هل تعوض أفريقيا الغاز الروسي وتسد حاجة أوروبا؟
٢٦ مارس ٢٠٢٢تعتزم بلدان الاتحاد الأوروبي وقف استيراد النفط والغاز من روسيا ردا على قيامها بغزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط. ومن أجل تجنب إلحاق الضرر باقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، يدرس التكتل إمكانية المضي قدما في تطبيق حلول على المديين المتوسط والطويل لاستبدال 380 مليون متر مكعب يوميا من الغاز الروسي، الذي يصل إلى 140 مليار متر مكعب أو 45 بالمائة من إجمالي الاستهلاك السنوي للغاز في الاتحاد الأوروبي.
وفي محاولة لسد احتياجات الطاقة على المدى القصير، سلك وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك مسارا مختلفا، إذ قاد الشركات الألمانية الرائدة في مجال الطاقة لإبرام اتفاقيات مع الإمارات خلال زيارته إلى هناك، تزامنا مع استمرار ارتفاع سعر خام برنت الذي يستخدم كمعيار رئيسي لأسعار النفط في جميع أنحاء العالم.
هل تساعد أفريقيا؟
وبما تذخر به من احتياطيات وفيرة من النفط والغاز، فإن القارة الأفريقية قد تكون بديلا لتعويض الغاز الروسي، إذ أفادت تقارير في عام 2017 بامتلاك أفريقيا احتياطيات مؤكدة من الغاز تصل إلى 148,6 تريليون متر مكعب ما يمثل أكثر من 7 بالمائة من الاحتياطيات العالمية من الغاز.
يشار إلى أنه في عام 2019 ، استورد الاتحاد الأوروبي حوالي 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من أفريقيا خاصة من نيجيريا التي قامت بتزويد التكتل الأوروبي بأكثر من 12 مليار متر مكعب.
وفي ذلك، تقول خادي كامارا، المسؤولة في اتحاد الأعمال الألماني الأفريقي، إن "المنتجين الأفارقة يمتلكون احتياطيات تفوق احتياجاتها في الأسواق المحلية، لذا لديهم رغبة في زيادة التصدير".
وجاءت نيجيريا في المرتبة الأولى في أفريقيا عام 2019 في حجم صادرات النفط الخام من القارة السمراء بمعدل بلغ أكثر من مليوني برميل يوميا من النفط في السوق العالمية.
وشهد العام نفسه تجاوز إجمالي إنتاج النفط والغاز في أفريقيا أكثر من 327,3 مليون طن متري من النفط فيما بلغت حصة القارة في صادرات النفط العالمية ما يقرب من 9 بالمائة بداية من عام 2020.
وفي هذا الصدد، قال أحد الوسطاء العاملين في مجال الطاقة في نيجيريا، طلب عدم الكشف عن هويته وأطلق على نفسه اسم شينيدو أولاينكا، إنه من أجل أن تتمكن الدول الأفريقية من سد الفجوة، "يتعين عليها توفير فائض لا يقل عن 7,4 مليون برميل يوميا". وأضاف بأن "هذه الدول ليس لديها القدرة على ذلك بل إنها حتى ليست قريبة من تحقيقه!"
قدرة محدودة على الانتاج
واستشهد الوسيط على ذلك بقوله إن "أنغولا ونيجيريا وهما أكبر منتجي نفط في أفريقيا، لم يتمكنا من الوفاء بالتزاماتهما في إطار منظمة أوبك. فكيف يمكن توفير احتياطي كبير من النفط؟"
وقال إن نيجيريا تمكنت فقط من ضخ 94 بالمائة من حصتها البالغة 1,7 مليون برميل يوميا فيما ضخت أنغولا 78 بالمائة فقط من حصتها البالغة 1,4 مليون برميل يوميا.
وأضاف "إذا لم يتمكن المنتجون الأفارقة الرئيسيون من الوفاء بحصصهم، فإنه لن تكون هناك طريقة تمكنهم من سد الفجوة التي قد تسببها روسيا على المدى القصير." بيد أن الأمر لا يتوقف على عدم قدرة الدول الأفريقية المنتجة للنفط على الوفاء بالتزاماتها فقط، إذ يتعدى الأمر ذلك، حيث "تجد هذه البلدان مشقة في جذب استثمارات جديدة في قطاع إنتاج النفط. لذلك قد لا تتمكن من المساهمة في سد فجوة (الغاز والنفط) على المدى المتوسط" وفقا لما أشار إليه أولاينكا.
الصراع في أوكرانيا.. أين تقف أفريقيا؟
وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، تتباين مواقف الدول الأفريقية حيال الغزو الروسي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز والنفط إلى مستويات قياسية. كانت دلالة ذلك خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس/ آذار على قرار يدين العمليات العسكرية الروسية ويطالب بالانسحاب الفوري وغير المشروط والشامل للقوات الروسية من أوكرانيا.
وخلال الجلسة ورغم تصويت 28 دولة أفريقية من أصل 54 لصالح القرار، فإن البلدان الأفريقية الأخرى امتنعت عن التصويت أو لم تشارك في الجلسة باستثناء إريتريا التي وقفت إلى جانب روسيا وصوتت ضد القرار مع سوريا وكوريا الشمالية.
وكشف هذا الأمر النقاب عن ظهور خلافات سياسية بين دول الاتحاد الأفريقي تحول دون تمكن القارة من التحدث بصوت واحد على منبر الأمم المتحدة. كذلك، لم يعرب أي زعيم أفريقي عن رغبته في لقاء مسؤولين أوروبيين، حيث طلبت مجموعة أعمال ألمانية-أفريقية من وزير الاقتصاد الألماني الأسبوع الماضي التواصل مع نظرائه الأفارقة لبحث إمكانية زيادة إمدادات النفط والغاز من القارة السمراء.
ضعف البنية التحتية
ويرى خبراء أن تردد البلدان الأفريقية في الالتزام بضخ المزيد من النفط والغاز قد يكون مرجعه ضعف البنية التحتية في مجال النفط والطاقة، لاسيما خطوط نقل الغاز والنفط إلى أوروبا.
وفي ذلك، أشارت إحصاءات صادرة عن فرع شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" للتدقيق والإستشارات في جنوب أفريقيا، إلى أن أزمة ضعف البنية التحتية في قطاع النفط أدت إلى انخفاض إنتاج النفط في القارة بنسبة 19 بالمائة عام 2019 عن العام الأسبق ما يمثل 7,8 بالمائة من الناتج العالمي. كذلك، شهد إنتاج الغاز في أفريقيا انخفاضا طفيفا بلغ 5 بالمائة خلال الفترة ذاتها.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى أولاينكا أن "شركات النفط يمكنها الحصول على شروط مالية أفضل بكثير وبيئة تشغيل أسهل، إذا استثمرت في تدشين خطوط جديدة لإنتاج النفط من خارج أفريقيا".
ويشدد على أن الدول الأفريقية المنتجة للنفط يتعين عليها القيام بإجراءات لجذب استثمارات أجنبية في هذا القطاع الحيوي. وقال "لكي تتمكن نيجيريا وأنغولا والبلدان الأفريقية الأخرى المنتجة للنفط من جذب الاستثمارات، يتعين عليها إغراء شركات النفط بحوافز مالية لضخ استثمارات مع تسهيل إجراءات تنفيذ الأعمال التجارية".
جذب الاستثمارات
ومنذ بدء روسيا غزو أوكرانيا، أبدت الجزائر التي تعد أكبر دولة أفريقية مصدرة للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز المسال.
وفي الوقت الحالي، يبلغ عدد خطوط الأنابيب المباشرة لنقل الغاز من أفريقيا إلى أوروبا، أربعة خطوط، لكن جميعها في بلدان شمال أفريقيا. فيما يكمن التحدي الأبرز في بناء بنية تحتية جديدة في منطقة جنوب الصحراء لربطها مع خطوط أنابيب منطقة شمال أفريقيا.
ويؤكد خبير النفط والطاقة أولاينكا على أنه من أجل توصل البلدان الأفريقية إلى حلول على المدى القصير، يتعين عليها تعديل أنظمتها المالية بما يسمح لشركات النفط تحقيق مكاسب مالية نظير استثماراتها في القارة السمراء. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وفقا لما يشير إليه أولاينكا، بل يتعين على البلدان الأفريقية القضاء على الفساد وسرقة النفط الخام والبيروقراطية.
أبو بكر غلوه/ م ع