هل تشكل مبادرة السلم الاجتماعي مدخلا لحل الأزمة العراقية؟
٢٨ سبتمبر ٢٠١٣انعقد قبل أيام في بغداد المؤتمر الوطني للسلم الاجتماعي بدعوة من خضير الخزاعي نائب الرئيس العراقي. يهدف المؤتمر للتوقيع على وثيقة شرف من شأنها إنهاء الخلافات وتوحيد صفوف الفرقاء السياسيين العراقيين. عقد المؤتمر بحضور رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ورئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري ورئيس التحالف الكردستاني فؤاد معصوم وعدد من الساسة ورؤساء الكتل والأحزاب ووجهاء عشائر ورجال دين.
بنود وثيقة الشرف دعت إلى تشكيلَ لجنة برئاسة نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي من أجل تفعيل الحوار بين الكتل السياسية، والتأكيد على تعزيز الثقة بين أطراف ِالعملية السياسية فيما بينها واللجوء إلى اللقاءاتِ الوطنية والثُنائية ونبذ العنف، والبحث عن الحلول عبر الوسائل الدستورية والابتعادَ عن استخدام وسائل الإعلام في طرْح الخلافات والمشاكل.
الاتفاقية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها اتفاقيات مثل "اتفاق مكة" و"اتفاق أربيل". فما الجديد بوثيقة الشرف هذه، في وقت يمر العراق فيه بوضع سياسي متأزم ومشاكل في المحيط الإقليمي؟ يقول المحلل السياسي الدكتور واثق الهاشمي في حوار معDW عربية:" تعتبر هذه الوثيقة الفرصة الأخيرة للساسة العراقيين لانتشال البلد من حالة الفوضى والصراعات التي تنذر بحرب طائفية". ويشير أيضا "من ناحية النص لا يميز هذه الوثيقة أي شي جديد عن المواثيق السابقة، بل أن بعضها كان أكثر حكمة في التعبير عن واقع الحال العراقي. لكن ما يميزها هو الظرف الحرج والقاسي الذي يمر به العراق من قتل وصراعات وانقسامات".
يشاركه الرأي الأستاذ محمد الوادي، المحلل السياسي وعضو مركز تطوير الاتحاد الأوروبي بقوله "إن المؤتمر من حيث العنوان يحمل اسما جميلا، لكن من حيث التفاصيل لم يأت بشيء جديد،" مذكرا بالاتفاقيات السابقة التي نتجت عن "مؤتمر القاهرة"، الذي دعت إليه الجامعة العربية ولقاءات"مكة واربيل". ويضيف الوادي في تعليقه حول توقيت هذه المبادرة: "أن قرب موعد الانتخابات وأجندات خاصة لدى بعض الساسة كان لها دور في اختيار هذا التوقيت، لكن أياً منها لا يصب في مصلحة ترسيخ السلم الاجتماعي".
غياب
انعقد المؤتمر في ظل غياب العديد من أقطاب الساسة العراقية كقادة التيار الصدري ورئيس الوزراء الأسبق رئيس القائمة العراقية أياد علاوي. بالإضافة إلى صالح المطلك رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني، وكذلك مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. الأمر الذي ربما سيدفع المواطن العراقي للتساؤل إن كان النجاح سيكتب للوثيقة مع غياب هؤلاء الساسة. في هذا الصدد يقول الهاشمي: "من أكبر مشاكل المشهد العراقي الحالي هو انعدام النوايا الصادقة لدى الساسة العراقيين". ويرى أن الأطراف السياسية العراقية تعيش اليوم "حالة الخوف من الآخر". لكنه يعزو غياب بعض الساسة عن حضور المؤتمر إلى الخشية من نجاحه "فنجاح المؤتمر قد يصبح دعاية انتخابية لصالح القائمين عليه".
الوادي من جانبه يرى أن حضور الساسة الغائبين لن يؤثر على نتيجة المؤتمر، لأن المؤتمر أصلا لا يملك الفاعلية. "فأغلب الساسة، ممن شاركوا أو لم يشاركوا في مركب واحد، ولا يميزون بين المصالح العامة والخاصة".
وفي تعريفه لمفهوم السلم الاجتماعي يشير الوادي إلى معنى السلام الدائم ورفض كل أشكال القتل والإجرام، والوئام بين مكونات الشعب الواحد واحترام المعتقدات، ويتساءل: "لنكن صريحين، هل توجد لدينا هذا القيم والمبادئ سواء على الصعيد السياسي أو حتى الشعبي؟".
لاحاجة للحضور
رافضو الانضمام إلى المؤتمر الوطني للسلم الاجتماعي يقولون، إن هناك دستوراً للبلاد وسلطات ثلاث، تقود البلاد للخروج من أزمتها الراهنة إذا تم الالتزام بها، وبالتالي لا يرون جدوى من إضاعة الوقت في وضع مواثيق ومعاهدات قد تكون بديلا لدستور البلاد. عن هؤلاء يقول الوادي:" إن من يتحجج بهذا الكلام كالذي يقول كلمة حق يراد بها باطل". وأضاف "أن الكل يعلم أن هناك دستورا وهو مصدر التشريع"، ويذكر الوادي بخطاب رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أكد فيه أن هذا المؤتمر ليس بديلاًَ عن الدستور والسلطات الثلاث. وفي هذا السياق يشير الهاشمي:"إلى أن هؤلاء الفرقاء والخصوم السياسيين هم من كتب الدستور وليس المواطن البسيط، والغريب أنهم لا يتفقون عليه، لذا فهم مطالبون بتجاوز خلافاتهم والاتفاق على ما أصدروه من قوانين وتشريعات".
حول إمكانية تطبيق بنود هذه الوثيقة والالتزام بها يؤكد الهاشمي أن "هذه الوثيقة ليست ملزمة وتخلو من صفة الإلزام، ولا يوجد ضامن حقيقي لتطبيقها سوى الضامن الأخلاقي للأطراف السياسية". في نفس السياق يشير الوادي إلى "أزمة ثقة" بين الناس والواجهة السياسية في العراق، وأن "كل الآليات التي وضعت لن تجدي نفعا ما لم تكن هناك نوايا صادقة لدى الأطراف السياسية واحترام للقوانين والدستور".