هل تطرد السويد معارضين أتراك لإتمام صفقة الانضمام للناتو؟
١٤ يوليو ٢٠٢٢بمجرد أن وطئت قدماه السويد فرارا من مصير قاس في بلده تركيا، اعتقد بولنت كينيس الذي كان يرأس صحيفة يومية ناطقة بالإنجليزية في تركيا، أنه سيشعر بالأمان ولن يساوره أي قلق بسبب وجوده في الدولة الاسكندنافية.
وخوفا من مصير مجهول، هرب كينيس إلى خارج تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان عام 2016 خاصة وأنه جرى توقيفه ومحاكمته عام 2015 لانتقاده الرئيس. وفي مقابلة مع DW، قال رئيس التحرير السابق لصحيفة "تودايز زمان" إنه شعور في السويد وكأن المرأ يبدأ "حياة جديدة حيث طوى صفحة المخاطر التي كانت تلاحقه في تركيا".
الخطر يلاحق الصحافي اللاجئ
لكن هذا الشعور لم يدم طويلا ففي فبراير / شباط، قامت السلطات في السويد بإبلاغ الصحافي التركي بأن حكومة بلاده تطالب بتسليمه ما يعني أنه سيتعين عليه توضيح أمام المحكمة السبب وراء رغبته في الحصول على حماية في السويد.وأضاف أن المحكمة العليا في السويد تنظر في قضيته حاليا. بيد أنه واعتبارا من الثامن عشر من مايو / أيار الماضي، تزايدت المخاطر أكثر على وقع إعلان أنقرة أنها ستمنع انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ما لم يتخذ البلدان عددا من الإجراءات بينها تسليم أشخاص مطلوبين في تركيا.
وقد وافقت أنقرة في نهاية المطاف على بدءانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف بعد اتفاق قادة الناتو خلال قمتهم في مدريد قبل أسابيع على دعوة البلدين رسميا للانضمام إليه، فيما أبرمت تركيا اتفاقا مع الدولتين الاسكندنافيتين لرفع اعتراضها على عضويتيهما. لكن أردوغان قال إن السويد تعهدت بتسليم أكثر من 73 شخصا لأنقرة، وإلا فإن باب الحلف سيغلق أمامها.
مذكرة تفاهم
يشار إلى أن مذكرة التفاهم المبرمة بين أنقرة وستوكهولم وهلسنكي لا تذكر هذا الالتزام، فيما تنفي الحكومة السويدية أنها قطعت على نفسها هذا التعهد. ولا يزال الغموض يكتنف قائمة أسماء تطلب تركيا من السويد تسليم أصحابها. بيد أن ما أصبح بولنت كينيس متأكد منه يتمثل في أن اسمه ربما يكون مدرجا في هذه القائمة خاصة وأن عثر على اسمه بين "المشتبه بهم في ارتكاب جرائم إرهابية" في أنقرة.
وأضاف أن الحكومة التركية وجهت له العديد من الجرائم رغم نفيه أن يكون من أنصار رجل الدين التركي المعارض فتح الله غولن الذي يقيم حاليا في الولايات المتحدة ويتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب ضده عام 2016. وفي مقابلته مع DW، أكد كينيس "أنا صحافي وأكاديمي انتقد الأوضاع"، لكنه شدد أنه لا ينتمي إلى أي منظمة سياسية، مضيفا: "أعتقد أن الحكومة السويدية كان يتعين عليها عدم ضم هذه المسألة إلى العملية القضائية.. لكنهم فعلوا!"
وأشار إلى أنهفي الظروف العادية لن يساوره أي شكوك حيال نتيجة قضيته التي ينظر فيها القضاء السويدي، لكنه الآن بات "غير متأكد بنسبة مئة في المئة" من القرار النهائي. وأضاف: "قامت السويد بتغيير حيادها قديم الأزل بالانضمام إلى الناتو وهو ما يعد تغييرا كبيرا وبراغماتيا في نفس الوقت وهناك خطر في حدوث نتائج مفاجئة".
قلق متزايد
ولا يعد بولنت كينيس الوحيد الذي يشعر بالقلق حيال مصيره ومصير المعارضين الأتراك الذين يعيشون في السويد. ففي مقابلة مع DW، قالت النائبة في البرلمان السويدي أمينة كاكابافيه، وهي كردية من أصول إيرانية، إنها "قلقة للغاية" حيال تعامل حكومة بلادها مع أردوغان. وأضافت أنها تخشى من أن تجرى عمليات ترحيل لشخصيات تركية ستكون حياتهم في خطر حال عودتهم، رغم أن الحكومة السويدية تعهدت بعدم تغيير سياستها الحالية.
وكانت كاكابافيه محل انتقاد لاذع من الرئيس التركي الذي وصفها بـ "الإرهابية" بسبب دعمها الجماعات الكردية حتى أن الاعلام التركي يتهمها بأنها عضوة في حزب العمال الكردستاني الذي تصنيفه تركيا والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية". وأكدت كاكابافيه رفضها مثل هذه الاتهامات، مضيفة أن السفير التركي في السويد طلب تسليمها رغم أنها ليست مواطنة تركية. وأضافت أنها تتلقى اتصالات مستمرة من مئات الأشخاص الذين يشعرون بالقلق حيال سلامتها وسلامتهم خاصة في حال السفر خارج السويد، محذرة من أن إدراج اسمها على "قوائم أردوغان" يحمل في طياته مخاطر خاصة تعني أن بعض الحكومات الأجنبية الصديقة لتركيا قد تقبض عليها.
حضور بارز لحزب العمال الكردستاني
رغم أن عددا قليلا يرون أن سياسة اللجوء السخية في السويد سوف تتغير بسبب مطالب أردوغان، إلا أن هناك حالة قلق مشتركة بشأن فقرة جاءت في مذكرة التفاهم التي أبرمتها السويد وفنلندا وتركيا في مدريد. وتنص هذه الفقرة وهي الخامسة من المذكرة: "تلتزم فنلندا والسويد بمنع أنشطة حزب العمال الكردستاني وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى وامتداداتها فضلا عن الأنشطة التي يقوم بها أفراد سواء داخل جماعات أو شبكات على صلة بهذه المنظمات الإرهابية. وقد وافقت تركيا وفنلندا والسويد على تكثيف التعاون لمنع أنشطة هذه الجماعات الإرهابية ".
بدوره، يرى أراس ليند، المحلل السياسي في المعهد السويدي للشؤون الدولية، أن أنصار "حزب العمال الكردستاني" سيمضون قدما في تحدي مدى التزام الحكومة السويدية وقدرتها على تنفيذ هذه الفقرة من الاتفاقية. وقال إن أردوغان قد يستغل هذه القضية خاصة مع قرب إجراء الانتخابات العام المقبل، مضيفا "أنه يجيد هذه اللعبة حيث يعتقد أنها قد تكون محاولة لتشتيت الانتباه بعيدا عن ارتفاع التضخم الذي يفاقم من حياة الأتراك اليومية".
وفيما يتعلق بقضية المعارضين الأتراك في السويد، قال ليند: "أعتقد أن معالجة طلبات التسليم ستمضي وفقا للقانون السويدي والقانون الدولي. لا أعتقد أننا سنرى أي تغيير واعتقد أن تركيا هي الأخرى تتفهم ذلك". ورغم هذه التطمينات، إلا أن الصحافي التركي المعارض كينيس لا يزال يخشى على مصيره في السويد خاصة أنه في سبتمبر / أيلول المقبل سيعلم إذا كان بإمكانه البقاء بأمان في السويد أم لا؟ وفي ذلك، قال "الترحيل سيمثل نهاية لهذه الحياة الكريمة".
تيري شولتز / م ع