هل تضاءل الحس الثوري لدى جيل الشباب في عصر العولمة
٤ يونيو ٢٠٠٦يؤكد العارضون من خلال أعمالهم الفنية في المعرض، الذي يقام حاليا في متحف شيرن كونستهاله في فرانكفورت، على أن شباب اليوم فقدوا رغبتهم بالتغيير، حتى عادة التمرد التي يمر بها الشباب عادة أخذت تضمحل وأصبح هؤلاء يتقاعسون عن القيام بأي شيء ضد واقعهم المعاش على عكس ما كان عليه الحال في الماضي عندما كانوا ينتفضون حتى دون سبب يذكر.
ومن خلال التجول في أروقة المعرض، الذي يستمر حتى الخامس والعشرين من شهر يونيو/حزيران الحالي، يلاحظ الزائر للوهلة الأولى على الأقل أن الصراع بين الأجيال يبدو وكأنه قد تلاشى وأصبح في عداد الماضي، حتى أن طريقة تفكير الشباب الألمان تبدو وكأنها لا تختلف كثيرا عن طريقة تفكير آباؤهم. وهذا أمر كان مستحيلاً مثلا في الستينيات، حينما انتفض الشباب الألمان وكذا شباب أوروبا على سلطة آباؤهم وعلى كل القيم السائدة آنذاك من خلال ما عرف بالثورة الطلابية عام 1968. وعلى العكس من ذلك يبدو الاحتجاج في أيامنا هذه وكأنه من الأمور غير المجدية. وترجع هذه اللامبالاة، إن جاز التعبير، إلى عدة أسباب منها، كما ترى الجهة المنظمة للمعرض، سيطرة "ثقافة البوب" على عقلية شباب اليوم، وهي الثقافة التي بدأت في الولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن الماضي والتي تقوم على أساس التمتع بالملذات والسعادة اليومية الآنية بدلا من الانشغال بالقضايا العامة.
"زمن تشي غيفارا" ولى بلا رجعة
ويحاول الفنان البريطاني غيفين تورك تبسيط فكرة هذه الثقافة السائدة اليوم، وذلك من خلال عرضه تمثالاً للمناضل الثوري العالمي تشي غيفارا الذي كان رمزاً للثورات الشعبية في السبعينيات من القرن الماضي. ولتوصيل الفكرة قام توك ببناء صندوق زجاجي حول تمثال لغيفارا يبدو وكأنه ليس أكثر من جسم مصنوع من الشمع فقد تأثيره. فنان أخر يعتبر أن جسم الشباب أصبح وسيلة عرض لنزاعات المجتمع غير الظاهرة للعيان وذلك بتصميمه قطعة فنية تمثل فتاة تركية تضع الحجاب على رأسها. وهنا يتبادر السؤال للزائر، ترى من يملك الشباب في عصرنا الحالي؟
ومن ملامح النظام الذي لا يريد التغيير هو أنه يتجه إلى دمج كل التغييرات الجديدة كي تصبح عاملاً مرسخاً لدعائمه، ويتجه الشباب اليوم لاستهلاك آخر الألبسة الدارجة وكذلك كل منتجات التكنولوجيا الحديثة وهذا ما يشاهده المرء في الأسواق المليئة بهذه السلع الاستهلاكية
تمثلات سلوكية غريبة
هذا وقد بدأت علامات هذا التحول في سلوك الشباب تتجلى ابتدأ من مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، لاسيما في عالم الموسيقى الالكترونية "التكنو" التي طغت على مظاهر الحياة اليومية للشباب. كما انه من مظاهر هذا التحول ان أخذ الرجال والنساء في سن متقدم يرتدون ألبسة الشباب ويسكنون في مساكن جماعية، ويقدمون طلباً للقيام بدورة تدريبية مع أنهم أعمارهم تجاوزت الثلاثين عاماً، وهذا أمر كان الشباب يقومون به في سن العشرين في الماضي. كما وظهر ما يمكن تسميته موضة "نبذ الكهولة" حيث أصبح الناس الذين تعدو الأربعين من العمر يرتادون المراقص الخاصة بشباب في العشرينات من العمر.
يحاول معرض فرانكفورت أن يعطي صورة عن شباب اليوم بأنه ضائع تائه وغير ثوري، ولكن ذلك بالطبع من وجهة نظر الأجيال السابقة، على الرغم من أن هذا الجيل تجاوز حدود محيطه في عصر العولمة. وبقدر ما نقدم هنا وجهة النظر هذه فاننا نرى ان شباب اليوم ليسو بهذه السلبية والخواء الفكري.
دويتشه فيله ثريا فيليلا/ إعداد سمير مطر