، بل فقط انتقادات لما تفعله".